١٣‏/٠٢‏/٢٠٢١، ١:٣٣ م

نداء الإمام الخامنئي بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الحكيم

نداء الإمام الخامنئي بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الحكيم

أصدر الإمام الخامنئي نداء بمناسبة استشهاد آية الله السيد محمد باقر الحكيم اعتبر فيه أنّ اغتيال هذا السيّد الجليل والعالم المجاهد يصبّ في خدمة مصالح أمريكا والصّهاينة واعتبر سماحته أنّه كان يمثّل تجسيداً للإرادة المشروعة لشعب يرى دينه واستقلاله ومستقبل بلاده عرضة للأخطار وبيوته تحت أحذية المحتلين.

وکالة مهر للأنباء _ ليس من العدل والإنصاف بمكان ان ندعي اننا نتمکن من کتابة ما يكون وافيا ومحيطا بكل جوانب حياة هذا العالم الشهید المجاهد، فالرجل قد امتد نشاطه لاكثر من نصف قرن، كانت سنينه معبأة ومثخنة بالاحداث والتطوارات، حيث امتازت هذه السنين بصعود الخط البياني لقوة المرجعية وتعاظم نشاطها، وما تبعه من متغيرات على كافة الاصعدة والمستويات، وكان (رحمه الله) مرافقا لهذا الصعود وداخلا في عمقه، حيث انه كان أحد العقول المهمة في الجهاز المرجعي للامام الحكيم، واحد اهم مستشاري الامام الصدر واحد الداعمين بقوة لمرجعية الامام الخميني والثورة الإسلامیة و من ارکان الکفاح ضد النظام البائد البعثي.

 في الخامس والعشرين من جمادى الأولى عام 1358 هـ – 1939م، وفي مدينة النجف الأشرف أطلَّ على الدنيا شهيدنا المعظم المجاهد السيد محمد باقر الحكيم ليكون الولد الخامس والابن البار لمرجع الطائفة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم.

کتاتیب النجف الأشرف كانت مدرسة الأجيال التي يتلقى فيها الفتيان علومهم الأولية والبسيطة وسيدنا الشهيد سار على نهج أبناء مدينته فتلقى القراءة والكتابة فيها، ثم دخل مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر وأنهى الصف الرابع وتركها متوجها نحو الدراسات الحوزوية في سن الثانية عشر من عمره فكان أول أساتذته آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، حيث درس عنده بعض المقدمات. كما درس على مستوى السطح العالي عند آيات الله السيد محمد حسين ابن السيد سعيد الحكيم و السيد يوسف الحكيم والشهيد الصدر (قدس سرهم).

ثم حضر درس خارج الفقه والأصول لدى كبار العلماء والمجتهدين أمثال آيات الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد باقر الصدر ونال في أوائل شبابه عام 1384هـ شهادة اجتهاد في علوم الفقه وأصوله وعلوم القرآن من المرجع آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين. ولسماحته تقريرات للدروس التي تلقاها على مستوى المقدمات والسطوح وبحث الخارج تركها في النجف بسبب الهجرة من العراق فاستولى عليها أوغاد صدام ضمن مصادرتهم لممتلكاته، ومنها مكتبته وكتاباته.

لقد ارتبط شهيد المحراب بالقران الكريم ارتباطاً وثيقاً، واهتم به اهتماماً كبيراً، فالقران من وجهة نظره هو الركيزة الأساسية في حفظ الجماعة الصالحة حيث يقول: "لقد اهتم أهل البيت عليهم السلام اهتماما خاصا ومتميزا بجانب الفكر والعقيدة، لأنه يعتبر الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه بناء أي جماعة بشرية. وبمقدار ما يكون هذا الجانب قويا وواضحا ومنسجما وشموليا، تكون الجماعة قوية وقادرة على مواجهة المصاعب والمشكلات والظروف المختلفة التي تفرزها حركة التاريخ."

صرخة الحسين عليه السلام هيهات منا الذلة كانت حية داخل وجدان شهيد المحراب رغم السنين المتمادية، فهو يفسرها رضوان الله عليه من خلال منظوره الإنساني بأنها صرخة عز وفخر أطلقها الحسين عليه السلام قبل قرون لتبقى مدوية في سماء الأحرار اللذين يأبون الضيم، وصرخة استنهاض لهمم المؤمنين الرساليين اللذين يأبون انحراف المسيرة المحمدية عن صراطها الذي اختطته السماء.

في الثلاثين من آب 2003، صدم العالم الاسلامي بانطفاء نور من الانوار المحمدية الاصيلة "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، فبعد انتهائه من صلاة الجمعة وخروجه من الصحن الحيدري الشريف تعرض موكب سماحته لعملية تفجير قام بها القتلة بواسطة سيارة مفخخة أدت الى استشهاده وتناثر اشلاء جسده الطاهر، ظناً منهم، ان المسيرة الحسينية ستنكفئ وتتهاوى، لكنهم نسوا او تناسوا ان الشهيد الحكيم حي في ضمائر وقلوب المؤمنين المخلصين، وان دمه الطاهر سيكون شعلة وضاءة يقتبس منها الأحرار فاصدر الامام الخامنئي بیانا یعزي فیه الشعب العراقي یاتي نصه کما یلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنا لله وإنا إليه راجعون
ارتكبت اليد الأثيمة القذرة لمرتزقة الاستكبار فاجعة كبرى وسلبت الشعب العراقي شخصية قيمة كانت تعد خندقاً منيعاً أمام محتلي العراق، فعمدت إلى هدم هذا الخندق. اليوم وإلى جوار الحرم الملكوتي لمولى المتقين عليه آلاف التحية والثناء انتهل آية الله محمد باقر الحكيم والعشرات من الرجال والنساء المؤمنين الذين اغترفوا من زلال الذكر وخشوع صلاة الجمعة انتهلوا كأس الشهادة وعرجوا إلى حريم الأمن والرحمة والفيض الإلهي الخاص.

كان هذا الشهيد العزيز عالماً مجاهداً كافح نظام صدام الخبيث سنوات طوالاً لإحقاق حقوق الشعب العراقي، وبعد سقوط صنم الشر والفساد وقف سداً قوياً بوجه المحتلين الأمريكيين والانجليز وبدأ كفاحاً صعباً ضد مخططاتهم المشؤومة وأعدّ نفسه للاستشهاد في سبيل هذا الجهاد الكبير والالتحاق بقافلة شهداء عائلة آل الحكيم المعظمة وسائر شهداء العلم والفضيلة في العراق.

الفاجعة التي وقعت اليوم في النجف الأشرف واستشهاد هذا السيد الجليل والعالم المجاهد تصب بلا شك في خدمة أهداف أمريكا والصهاينة الغادرين.

كان الشهيد آية الله الحكيم تجسيداً للإرادة المشروعة لشعب يرى دينه واستقلاله ومستقبل بلاده عرضة للأخطار وبيوته تحت أحذية المحتلين ويريد الدفاع عن هويته الدينية والوطنية مقابل المعتدين. استشهاد هذا السيد الجليل مصاب جلل للشعب العراقي ووثيقة أخرى على إجرام المحتلين الذين فرضوا انعدام الأمن والفوضى على العراق بتواجدهم اللامشروع فيه. ولكن ليعلم أعداء العراق المستقل المسلم أن هذا الاستشهاد المظلوم لن يضعف من عزيمة الشعب العراقي ومقاومته حيال مخططات وأهداف الاستكبار والصهيونية ولن يضعضع من إيمانه ووفائه لخط الإسلام والقيادة الدينية، بل سيكون أكثر صموداً إن شاء الله على الضد من إرادتهم ورغبتهم. أذكّر الشعب العراقي المؤمن الغيور بأن السبيل الوحيد لشموخه وإنقاذ بلاده من شرور مخططات الاستكبار والصهيونية الخطيرة هو وحدة كلمته تحت لواء الإسلام المجيد. وبوسعه اليوم عبر الاعتصام بهذا الحبل الإلهي المتين تقرير مستقبل لبلاده وأجياله الآتية يتألق فيه العراق الإسلامي المستقل كنجم زاهر في العالم الإسلامي. الشخصيات البارزة والنخبة الدينية والسياسية في العراق لن يتمكنوا من النهوض بالواجب الكبير الملقى على عواتقهم في هذه الأيام الاستثنائية إلا عبر الاعتصام بالإسلام ووحدة الكلمة، ونتمنى أن يكونوا موفقين وراسخي الأقدام على هذا السبيل.

أعزي سيدنا بقية الله الأعظم روحي فداه، وعموم الشعبين في العراق وإيران، والحوزة العلمية، والمراجع العظام والعلماء الأعلام في النجف وقم، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، ولا سيما عائلة الحكيم المعظمة المنجبة للشهداء، وخصوصاً أخاه المكرم حضرة السيد عبد العزيز الحكيم، والعائلة والأبناء الأعزاء لشهيد المحراب هذا، كما أبارك هذه الشهادة الكبرى، وأسأل الصبر الجميل والأجر الجزيل للعوائل المحترمة لسائر شهداء هذا الحدث المفجع، وأسأل الله تعالى علوّ الدرجات لكافة هؤلاء الشهداء المظلومين والشفاء العاجل لمصابي الحادث، وأعلن العزاء العام لمدة ثلاثة أيام تكريماً لذكرى هذا السيد الشهيد العزيز وسائر رفاق دربه.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
السيد علي الخامنئي
7/6/1382 ه.ش
الأول من رجب 1424
29/8/2003

/انتهی/

رمز الخبر 1911827

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha