٠٢‏/١١‏/٢٠١٥، ٣:١٠ م

الرأي:

تعليق على دعوة سلمان رشدي الى معرض فرنكفورت الدولي للكتاب

تعليق على دعوة سلمان رشدي الى معرض فرنكفورت الدولي للكتاب

كتبت الاكاديمية التونسية واستاذة العلوم السياسية الدكتورة سهام بنت محمد بن عزوز مقالا لوكالة مهر للأنباء درحت فيها اسئلة حول انتكاس العرب امام احياء قضية سلمان رشدي واستمرار الاساءات الغربية لمقدسات المسلمين بدعوته الى معرض فرنكفورت الدولي مشيرة الى ان العرب فقدوا منذ زمن بعيد امكانية التخلص من هذه التبعية لقوى الاستكبار العالمية.

لقد عودنا العرب المسلمون منذ سنوات على مواقف هزيلة للاسف في مواجهة موجة العنصرية و التشويه التي تتعرّض لها القيم الاسلامية , ذلك انّهم لا يولون اعتبارا ولا اهمية لكتابات ومقالات ودراسات هددت ولا تزال قيم هذا الدين الحنيف نظراً لما تطرحه من افكار"مسمومة" للعقل العربي والاسلامي من جهة ولما يحمله من مخزون لهذا الدين وللفكر الغربي ايضا الذي بات ينظر لهذا الدين في العديد من المناسبات نظرة عدائية ومشوهة.

ولقد وصل الامر بالعرب المسلمين في السنوات الاخيرة الى اعتبار الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للذات الالهية و لشخص الرسول الاكرم صلوات الله عليه هي اكثر تأثيرا من كتب المرتد سلمان رشدي ، فنراهم ينتفضون ضدّ الرسوم ولا يتحركون قيد أنملة ضد فكر وثقافة الكفر التي روج لها هذا المرتد و غيره....نقول  امام هذه الحرب المعلنة اليوم على الاسلام و المسلمين من كل الجهات اننا اصبحنا امام خيار صعب وعلينا ان نختار اي المواقف جدير بالمراجعة، السكوت عن كل ما يحصل من اساءة وتشويه للقيم الاسلامية الحقيقية من خلال الحرب الثقافية الناعمة المعلنة علينا او العمل على مواجهة هذه النعومة الموهومة بالتحديّ والاصرار على كشف نواياها الحقيقية الى الرأي العام العالمي وخاصة الاسلامي والدفاع عن مكتسبات هذا الدين الحنيف.

ان اخطر الاساءات للإسلام والمسلمين هو التركيز على ثقافتهم وديانتهم واستفزاز مشاعرهم من خلال الصورة والكلمة على حدّ سواء....و لكن لابد من القول ان الكلمة هي اكثر واشدّ خطورة من الصورة لان الصورة مفاعلها مؤقتة تنتهي بانتهاء فترة الترويج والحملة ولكن الكلمة هي ميراث وبصمة تنتقل من جيل الى جيل وعبر التاريخ ان لم يقع محاربتها وفضحها والقضاء عليها و خروج سلمان رشدي للعلن مرة اخرى في هذه الايام اكبر دليل على ذلك ....هذا الصمت الرهيب الذي شهدناه في الايام الأخيرة من قبل الاوساط الاسلامية خاصة الرسمية منها تجاه هكذا ثقافة والاكتفاء بالاحتجاج المبهم ضدّ الرسوم الكاركاتورية واعتبارها اكثر خطورة واستفزازاً لنفوس المسلمين دون الاخذ بعين الاعتبار ما هو اخطر منها -على اساس اننا شعوب لا تقرأ ولا تتابع الكلمة وانّ تأثير الصورة والرسم والفيلم هو أشدّ خطورة على ديننا من ثقافة مكتوبة تناهض الاسلام-.

و القول للاسف اننا لا يمكن ان نحارب الكلمة لاننا بذلك نعلن اننا شعوب متخلفة لا تحترم حرية التعبير ...اعتقد جازمة انّ هذا الموقف الضعيف للعرب المسلمين روّج بشكل مباشر او غير مباشر للرسوم المشبوهة وزاد في فضول الكثيرين في الاطلاع عليها وربما حتى اتخاذ مواقف دفاع في حق مروّجيها ورسّاميها ....حتى ردّة الفعل التي قد تحصل هنا او هناك ضد هذه الرسوم من خلال حرق بعض المكاتب او دور الطباعة او حتى مهاجمة بعض دور النشر كما حصل في فرنسا (جريدة شارلي ابدو ) لم يزد الموضوع الا تعقيدا وربما تشويها لانه وضع المسلمين اينما كانوا في موقف المتطرف الرافض لحرية التعبير والمشوّه لقيم التعايش السلمي.

هذا الصمت العربي تجاه خروج سلمان رشدي في معرض فرنكفورت الدولي للكتاب وعدم الاستجابة للصرخة الاحتجاجية للجمهورية الاسلامية في ايران خاصة من الاوساط العربية الرسمية كمنظمةّ التعاون الاسلامي دليل على ضعف واستسلام وخذلان وكيدية سياسية ضدّ الجمهورية الاسلامية الايرانية التي سجلت بهذا الاحتجاج موقفاً مشرفاً وعادلاً يكفي انها قررت الانسحاب من المعرض الدولي للكتاب على الرغم مما يمثله الحضور الايراني في هذا المعرض من اهمية علمية وثقافية نظراً للعدد الكبير لدور النشر الايرانية المشاركة فيه سنويا.

لابدّ من الاضافة هنا انّ معاداة الامام الخميني قدس سره الشريف لسلمان رشدي واصدار فتوى في 1989 لهدر دمه واعتباره مرتدّا عن الدين.....لم تكن معاداة شخصية ولا ترويج لسياسة قمع للفكر الحر ّ كما حاول بعض من يدعون انهم مفكرين ومثقفين عرب الترويج لها (مثل ابراهيم عيسى الكاتب المصري الذي اعتبر الموقف الايراني حينها تهويلاً ومبالغة في حق فكر حرّ في كتابه ' افكار مهددة بالقتل من هدى شعراوي الى سلمان رشدي ') . هؤلاء المفكرين و غيرهم حاولوا ان يحصروا هذا الموقف في خانة العداء الشخصي و التحدي الشخصي ربما بين الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة و بين روّاد فكر معادي لتعاليم الاسلام ممولّ ومساند من قبل الغرب يتزعمهم سلمان رشدي الذي شكلت كتاباته المروجة في الغرب تهديدا حقيقيا لقيم الامة الاسلامية.

يكفي القول انّ الامام الخميني قدس سره الشريف عندما اتخذ هذا الموقف كان يواجه عقلية عنصرية غربية عدوانية لقيم الاسلام الحقيقي .....عقليّة تقول و لا تنفي بالقول ...انه اذا اردتم غزو الاسلام وتحطيم شوكته والقضاء على عقيدته التي أتت على كل العقائد السابقة واللاحقة والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسيادتهم وغزوهم العالم فانّه لابدّ من التوجه الى هدم نفوس الشباب المسلم  والامة الاسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القران وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة روح الاباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي. 

هذا هو السبب الرئيسي والواقعي والمنطقي الذي حرك نفسية الامام قدس سره الشريف وجعله يقف موقفا مدافعا وحارسا لقيم الاسلام وتاريخ هذه الامة من باب المسؤولية والواجب الاخلاقي والعقائدي ولم يكن هذا الموقف بالرغم من كل ما روج له الاعلام العربي من انها قضية شخصية بين الامام و بين كاتب تجرّؤ ان يكتب عن الاسلام والنبي الاكرم (ص) بالكذب والتشويه ما لم يصل اليه غيره. وللاسف الشديد بقي الموقف العربي ضعيفا وغير مجدي بل تعدّاه الى الكيدية السياسية التي لم تخدم قضية الاسلام ولم تدافع عنه.

نشهد في العالم العربي والاسلامي العديد من التيارات المتطرّفة التي يتبان سلوكها بين التكفير المتشدد في محاربة كتب وافكار بعض المفكرين العربي امثال حامد ابو زيد و بالمقابل التغاضي وتجهل افكار سلمان رشدي المرتدّ.

 لقد تعرض حامد ابو زيد للتهديد بالقتل وذلك بسبب كتاباته وخاصة جزء كبير من كتابه "نقد الخطاب الديني" مع انه يمكن القول ان هذا الكاتب قد تناول ببحث الخطاب ومجرياته وتداعياته ولم يتعرض بشكل صريح للقران او لشخص النبي (ص) وصحابته واهل بيته فكان جهده – و ان بدى مستنكراً من قبل الاوساط الاسلامية- لكنهّ كان مركزاً في البحث والنقد للخطاب المبرمج و ليس كما فعل سلمان رشدي الذي كان عدائيا والذي سعى من خلال افكاره الى التشكيك باساس العقيدة الاسلامية والمس بقيم القران الكريم. الغريب ان التيارات المتطرفة هددت حامد ابو زيد بتصفيته عقابا له على ما نشر له من كتب و افكار اعتبرت في جزء كبير منها معادية ومشوّهة لقيم الاسلام ولكننا لم نر الموقف ذاته تجاه سلمان الرشدي وان كانت افكاره و اساليبه اشد خطورة ...

لابد من استخلاص فكرة اساسية بعد هذا الطرح الا وهي انه للاسف الشديد العرب لا ينتفضون عندما يكون الامر متعلقا بالعقيدة الاسلامية وقيمها بل بالعكس يصبح الامر بالنسبة لهم احتراما والتزاما بحرية التعبير والرأي كما حددها الغرب نفسه وليس كما تحددها على الاقل القيم الاسلامية السمحة. العرب فقدوا منذ زمن بعيد بسبب ضعفهم ووهنهم وسياساتهم التابعة للغرب امكانية التخلص من هذه التبعية لقوى الاستكبار العالمية. نعيش اليوم  غزوا ثقافيا غير مسبوق في شكل حرب ناعمة اصبحت تشكل في نظر العديد من العرب البوابة الحقيقية للحداثة والتطور غير مدركين انهم بذلك يصبحون عبيد الفكر الغربي و ميولاته و تصبح افكارهم ومواقفهم من قضايا الامة الاسلامية مسيّرة و موجهة من الغرب ذاته حتى في ردّات الفعل   لتخدم سياسات و مصالح هذا الغرب المستكبر لا غير. 

رمز الخبر 1858452

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha