٠٨‏/٠١‏/٢٠٠٥، ٤:٢٢ م

تحليل سياسي

عروبة العراق وبرطنة الاردن

رغم الاعتذار المبطن للملك عبدالله الثاني لشيعة العراق فان الاردن قد خسر هذا البلد بعد التصريحات المدوية التي اطلقها العاهل الاردني بشان محاولات ايرانية لتشكيل هلال شيعي.

وكان وزير الخارجية الاردني " هاني الملقي " قد اعرب عن قلقه ازاء اندثار عروبة العراق اذا ما تولى الشيعة سدة الحكم , والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ان شيعة العراق هم من العرب ام لا ؟ وهل هم من سكان العراق الاصليين ام من المستعربين؟
لا شك ان شيعة العراق هم اصل العرب في الفرات والسنة في غرب العراق هم في الاساس هاجروا من بادية الشام التي كانت حتى صدر الاسلام ضمن الامبراطورية الرومانية.

و كان سكان الشام آنذاك خليطا من اليهود و الروم وتسللوا الى العراق منذ تولى معاوية الحكم في بلاد الشام ابان خلافة الخليفة الثالث عثمان بن عفان.

وبعد ان استسلم اهالي هذه البادية ونشب الخلاف بين معاوية بن ابي سفيان والامام علي بن ابي طالب عليه السلام اصبحت الخلافة الاسلامية منشطرة بين الكوفة التي استقر بها الامام علي "ع" والشام التي اتخذها معاوية مقرا لحكمه.

وكان معاوية يطمح الى اخضاع اهالي الرافدين الذين ناصروا الامام علي بن ابي طالب"ع" وابوا ان يخضعوا الى حكم ابن هند آكلة الاكباد.

وكان معاوية قد شجع اهالي بادية الشام علي الذهاب الى العراق من اجل عرقلة حكم الامام علي والقيام بدور الطابور الخامس اثناء الحروب التي دارت بينه وبين ابن عم الرسول "ص" و صهره اي الامام علي " ع".

وكان الامام علي قد التزم الصمت ازاء تدفق اصحاب معاوية الذين هم من المستعربين والدخلاء حفاظاعلى الوحدة الاسلامية وكانت ملامح هؤلاء النزلاء تختلف كليا عن ملامح شيعة العراق لان لون بشرتهم تميل الى البياض وطول قامتهم اكثر بكثير مقارنة بسكان العراق الاصليين و كانوا اشبه بالرومانيين واليهود.

وبعد الحروب الطاحنة  بين اهالي العراق والشام وحادثة كربلاء  بالتحديد والتي وقعت عام واحد وستين للهجرة وشارك فيها جل الدخلاء اتجه هؤلاء المهاجرون الجدد صوب غرب العراق بمحاذاة ما يعرف حاليا بالاردن الذي كان حتى بعد معركة " مؤتة " يقع تحت احتلال البيزنطيين.

وليس خافيا ان السكان الجدد كانوا اكثر اختلاطا مع اهالي الاردن حيث كانت لهجتهم  تمتزج باللغة الرومانية والعبرية  وشيئا من العربية البدوية.

ومن الاسباب التي ما زالت  غير معروفة هي ان سكان بادية الشام المهاجرون الذين قبلوا التعايش مع شيعة العراق على مضض كانوا منغلقين على انفسهم ولا يرغبون بالاندماج مع باقي المجتمعات ولهذا السبب كانت سمات البداوة والميل الى العنف بادية عليهم.

اذن وخلافا لما يتصوره البعض ومنهم وزير الخارجية الاردني فان شيعة العراق هم اقحاح العرب والسنة هم من اصول بيزنطية ليس لهم صلة بالعرب لا من بعيد ولا من قريب.

ومع الفروقات الهائلة بين هاتين الشريحتين اي الشيعة والسنة  فان الشيعة وهم يشكلون اكثر من خمس وستين بالمائة من سكان العراق الاصليين تعاملوا بالمحبة و الاخوة مع الغرباء وتعايشوا بسلام ووئام  معهم اسوة بالمبادئ والقيم الانسانية والنبيلة التي رسمها الامام علي بن ابي طالب "ع".

وعلى هذا الاساس فان الشيعة هم الذين اسسوا الحضارة العراقية و قاموا بتشييد المراقد اكراما واجلالا لسلالة النبي الاعظم" ص" وخير دليل على ذلك وجود الحوزة العلمية في النجف التي تمتد حاضرتها الي اكثر من الف عام.

ومنذ مطلع  القرن الرابع عشرللميلاد سعى البيزنطيون واليهود الالتفاف حول  شيعة آل البيت "ع" مستغلين تواجد الدخلاء في غرب العراق بغية حشر الشيعة  في زاوية ضيقة سواء في ايران اوفي العراق , ودارت حروب طاحنة في ما بعد بين الصفويين و العثمانيين لكسر العزلة المفروضة ضد شيعة العراق انتصر خلالها الصفويون وحرروا الاماكن المقدسة من احتلال العثمانيين.

وعندما فشل البيزنطيون واليهود في التغلب على الشيعة جاء دور البريطانيين لمواجهة هذه الطائفة المسلمة المناضلة وقاموا عام الف وتسعمائة وستة عشربتدبير انقلاب بقيادة " لورنس العرب" سمي في ما بعد بالثورة العربية الكبرى

كما نصبوا الشريف حسين الذي اضاع القدس وباع الاراضي الفلسطينية مقابل تولي العرش ومساعدته لبسط السيادة على منطقة " الهلال الخصيب " في الشرق الاوسط.

وبدأت الكوارث والويلات تحل بالمنطقة حيث تدفق اليهود تباعا على ارض الاسراء والمعراج واحتلوا فلسطين وهتكوا اعراض المسلمين وطردوا سكانها الاصليين.

وكل ذلك حصل تحت عباءة الشريف حسين وابنائه عبدالله و فيصل الاول وعلي الذين  توجوا للقيام بدور الشرطي والحارس على امن اليهود لتنفيذ مشروع " سايكس – بيكو" وتقسيم المنطقة الى دويلات واضعاف دور الشيعة في العراق.

ومند ثورة العشرين وانتفاضة علماء الشيعة ضد الاستعمار البريطاني تم تاسيس حكم فيصل الاول عام الف وتسعمائة وواحد وعشرين بمباشرة البريطانيين للانتقام من الشيعة.

وكان الهاشميون عملوا جهارا  نهارا منذ ذلك العام وحتى ثورة الرابع عشر من تموزالمباركة التي اطاحت بحكمهم اللئيم عملوا لتهميش الشيعة ومنعهم للقيام باي دور في صياغة القرار.

 وبعد انتصار الثورة الاسلامية خسر الاردن حليفه شاه ايران العميل للصهاينة والذي كان يعمل ضد الامة العربية وجعل من ايران وكرا لتجسس الصهاينة ضد  العرب خلال عقود من الزمن.

وحينما استولى الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين على الحكم في عام تسعة وسبعين , حرضه الملك حسين بن طلال على شن حرب ضد الجمهورية الاسلامية للانتقام من الشعبين الايراني والعراقي اللذين اطاحا بعائلتي البهلوي في ايران و الهاشمي في العراق.

والمعروف ان الملك حسين بن طلال وبعد حادثة قصر" الرحاب " عام   الف وتسعمائة وثمانية وخمسين اطلق عبارته الشهيرة التي قال فيها " والله لا ادع دماء اعمامي المسحولين في شوارع بغداد تروح هدرا و ساسعى لان اجعل في كل بيت عراقي مأتم".

وفعلا جعل الملك حسين في كل بيت عراقي مأتما بعد مبايعته لصدام وتشجيعه على زج شيعة العراق في حرب ضد اخوانهم الشيعة في ايران.

وكان ملك الاردن السابق هو الذي اطلق اول قذيفة صوب ايران عام الف وتسعمائة وثمانين وهلل وصفق لديكتاتور بغداد ازاء ما فعله ضد الشعبين المسلمين الايراني والعراقي

كما استفاد الاردن عشرات المليارات من الدولارات طيلة حكم صدام وساعده على قمع الانتفاضة الشعبية في الجنوب وغزوه  لدولة الكويت المسالمة.

وهكذا حينما يتباكى الاردنيون على عروبة العراق ويعربون عن قلقهم ازاء تشكيل الهلال الشيعي قد نسوا او تناسوا ان من يحكم الاردن حاليا هو رضع من ثدي امرأة بريطانية وتربى في احضان البريطانيين ولا صلة له بالاسلام والعرب بتاتا.

وهؤلاء  الناس يدركون اكثر من غيرهم بان كل ما حل بالعراق من ويلات وكوارث وحروب ودمار سببه التدخل الاردني السافر في شؤون هذا البلد العربي الاصيل.

والاردن لا يريد الاستقرار للعراق ولا يريد اجراء انتخابات حرة ونزيهة ولا يريد اقتصادا مزدهرا لهذا البلد بل يريده كبيض في سلته يتناولها حينما يشاء ويكسرها اذا ما اقتضت الضرورة./انتهى/
         حسن هاني زاده – خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء

 

رمز الخبر 146491

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha