وأفادت وكالة مهر للأنباء أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف كتب مقالا لجريدة رأي اليوم حول كيفية التعامل مع الظروف المواتية للتطرف والإرهاب جاء فيه:
يجري الحديث كثيراً اليوم عن التحدي الهائل الذي يواجهه المجتمع الدولي والمتمثل بالإرهاب والتطرف، وعن مقاربات مكافحتهما واحتوائهما، على أمل القضاء عليهما.
وبغض النظر عن المكان الذي تقف فيه كل دولة من هذين التحديين التوأمين، وبغض النظر عن جوهر السياسة الرسمية لهذا البلد أو ذاك، فإن المجتمع الدولي بأسره يتقاسم قناعة مشتركة بأن هذه المشاكل تحتاج إلى معالجة عاجلة وبأنه يجب التخلص منها بأكبر قدر من الفعالية، وأشك في أن هناك أي تساؤل يطرحه أحد منا حول الحاجة الماسة لهذه المهمة الصعبة.
بعد عقد ونصف العقد من الفشل الإجمالي في مكافحة الإرهاب خلال فترة ما بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر (2001)، فإن حقائق قبيحة على الأرض تدفعنا للنظر بعيون مفتوحة إلى هذه التحديات، من دون أوهام أو خداع للذات.
إن احتواء - وفي نهاية المطاف القضاء على - المنظمات الإرهابية المتطرفة على الأرض مطلوب بالتأكيد، ولكن ذلك یعتبر فقط كخطوة أولى ضرورية وكمكون من جهد هو أكبر بكثير. إن المشاكل ذات الطبيعة الدولية وذات الجذور العميقة تتطلب فهماً صحيحا وتعاونا عالميا حقيقيا في مواجهتها.
للحد من المفاهيم الخاطئة ومحاولات التشويه وكثرة توجيه أصابع الاتهام نحو المواضع الخاطئة، وللوصول الى الظروف الاجتماعية والعالمية الحقيقية، لا بد من كشف زيف الافتراضات الخاطئة.
هناك أسطورة ثانية يجب فضحها. فمن السهل بالنسبة لنا في غرب آسيا إلقاء اللوم على الغرب كمتهم نهائي في مشاكلنا بعد الجرح البالغ الذي سببه في المنطقة بعد الحروب العالمية لا يوجد نقص تاريخي هنا
في الوقت ذاته، فقد كان أكثر ملاءمة للغرب أن يقوم بإلقاء اللوم علينا بغض النظر عن الاختلاف الموجود والخلافات وحتى النزاعات والصراعات. وربما كان التحول الأسهل للجميع هو توجيه أصابع الاتهام في كلا الاتجاهين، وفي داخل المنطقة. ولكن هذا غير دقيق وغیر مفيد، ولاسيما أن عالمنا أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
الأسطورة الثالثة التي يجب تبيانها هي ما یُفترض من وجود علاقة مباشرة بين الديكتاتورية والتطرف، والتأكيد البديهي المتكرر أن الديموقراطيات لا تحار ب بعضها البعض.
بالنظر إلى بعض الشروط المواتية، فإن الأمل - أو في الواقع انعدام الأمل - هو أمر محوري في المعادلة. وهذا هو بالضبط ما يحدث عندما تثق بالحقائق الثابتة الافتراضات المتجانسة مزحزحة المشكلة موضوع البحث على صعيد المنطقة والمجتمع، متقدما كان أم ناميا، غربيا أو شرقيا، مسلما أو غيرذلك.
الحقيقة القائمة على نطاق واسع، وليس مجرد تكهنات نظرية أو حتى تحليل أكاديمي، هي أن القاسم المشترك الذي يربط جميع المتورطين بعنف متطرف هو أنهم يشعرون، وينظرون إلى أنفسهم كفئة مهمشة في مجتمعاتهم، وحتى على الصعيد العالمي.
التهميش والإقصاء والازدراء
في الدول الغربية التي تجري فيها العملية الانتخابية بشكل جيد عموما، المشكلة تأخذ اتجاها آخر أكثر تفاقما وخطرا. عندما تجد شريحة من السكان المهمشين بشكل ممنهج نفسها في الطرف الخاسر من اللعبة الاقتصادية والأسوأ من ذلك، ترى معتقداتها وقيمها ومقدساتها مستهدفة بشكل منتظم .بعض الذين ارتكبوا أسوأ الأعمال الوحشية باسم الإسلام لم يتبعوا تعاليم الإسلام حتى، وإنما من واقع معين يعتبرهم كمهمشين.
التدخل ونزعات الهيمنة
قضية أخرى للدراسة هي مشكلة مزمنة وقديمة وهي الغزو والاحتلال الأجنبي، وما جلبا في أعقابهما. القضية الأكثر إلحاحا هي حالة احتلال فلسطين لسبعين عاما تقريبا. وقد تفاقمت أكثر بسبب التدخلات السياسية والعسكرية المنتظمة من قبل الولايات المتحدة للحفاظ على ـ وتكريس وخلق ـ ما تریده من ترتيب وهندسة إقليمية منشودة و«نظام عالمي جدید».
فشل الدولة
إن أهم المكونات الداخلية للفسيفساء المعقدة أمامنا هو فشل منظومة الدولة في الاستجابة لطلب الجماهير الأساسي من أجل تحقيق الكرامة. وتظل الحقيقة القائمة هي أن بعضا من أسوأ الانتحاريين جاءوا من المجتمعات الأكثر ثراء في غرب آسيا، والبعض الآخر من العائلات الميسورة.
استراتيجية الإلهاء
إنّ إحباط جيل الشباب الذي يتمّ استخدامه بمهارة من قبل الديماغوجيين المتطرّفين ومموّليهم للوصول إلى العنف العبثي والهمجي ـ ولو كان موقتاً ـ ضدّ الأبرياء، موجّه حتماً ضدّ الأسس التي تقوم عليها دول المنطقة. ولذلك فإن محاولة نفي الخطر الوجودي الداخلي من خلال حرف الغضب تجاه الأعداء الخارجيين المختلقين محاولة مضلِّلة بشكل خطير.
أيديولوجية الإقصاء
بعيدا عن أجهزة الدولة الفاشلة والمهمِلة واللامسؤولة، ومحاولاتها الرامیة إلی حرف اهتمامها، ثمّة أيضاً عامل شبه أيديولوجي قائم على التفرقة والانقسام والكره وإنكار الآخر وعدم تقبّله. إلا أنّ هذا الفكر لا صلة له مطلقاً برسالة الإسلام الأصيلة والحقيقية كما جاء بها القرآن والسنة النبوية. ولكن للأسف، يوجد في المجتمع الإسلامي فكر قائم عل «التكفير» أو الرفض، وهو مخالف تماماً للتعاليم القرآنية الأساسية.
العامل الإقلیمي
ثمّة بالتأكيد مكوّن إقلیمي للعنف المتطرّف المنتشر حالياً، وخصوصاً في العراق وسورية. فسقوط صدّام حسين ونشأة الحكومة العراقية المنتخبة من الشعب ولّد مخاوف لدى بعض دول المنطقة حول اختلال التوازن في غرب آسيا لمصلحة إيران، وهذا ما يجب أن يتغيّر مهما كلّف الثمن، على الأقل بمنظور همهم. فتنظيم القاعدة في العراق، بقيادة الزرقاوي، ومن خلال زواجه المدبّر مع بقايا قادة حزب البعث، بقيادة عزّت ابراهيم الدوري، نشر عدم الاستقرار والعنف في عراق ما بعد صدّام حسين، وظهر لاحقاً على هيئة «داعش» وغيرها من المجموعات المشابهة لها.
البحث عن حلول صلبة
إنّ مجرّد وجود التهديد وطبيعته التي تبدو متصلّبة، كما هي الحال في العراق وسورية، قد أدّى إلى وعي جماعي متزايد في العالم، رغم كونه مختلف الدرجات، فضلا عن تزايد في التوافق الدولي على الحاجة الملحّة لمواجهة هذه الظاهرة وهذا التهديد.
التعديل المعرفي
إنّ الخوض في أساسيات الحالات الفعلية المختلفة في منطقة غرب آسيا - سواء على سبيل المثال في سورية أو في اليمن - بما في ذلك لماذا وكيف تطورت كل حالة إلى ما هي عليها لآن، هو خارج نطاق هذا المقال.
ومع ذلك، فإن ليس من الصعب فهم الأسباب والعوامل والسياسات التي ساهمت في تطوير وظهور هذه الحالات المأسوية. وكما قال أحد السياسيين الأميركيين ذات مرة: «للجميع آراؤهم الخاصة ولكن لا يحق لهم إیجاد حقائق خاصة بهم». فالحقائق في هذه المعادلة غير قابلة للجدل، وقد حان الوقت للجميع أن يتفقوا على الحقائق قبل محاولة التصدي للمشكلة.
ونتيجة لذلك، فلا حل عسكريا للصراعات في العراق وسورية واليمن والبحرين. وأؤكد هذا الأمر بشدة. فهي تحتاج إلى حل سياسي یستند إلى نهج ذا محصلة إيجابية، بحيث لا يتم استبعاد أي ممثل حقيقي - بصرف النظر عن أولئك الذين يقومون بأعمال العنف المتطرف - من العملية، أو يتم تهميشه في النتيجة. للأسف، هذا الأمر يبدو أسهل قولاً من أن يتم تطبيقه أو الاعتقاد به على أرض الواقع. ولكن يمكن للمرء اللجوء إلى الحكمة المأثورة: «حيث هنا كإرادة، هنا كوسيلة».
إن التطورات الإيجابية الأخيرة في لبنان في انتخاب رئيس جديد بعد عامين من المناورات السياسية المريرة، وفي «أوبك» حيث وضع جميع الأطراف خلافاتهم جانبا للتوصل إلى حل ينفع الجميع - بحيث تم تجنب نتيجة كارثية - تعكس درسا سياسيا بسيطا ومهما: لقد تخلت الأطراف المعنية عن توقعاتها المتطرفة ذات المجموع الصفري في سبيل التوصل إلى تسوية فعلية. عند النظر في حالات أخرى لا سيما سورية واليمن، يمكن للمرء أن يحذو حذو اللبنانيين ويأمل أن تكون عملية سياسية من ذاك النوع - أي عملية الأخذ والعطاء وعملية تتطلب التنازلات والتسويات - يمكن الاعتماد عليها لوضع نهاية للمآسي الحالية. وخير البر عاجله.
ورغم الصعوبات التي تنطوي عليها كل أزمة، توجد دائماً احتمالات الاستكشاف والتوصل إلى نتيجة مقبولة لجميع الأطراف المعنية في نهاية المطاف. بشكل أكثر وضوحاً، توجد دائماً وسيلة للوصول إلى الجواب الإيجابي: ولكن للقيام بذلك، لا بد من إعادة فحص المشكلة من أجل تحدید حقیقتها. حينما يتم تشخیص المشكلة من منظور المعادلة غير الصفرية، فإنه یكون قد تم اتخاذ أهم خطوة نحو حل المشكلة. لذلك فإن طبيعة التحدي بشكل مبدئي وقبل كل شيء تكون معرفية في الطبيعة والجوهر. فحالما تستعد الجهات المعنية لوضع ميولها جانبا والتفكير بطريقة مختلفة، ستتبعها السياسات والإجراءات.