١٤‏/٠١‏/٢٠١٥، ١٢:٢٠ م

تحليل سياسي:

انفلات المارد التكفيري على الارض الاوروبية

انفلات المارد التكفيري على الارض الاوروبية

كتبت استاذة القانون الدولي في جامعة تونس الدكتورة سهام بنت محمد بن عزوز مقالا لوكالة مهر للانباء حيث تطرقت فيه الى موضوع الهجوم المسلح على مكتب شارلي ابدو في فرنسا مقدمة تحليلا شاملا حول اسباب هذه الحادثة وتداعياتها في المستقبل على الساحة الاوروبية والعالمية.

وجاء في المقال: عندما حصلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحد و الفين منذ سنوات قدّر الكثير من المحللين و تحت وقع ما حصل حينها أنّ تنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن و في عملية انتقامية خاصة وكردّ فعل على ضربات الولايات المتحدة الامريكية للتنظيم في عدة بقاع من العالم  و في غفلة من كل الوكالات الاستخباراتية العالمية وعلى رأسها الاستخبارات المركزية الامريكية قرّر ان يضرب ضربته معلنا حربه الجديدة و المتجددة ضد قوى الشرّ العالمية !
واضافت الكاتبة التونسيه ان الاحداث قد تراكمت بعدها وأعلنت الحرب على الارهاب ولم تكن زلاّت بوش الابن رئيس الولايات المتحدة الامريكية حينها واعلانه عن اندلاع حرب صليبية جديدة الا احدى المؤشرات  لخطورة ما خططّ له للمنطقة كلها وعلى رأسها طبعا الشرق الاوسط.
وتابعت ان هذه الحرب المعلنة تواصلت  لسنوات عديدة حتى أعلن فجأة عن مقتل اسامة بن لادن زعيم التنظيم الا وان مقابل هذا الاعلان كان هناك جماعات اخرى قد تشكلت و تبلور وجودها على الارض و من ابرزها تنظيم داعش في العراق  الذي سرعان ما أنشأت خلفيته وتطور بنيانه ليصبح تنظيما كبيرا يحتل الصدارة في الاعلام و السياسة اليوم كأكبر و اخطر تنظيم على الاطلاق.
وفي هذا السياق يلفت المقال الى ان عمليات هذا التنظيم لم تظهر بشكل جلي وواقعي واستراتيجي الا منذ فترة صغيرة منوها بسرعة تطورات عملياته و تحركاته و تزامن هذا التحرك مع اندلاع ما درج على تسميته ب"الربيع العربي" او "الثورات العربية" او"الحراك الشعبي" و الذي اجتاح العديد من الدول العربية.
وتؤكد المحللة السياسية التونسية ان ما حصل منذ سنوات في العالم العربي  وفّر لداعش موطئ قدم في كل المواقع ليصبح لديه ايضا حلفاء غربيون وغير غربيين التقت المصالح بين ما يمثله هذا التنظيم من خلفية متطرّفة تكفيرية، دموية، هدّامة وبين ما تريده هذه الدول وما تطلبه للسيطرة الكاملة على كل منافذ القوة في منطقة الشرق الاوسط خاصة ثروات هذه المنطقة وأهميتها الجغراسياسية بالنسبة لباقي المناطق.
واشارت الى الاعلام الغربي وعلى رأسه الاوروبي لم يكن ينظر لهذا التنظيم على انه تنظيم ارهابي يستفيد من حالة الفراغ السياسي ربما او الارتدادات في الدول العربية او البعض منها لينقضّ ويهيئ البيئة للتأقلم مع ما ينقله من افكار ورؤى مشوهة باسم الدين و الاسلام لتحكيم للسيطرة والاستغلال كمالم يكن نفس هذا الاعلام يدين اعماله الاجرامية من قتل و تنكيل و قطع للرؤوس وذبح للأسرى وهتك للأعراض واحراق للمساجد والحسينيات والكنائس بل كانت تقدم هذه الاحداث على انها ردود أفعال طبيعية على استبداد سلطة او نظام  في المنطقة و يقدم هؤلاء على انهم ضحايا هذا الاستبداد و الاضطهاد وبل الاخطر من كل هذا انه في احيان كثيرة كان يشوه الحقائق للراي العام الغربي وقدّم هؤلاء على انهم ثوار ينشدون الحرية و الديمقراطية و ممثلون للإسلام المعتدل !!!
كماوتطرق المقال الى فتح مكاتب الانتداب للجهاد في سوريا و العراق في العديد من  الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا واسبانيا وبلجيكا وهولندا والمانيا وغيرها معتبرا ان الامر لم يكن خفيا على الاستخبارات الغربية التي كانت و لا تزال تشرف على هذه المكاتب وكل الذين كانوا يستعملون المطارات الاوروبية للعبور الى سوريا و العراق كانوا ينتدبون في معظمهم تحت راية هذا التنظيم سواء اكان ذلك علنا او سرا موضحا ان معظمهم كانوا من الشباب المسلم الاوروبي من الجيل الثالث وحتى الرابع الذين تتراوح اعمارهم بين سن 17 عشرة و 24 سنة  .
وقالت الاستاذة الجامعية التونسية في المقال : اليوم كل المؤشرات تقول بان هذا التنظيم يتلقى مساندة ومساعدة من العديد القوى العالمية كي تجعله اداة قتال شرسة في وجه قوى الممانعة و المقاومة ضد الصهيونية وحلفائها موضحة ان الاحداث على الارض لاسيما في سوريا  و العراق هو اكبر دليل على ان هذا التنظيم الارهابي  يقود حربا بالوكالة لصالح القوى الغربية وعلى رأسها الكيان الصهيوني وهو يعلن ذلك صراحة و لا يخفيه.
ولفتت الى ردود الافعال من قبل هذا التنظيم الارهابي وحلفائه من  الجماعات التكفيرية مبينة انها  ستكون خطيرة و منذرة بالعديد من ردّات الفعل المدّمرة ما ادت الى احياء فكرة الحرب على الارهاب من جديد في هذه الدول وتحذير من عودة البعض من مقاتلي التنظيم الاوروبيين الى دولهم بعد ان اصبحت كل الوقائع على الارض تشير الى  اندحاره في العديد من المواقع انطلاقا مما حققته و لا تزال قوى الممانعة و المقاومة على الارض في كل من سوريا و العراق.
وتابعت ان هذا الواقع احرج العديد من هذه القوى الغربية وقد وضعها في مأزق خطير بين توّرطها في العديد من المناسبات في تقديم العون و المساعدة اللوجستية و الامنية وحتى العسكرية  لهذه الجماعات المتطرفة في سوريا و العراق خصوصا و ان التجربة مع هكذا صنف من التنظيمات وعلى رأسها تنظيم القاعدة الذي لا يعد سوى  بوابة من بوابات هذه الجماعات التكفيرية الارهابية لا تزال شاهد على ذلك ابتداء مما حصل في ابراج نيويورك  وصولا الى العديد و العديد من التفجيرات التي  حصلت في قلب اوروبا في مدريد باسبانيا مثلا اوفي بعض محطات الميترو ببريطانيا  و غيرها .
واعتبرت د. سهام بنت محمد بن عزوز ان حادثة شارلي ابدو اتت بباريس استكمالا لهذا الحراك الارهابي و لكنها في نفس الوقت كانت بداية لما هو اخطر بكثير على اوروبا بكاملها مشددة انه لن تقف ارتداداته عند هذا الحد.
واشارت هذه الخبيرة السياسية الى الجماعات اليمينية المتطرفة  داخل اوروبا  التي تعمل منذ سنوات على استئصال المسلمين من اوروبا  مدركة خطورة ان يصبح المجتمع الاوروبي مجتمعا اسلاميا في السنوات القليلة القادمة موضحة ان هذا الامر كان واضحا في خطب و سياسات هذه  الاحزاب و المجموعات اليمينية المتطرفة التي لم تتوقف عن المطالبة سواء داخل دولها او حتى داخل البرلمان الاوروبي  بإقصاء المسلمين و تبني قوانين و نواميس تحد من تحركاتهم و من تمتعهم كأي اقليّة اخرى في اوروبا بامتيازات نظرا لما تمثلها الجاليات المسلمة.
واضافت الاستاذة الجامعية التونسية: لكن هذه التحركات العنصرية ضد المسلمين في اوروبا لم تشهد ردّات فعل من هذا النوع على الاطلاق رغم ما كان يشوبها من اثار عنصرية مقيتة بل بالعكس جوبهت بالتريث و العقلانية المبالغ فيها ربما احيانا كمحاولة  للمحافظة على التوازن و الاستقرار و الابتعاد عن اي استفزاز من شأنه ان يجّر هذه الجاليات الى صراعات هي في غنى عنها لكن السؤال الاكثر اهمية هو التوقيت .
وتسائلت لماذا حصلت هذه الحادثة الان ولماذا فرنسا تحديدا ؟ وما هي الخلفيّات و من المستفيد و من المتضرر؟
واكدت الكاتبة ردا على هكذا تساؤلات انّ دفع الفاتورة قد بدأ يعني ان فرنسا التي كانت و لا تزال راس حربة في الحرب على سوريا و العراق ولم تخفي مساندتها لمن تعتبرهم هي وحلفائها "ثوار معتدلين" في المنطقة لابد ان تتحمل المسؤولية.
 واوضحت: اعتبارا للهزائم المتكررة للجماعات التكفيرية التي حققتها ولا تزال قوى الممانعة  والمقاومة على الارض و الخسائر التي لم ينفك يتكبدها هذا التنظيم الارهابي و تراجعه في العديد من المواقع في سوريا اضافة الى وقوف العديد من الحلفاء الدوليين الى جانب الجيشين العراقي و السوري ضد التنظيمات التكفيرية وعلى رأسها الجمهورية الاسلامية في ايران كان لابد لهذه الجماعات التكفيرية اليوم ان تقوم بردّات فعل انتقامية كما حصل سابقا ربما لشعورها بتخليّ الحلفاء عنها ربما ايضا لأنها اليوم محشورة في الزاوية و قد تقطع أورادها في اي لحظة.
ويشدد المقال على انه دون تردد اختيار فرنسا كأول موقع لردة الفعل الارهابية ليس من باب الصدفة و انما هو نتيجة تخطيط و تحضير للأرضية الواسعة التي لن تتوقف عند هذا الحد بل هي بداية انذار لحادي عشر من سبتمبر جديد و لكن هذه المرة اوروبي .
كما وذكر ان القوى الغربية لا تتحرك من فراغ و ان اصرارها اليوم على توحيد القوى لمحاربة الارهاب ليس من باب الصدفة ايضا وقد تكون هذه العملية التي ضربت قلب باريس في وضح النهار احدى  المحركات لهذا القرار الاوروبي الدولي الجديد و المتمثل في تفعيل و توحيد الصفوف للحرب على الارهاب و استئصاله ربما سعيا لوقف ارتدادات ما يحصل على الارض السورية و العراقية و منع وصوله الى الاراضي الاوروبية وربما ايضا محاولة  من الدول الغربية  لتحصين مجتمعاتها امام عودة الالاف من المقاتلين الى اراضيها و الذين يعتبرون قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في اي لحظة.
واستطردت الكاتبة الى توقيقت هذه العملية قائلة: ان هذه الحادثة تحمل ابعادا اكثر خطورة في اختيار هذا التوقيت بالذات لان اوروبا اليوم و على رأسها فرنسا تعيش أزمة سياسية و اقتصادية خانقة  تنذر بالاسوء في الشهور المقبلة بعد ان وقع الاعلان منذ مدة من داخل الاتحاد الاوروبي عن خروج العديد من الدول من منطقة اليورو اضافة الى الازمة الاوكرانية و تداعياتها على العلاقات الاوروبية الروسية وصولا الى العديد من المشاكل المتعلقة بالأقليات داخل اوروبا و على رأسها الاقليات المسلمة و التي بدأ واضحا منذ سنوات ما تعانيه من  هجوم مبرمج و ممنهج من قبل بعض الاحزاب و المجموعات اليمينية المتطرفة التي رجعت الى الظهور بشكل  مكثف و منظم داخل هذه الدول و هي تسيطر في غالبيتها حتى على سلطة القرار داخل البرلمان الاوروبي .
وفيما يتعلق بسؤال حول الاطراف المستفيدة من هكذا ردود افعال اكد المقال ان الذين قاموا بها ومن ورائهم المخططين و المسيرين و المنفذين للعملية  هم اول المستفيدين لأنهم استطاعوا بهذه العملية أن يحققوا اختراقا واضحا للأمن القومي الفرنسي و من وراءه الاوروبي و ان يخلقوا بلبلة واضطرابات داخل  الكيان المجتمعي الفرنسي و لأنهم من حيث يعلمون او لا يعلمون ينذرون باندلاع صراعات قد تكون اكثر خطورة و ربما دموية في قلب اوروبا و هذا هو الاخطر على كل الكيان الاوروبي مجتمعا وثانيا الصورة التي ظهر فيها ممثلو الكيان الصهيوني من ورائهم كل التيارات المساندة لهذا الكيان في قلب اوروبا و التي معروف انها احد الركائز الاساسية في السياسة الفرنسية تشير الى استغلال هذه الحادثة ابشع استغلال لتمرير رسائل عدائية للإسلام و المسلمين في العالم وتوظيف كل تفاصيلها خدمة للمصالح الصهيونية.
وتابع المقال: يبقى الان علينا ان نقول ان هذه الحادثة ليست الاولى و لن تكون الاخيرة و فرنسا هي بداية الارتداد لازدواجية المعايير التي اعتمدها الغرب في النزاع في الشرق الاوسط و التي خلقت ارهابا يجد في اوروبا اليوم كما في غيرها بيئة حاضنة لعملياته و تفاعلاته .
ولفت الى ان هذه الحادثة بداية انفلات المارد عن حكم سيده وكانت البداية منذ سنوات في الولايات المتحدة الامريكية برد فعل تنظيم القاعدة وحصول احداث سبتمبر 2001 و ها هي اليوم تتجدد بسبتمبر من نوع اخر اي "سبتمبر اوروبي" متداعي خلفيته ونتائجه ستكون وخيمة ليس فقط على اوروبا بل على كل العالم.
واضاف : مسيرة باريس  التي حاولت القوى المختلفة المشاركة فيها  التعبير من خلالها عن تجاوز الخلافات الاقليمية و الدولية في سبيل توحيد الصفوف ضد عدو اكبر و اخطر هو الارهاب ليست بالصورة الصادقة وانما هي مجرد عرض فلكلوري سخيف قادته نفس القوى الغربية و الدولية التي تدعم نفس هذا الارهاب اليوم في الشرق الاوسط بل و تقف مساندة له في العديد من المواقع بتعلة انه يقاوم الاستبداد و الحكومات المدعومة من قوى الممانعة و المقاومة.
وتدعو الكاتبة في ختام المقال القوى الممانعة الى التحرك والتحصن والاستمرار في التصدي لقوى الشر الارهابية وداعميها ايضا وعدم الوثوق في القوى الغربية و قراراتها اليوم ./انتهي

 

رمز الخبر 1848170

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha