١٥‏/٠١‏/٢٠٢٥، ٢:٤٢ م

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

شكَّلت ثورة تونس زلزالاً في العالم العربي والإسلامي لازالت اهتزازاته مستمرة حتى اليوم،ماهي أسبابها ونتائجها وتداعياتها؟ كيف كان الموقف الدولي والامريكي والغربي تجاه هذه الثورات؟ وكيف حللت الجمهورية الاسلامية الايرانية هذه الاحداث؟

وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية: مرت منطقة الشرق الأوسط بتطورات متسارعة في العقدين الأخيرين، حيث شهدت تحولات مفصلية أدت إلى تغييرات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية لهذه الدول. ومن بين هذه التحولات، كانت ثورة تونس في 2010 بمثابة الشرارة التي أطلقت موجة من الاحتجاجات في العالم العربي. لم تكن الثورة التونسية مجرد رد فعل على الفقر والبطالة، بل كانت نتيجة لتراكمات من القمع السياسي، الفساد المستشري، وغياب الديمقراطية، وهو ما جعل الشعب التونسي يتطلع إلى التغيير.

تحت الرماد، وميضُ جمر..
كانت الحياة السياسية في تونس قبل الثورة عام 2010 تكاد تكون معدومة، إذ كان الحزب الحاكم، "التجمع الدستوري الديمقراطي"، يسيطر على مفاصل الدولة بشكل كامل. أما الأنشطة الحزبية فقد اختُزلت في بعض الفعاليات والاجتماعات لأحزاب صغيرة مرخصة، تدار أنشطتها تحت رقابة الأجهزة الأمنية.

منذ وصول "زين العابدين بن علي" إلى رئاسة الجمهورية عام 1987 عبر "انقلاب أبيض" قام به أثناء توليه رئاسة الوزراء ضد الرئيس "الحبيب بورقيبة"، استمر "بن علي" في سياسات سلفه، فعزز قواعد الحكم الفردي و قوَّض الديمقراطية. كما أبقى الحظر على الحزبين الأكثر شعبية على الساحة التونسية، وهما "الحزب الشيوعي" و"حزب النهضة" الإسلامي.

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

بعد فوزه في الانتخابات عام 1999، أي بعد 12 عامًا من توليه الحكم، أجرى "بن علي" تعديلات دستورية أزال بها الحد الأقصى لفترات رئاسة الجمهورية، ما ضمن له إمكانية الترشح الدائم للمنصب. خلال الفترة التالية، تحولت تونس إلى دولة "بوليسية" خالصة، حيث شددت أجهزة الأمن والمخابرات رقابتها على الصحافة والنشاطات الحزبية، واعتقلت كل من يُشتبه بانتمائه لأي تيار معارض. بحلول عام 2010، كانت تونس وفقًا لصحيفة "الإيكونوميست" قد تراجعت في مؤشر الديمقراطية إلى المرتبة 144 من أصل 167 دولة شملها التقرير، كما احتلت تونس في العام 2008 المرتبة 143 من أصل 173 في مؤشر حرية الصحافة.

أما على الصعيد الاقتصادي، فلم يكن الوضع أفضل حالًا من السياسة. فرغم النهج الاشتراكي الذي تبناه الحزب الحاكم في السبعينيات والثمانينيات، إلا أن توقيع عقد الشراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 1996 وما تبعه من "تهيئة" الاقتصاد التونسي للاندماج في العولمة، أدى إلى توزيع غير عادل للثروة، إذ تركزت التنمية في "تونس الساحلية" بينما تُركت "تونس الداخل" تعاني التهميش. اعتمدت الحكومة في خطط التنمية على المناطق الساحلية التي ركزت على تقديم الخدمات واليد العاملة الرخيصة لأوروبا، وأبرزتها كواجهة مهيأة للاندماج في الاقتصاد العالمي. هذا التوجه أدى إلى تهميش اقتصادي واجتماعي للمناطق الداخلية والريفية التي اعتمدت بشكل أساسي على الإعانات الحكومية كمصدر للدخل.

التنمية في تونس

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

الفقر في تونس
"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

البطالة في تونس

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

كما استلزمت الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خصخصة الاقتصاد. ولكن الاستبداد السياسي لحكومة "بن علي" أنتج استبدادًا اقتصاديًا أيضًا. فبدلًا من خلق سوق حر يتيح فرصًا متساوية، أصبحت الثروة تتركز في أيدي عائلات قليلة، أبرزها عائلة "بن علي" وثلاث عائلات مقربة منه، أهمها عائلة زوجته "الطرابلسي"، التي سيطرت على قطاعات رئيسية مثل السياحة والزراعة والاتصالات. بينما كان مئات الآلاف من التونسيين يعانون الفقر والبطالة والتهميش، كانت تلك العائلات تهيمن على السوق التونسي بشكل كامل.

"البوعزيزي"... القشة التي قصمت ظهر البعير
في 17 ديسمبر 2010، أضرم الشاب التونسي العاطل عن العمل، "محمد البوعزيزي"، النار في نفسه احتجاجًا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة "سيدي بوزيد" لعربة يبيع عليها الفاكهة والخضار، ولرفض سلطات المحافظة قبول شكواه ضد شرطية صفعته. أدى هذا الحدث إلى اندلاع مواجهات بين مئات الشبان في "سيدي بوزيد" و"ولاية القصرين" مع قوات الأمن يوم 18 ديسمبر 2010، خلال مظاهرة للتضامن مع البوعزيزي والاحتجاج على البطالة والتهميش والإقصاء في المناطق الداخلية. وانتهت الاحتجاجات باعتقال عشرات الشبان وتحطيم منشآت عامة.

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

رغم أن احتجاجات البوعزيزي لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبقتها احتجاجات في "قفصة" عام 2008 و"بن قردان" بداية 2010، إلا أن مأساوية قصة البوعزيزي وسهولة نشرها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت دائرة الاحتجاجات تتسع من سيدي بوزيد إلى المدن والبلدات المجاورة.

في البداية، كان الشعار البارز: "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق"، لكنه سرعان ما تحول إلى: "الشعب يريد إسقاط النظام"، في مطالبة صريحة بإسقاط النظام الحاكم ككل. لم تكن الثورة منظمة من قِبل الأحزاب والحركات الأيديولوجية التقليدية، بل كانت عفوية، وقادتها بشكل رئيسي الحركة الشبابية المكونة من طلاب الجامعات والخريجين العاطلين عن العمل. وقد كان انطلاق الثورة من المناطق المحرومة في الوسط الغربي انعكاسًا لحالة الظلم الاجتماعي والفساد السائد.

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

في 28 ديسمبر، ألقى "بن علي" خطابًا اتهم فيه "مرتزقة" بإثارة الفوضى، وحاولت قوات الأمن قمع الاحتجاجات، لكن خلال أقل من أسبوعين كانت المظاهرات قد شملت أنحاء البلاد ووصلت العاصمة. وفي 14 يناير 2011، احتشد المتظاهرون في شارع "الحبيب بورقيبة" بتونس العاصمة. ومع تهديدهم باقتحام قصر "قرطاج"، فرَّ "بن علي" إلى السعودية.

كالنار في الهشيم...
كانت ثورة تونس بمثابة زلزال هزّ العالم العربي. فقد ألهمت الشعوب التي كانت تعيش تحت أنظمة مشابهة، واندلعت على إثرها ثورات أخرى، بدءًا بثورة 25 يناير في مصر، التي أسقطت "حسني مبارك"، مرورًا بانتفاضة ليبيا التي أسفرت عن مقتل "معمر القذافي"، ووصولًا إلى سوريا واليمن والعراق ولبنان والجزائر.

رغم شرعية المطالب الشعبية في ما عُرف لاحقًا بـ"الربيع العربي"، إلا أن الولايات المتحدة والدول الغربية رأت في هذه الثورات فرصة لتحقيق مصالحها. إذ قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في 2011 إن هذه الانتفاضات تمثل "رياح حرية" تخدم مصالح الولايات المتحدة، وقال إلى أنه من الواجب على القوى السياسية الناشئة أن تتعاون مع واشنطن وإسرائيل.

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج

على الجانب الآخر، كان الموقف الإيراني أكثر تمييزًا بين المطالب المشروعة والقوى الدخيلة المدعومة غربيًا. وصف قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، هذه التحولات بـ"الصحوة الإسلامية"، معتبرًا أن أسبابها تعود إلى عوامل داخلية مثل فشل النماذج غير الإسلامية والعودة إلى الهوية الإسلامية، وعوامل خارجية كالثورة الإسلامية الإيرانية والاستعمار الغربي، ولكن في الوقت ذاته أكد على الحذر من المشاريع الصهيونية والأمريكية المبطنة بالشعارات العادلة، والتي تهدف إلى خدمة المشروع الصهيوني كما حدث في سوريا.

"ثورة الياسمين"، 14 عاماً مرَّت على الإطاحة بطاغية قرطاج


فعند اندلاع الاحتجاجات في سوريا كانت الولايات المتحدة على رأس "الداعمين" لها، على أمل تفكيك محور المقاومة وتحييد أي خطر من النظام السوري يهدد الوجود الصهيوني، إلا أنها تنبهت إلى خطورة تحقق ديمقراطيات واقعية قد تتحالف فيها الشعوب مع باقي قوى المقاومة في المنطقة، لذلك سرعان ماقامت بتأمين مجموعات سلفية عسكرياً وسياسياً ولوجستياً، مثل "داعش" و"القاعدة" لضمان أن تصب هذه التحولات في صالحها وصالح الكيان الصهيوني، ولإدخال المنطقة بشكل عام، ومحور المقاومة بشكل خاص في فوضى عارمة.
على الرغم من الحماسة التي رافقت بداية "الربيع العربي"، فإن النتائج كانت مختلطة ومؤلمة في كثير من الحالات. في بعض الدول، مثل مصر، جلبت الثورة تغييرًا سياسيًا ولكنه سرعان ما تلاشى تحت وطأة التحديات الاقتصادية والفوضى السياسية. أما في ليبيا، فقد انتهت الثورة إلى حرب أهلية دمرت البلاد وأدت إلى انفلات أمني واسع. وفي سوريا واليمن، تفاقمت النزاعات لتتحول إلى حروب عالمية بالوكالة ومسرح للمخططات الصهيونية والأمريكية مما أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص ودفعت بالملايين إلى النزوح. وبذلك، ورغم الشعارات الثورية العالية والمطالب الشعبية المشروعة، فإن "الربيع العربي" في كثير من الحالات انتهى بتقسيمات داخلية وحروب أهلية.

خلاصة القول:
على الرغم من التحديات التي واجهتها الثورات العربية والانتكاسات التي تعرضت لها، إلا أن ما حدث في تونس لا يزال يشكل نقطة فارقة في تاريخ المنطقة. قد تكون هذه الثورات قد أظهرت هشاشة الأنظمة الاستبدادية، لكنها في الوقت ذاته أبرزت التحديات الكبرى التي تواجهها الشعوب لتحقيق التغيير الحقيقي. إن ما بدأ في تونس كاحتجاجات عفوية ضد الفساد والتهميش، سرعان ما تحول إلى موجة ثورية اجتاحت العالم الإسلامي. ورغم ما حملته هذه الثورات من آمال في الحرية والكرامة والعدالة، إلا أن التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية أفسدت الكثير من تلك الطموحات. وبينما لا تزال بعض الشعوب تدفع ثمن هذه التحولات، يبقى الدرس المستفاد من "ثورة الياسمين" أن الظلم مهما طال، فإن الشعوب قادرة على تحديه عندما يتحد الألم والأمل معًا.

/انتهى/

ياسر المصري، صحفي في وكالة مهر

رمز الخبر 1952974

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha