٢٠‏/١٠‏/٢٠٢٥، ١١:٢٢ ص

لماذا لا يلتزم الكيان الصهيوني بالاتفاقيات والتعهدات؟

لماذا لا يلتزم الكيان الصهيوني بالاتفاقيات والتعهدات؟

إن عدم التزام الکیان الصهیونی بالاتفاقيات الدولية متجذر في تاريخ تأسيسه، والدعم السياسي والعسكري الواسع من الولايات المتحدة، والسياسات التوسعية.

وكالة مهر للأنباء، المجموعة الدولية: منذ تأسيسه عام ١٩٤٨، كان الكيان الإسرائيلي دائمًا في طليعة انتهاك الالتزامات الدولية والاتفاقيات العديدة التي وقعها. وقد أدى هذا السلوك إلى تعميق الأزمة الفلسطينية وإطالة أمدها. ومؤخرًا، بتوقيعه اتفاقية شرم الشيخ، التزم الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار والالتزام به في غزة. لكن هذا الالتزام من جانب إسرائيل نُتهك أيضًا. وأمس، أظهر الكيان الصهيوني أن نهجه هو نفسه كالمعتاد، وهو عدم الالتزام بالاتفاقيات والتعهدات. وقد نُفذت هذه الهجمات بذريعة هجوم حماس على مركبة مدرعة صهيونية، بينما نفت كتائب القسام أي صلة لها بهذا الهجوم. وفقًا لأحدث الإحصاءات، استهدف النظام الصهيوني أكثر من 100 منطقة في أنحاء مختلفة من غزة بغارات جوية منذ إعلان وقف إطلاق النار.

الجذور التاريخية لنقض إسرائيل لوعدها

لفهم أسباب عدم وفاء إسرائيل بالتزاماتها بشكل أفضل، لا بد من النظر في تاريخ نشأة هذا النظام ودور القوى العالمية في هذه العملية. قبل التأسيس الرسمي للکیان الصهيوني عام 1948، أصدرت بريطانيا وعد بالفور عام 1917، الذي أعلن فيه دعمها لإقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين. صدر هذا البيان دون مراعاة حقوق سكان فلسطين الأصليين، ومهد الطريق لصراعات وأزمات مستقبلية. في عام 1942، دعا مؤتمر بالتيمور، بدعم من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية، إلى إقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين. سمح هذا الدعم الواسع من القوى العظمى لإسرائيل فعليًا بمواصلة سياساتها التوسعية دون مراعاة حقوق الفلسطينيين.

بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨، اعتمدت الأمم المتحدة القرار ١٨١ لتقسيم فلسطين، والذي دعا إلى تشكيل دولتين مستقلتين، فلسطينية وإسرائيلية. إلا أن تل أبيب لم تقبل بهذا القرار، واستمرت في احتلال أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية. كما تجاهلت إسرائيل تمامًا القرار ١٩٤، الذي أكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. تُظهر هذه السلوكيات بوضوح أن إسرائيل لم تكن مستعدة للامتثال للقانون الدولي والتزاماتها منذ البداية.

الانتهاك المستمر لاتفاقيات وقف إطلاق النار

من أبرز الأمثلة على عدم التزام تل أبيب انتهاكها المتكرر لاتفاقيات وقف إطلاق النار. ففي كثير من الحالات، وبعد توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار أو تخفيف التوترات، واصل الكيان الصهيوني هجماته العسكرية تحت ذرائع مختلفة. على سبيل المثال، في لبنان، تشير التقارير إلى أن تل أبيب انتهكت اتفاقيات وقف إطلاق النار أكثر من ٤١٥١ مرة. وفي قطاع غزة، استأنفت إسرائيل هجماتها الجوية والبرية بسرعة بعد كل اتفاقية لخفض العنف. من الأمثلة الواضحة على ذلك اتفاقية شرم الشيخ 2025، التي وُقّعت بهدف إنهاء الحرب وتثبيت وقف إطلاق النار. لكن بعد ذلك مباشرةً، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مناطق مثل رفح وخان يونس وجباليا. قوّضت هذه الأفعال الثقة في عملية السلام، وأدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين، وتدمير بنى تحتية حيوية. يعكس هذا الاستخفاف باتفاقيات وقف إطلاق النار النهج الذي اتبعته إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين، وهو نهج قائم على الضغط العسكري والاحتلال المستمر، بدلاً من الحل السياسي والدبلوماسي للمشكلة.

السياسة التوسعية وانتهاك الحقوق الفلسطينية

تُعدّ سياسات التوسع التي ينتهجها الكيان الصهيوني أحد الأسباب الجوهرية والمهمة لخرقه التزاماته، والتي تتجلى في بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ووفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، تُعدّ هذه المستوطنات غير قانونية، ويُشكّل بناؤها عقبة خطيرة أمام السلام.

ببناء مئات المستوطنات الجديدة وتوسيع المستوطنات القائمة، يسعى الكيان الإسرائيلي إلى خلق واقع جغرافي وسياسي جديد يحرم الفلسطينيين من العديد من أراضيهم. من ناحية أخرى، ومع توسع بناء المستوطنات، فقد الفلسطينيون الكثير من أراضيهم الزراعية ومواردهم الطبيعية، واشتدت القيود على الحركة والسيطرة العسكرية. وقد أدى ذلك إلى أزمات إنسانية واقتصادية واجتماعية واسعة النطاق.

الدعم الأمريكي الواسع وغياب رد فعل دولي حازم

يُعدّ الدعم الأمريكي غير المشروط من أهم عوامل استمرار الكيان الصهيوني في خرق التزاماته. بصفتها الحليف العالمي الرئيسي لإسرائيل، امتنعت الولايات المتحدة عمومًا عن ممارسة ضغوط قوية على تل أبيب في المحافل الدولية.

يشمل هذا الدعم استخدام حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر ضد قرارات الأمم المتحدة ضد إسرائيل، وتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية واسعة، ودعم سياسي غير مشروط في المفاوضات والاجتماعات الدولية. يسمح هذا الدعم لإسرائيل بمواصلة سياساتها العدوانية وانتهاكاتها لالتزاماتها دون القلق من عواقب دولية وخيمة.

من ناحية أخرى، غابت ردود فعل جادة وعملية لمواجهة هذه الانتهاكات على المستوى العالمي. وقد مهد غياب استراتيجية دولية مشتركة وجادة لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي الطريق لاستمرار الوضع الراهن.

أمثلة بارزة على انتهاك الالتزامات

رفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة: من أهم الأمثلة القراران 181 و194، اللذان لم تُنفذهما إسرائيل رغم كونهما مُلزمين.

انتهاكات وقف إطلاق النار: بعد كل اتفاق مؤقت، استمرت الهجمات العسكرية الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية؛ ولم تقتصر هذه الانتهاكات على مقتل آلاف المدنيين فحسب، بل زادت أيضًا من حالة عدم الاستقرار.

الهجمات العسكرية وتدمير البنية التحتية: استُهدفت المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين مرارًا وتكرارًا؛ وهذه الأفعال تُمثل انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.

بناء المستوطنات غير القانوني: يُعد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة أحد أهم عقبات السلام التي تُواصل إسرائيل ترسيخها.

عواقب تجاهل الالتزامات

أدى تجاهل الكيان الصهيوني المتكرر للالتزامات الدولية إلى تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني واضطراباته. فقد استشهد أكثر من 67 ألف فلسطيني في الحرب الأخيرة، ويعيش مئات الآلاف في ظروف اقتصادية وإنسانية بالغة الصعوبة. كما تسبب هذا الوضع في فقدان الشعب الفلسطيني ثقته بالعمليات الدبلوماسية والسلام العالمي، وبث اليأس في نفوسهم. من ناحية أخرى، يُهدد استمرار هذه الأزمة الإقليمية أمن واستقرار الدول المجاورة، بل والعالم أجمع، ويُمثل تحديات خطيرة لعمليات السلام العالمية.

النظرة المستقبلية

نظرًا للتاريخ الطويل من عدم الالتزام وانتهاك الاتفاقيات، لا يُمكن الاعتماد فقط على اتفاقيات جديدة مثل اتفاقية شرم الشيخ. بدون تغيير جذري في نهج المجتمع الدولي وإنشاء آليات للمراقبة والمساءلة، فإن احتمالية التزام الكيان الصهيوني بالتزاماته ضئيلة للغاية. لتحقيق سلام حقيقي، من الضروري أن يضمن المجتمع الدولي تطبيق القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين بجدية وتنسيق كامل. كما أنه من الضروري ممارسة ضغط سياسي واقتصادي وقانوني فعال على إسرائيل لإجبارها على احترام التزاماتها.

الخلاصة

إن عدم التزام الكيان الصهيوني بالاتفاقيات الدولية متجذر في تاريخ نشوئه، والدعم السياسي والعسكري الواسع من الولايات المتحدة، والسياسات التوسعية. وقد أدى هذا السلوك إلى استمرار الأزمة الفلسطينية وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني باستمرار. بدون تغيير جدي في النهج الدولي وإنشاء آليات محاسبة فعالة، لا يمكننا أن نتوقع من الكيان الصهيوني الالتزام بالتزاماته وإرساء سلام حقيقي.

رمز الخبر 1963954

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha