وكالة مهر للأنباء - محمد قادري: فيما كانت الدول الأوروبية تلعب دوراً غير محسوب العواقب في اشعال التوترات في جنوب غرب آسيا ولاسيما في العراق وسوريا وتساهم في رسم خطوط الحرب بالوكالة العبرية – العربية – الامريكية، لم يتبادر لاذهانهم أبداً أن من يزرع الريح يحصد العاصفة.
بالطبع لم تكن هذه الخطوة الاولى من نوعها، فقد سبقتها مقدمات طالت سنوات لنشر الاسلاموفوبيا والشيعة فوبيا والايرانفوبيا لتتمكن من اقناع الرأي العام الغربي بما تشاء وتعده لحدوث مثل هذه الجريمة. في الحقيقة ان اوروبا كافة وخاصة الدول الثلاث (بريطانيا وفرنسا والمانيا) وعلى عكس ما تدعيه من شعارات مزيفة حول حقوق الانسان، تدعم هذه المؤامرة. والسبب الوحيد لذلك هو أنها تعتبر الثورات العربية في الشرق الأوسط خطار كبيرا على مطامعها. المتخاذلون هبوا لمساعدة الشيطان الأكبر ومرتزقته وساهموا في سفك دماء آلاف الأبرياء خلال السنوات الست الماضية، للحؤول دون حدوث ثورات عربية مماثلة للثورة الاسلامية في ايران.
لو نظرنا بشكل أدق سوف ندرك أن الترويكا الأوروبية كانت تبحث عن أهدافها من خلال المشاركة بهذه الجريمة الكبيرة، كصفقات الأسلحة الخيالية لتأجيل سقوط الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة و....، ولكن في نظرة كلية وعامة فان توقعاتهم لم تحصل وخدعوا من جديد باعتمادهم على امريكا والكيان الصهيوني المشؤوم.
بعبارة أوضح، حلفاء البيت الأبيض والكيان الصهيوني المزعوم خسروا في القارة الخضراء باءت حساباتهم في نفس الوقت بالفشل وذلك من جهتين؛ الأولى أنهم خدعوا مرات بالدعاية الامريكية والاسرائيلية وخطوا في طريق أضر بهم في النهاية، والثانية أنهم دعموا جماعات محددة بالأسلحة دون الأخذ بعين الاعتبار قدرة وقوة محور المقاومة، تلك المجموعات التي لم تكن معادية لمحور المقاومة وشعوب المنطقة فقط، بل لا تحترم المبادئ الانسانية ولا تميز بين مسلم ومسيحي وغيرهما.
لنفهم هذه القضية بشكل أوضح علينا أن نعود بالتاريخ قليلاً، عندما لجأت الدول الاوروبية للحيل والدسائس للحيلولة دون نشر الدين الاسلامي في أراضيها ومنع مواطنيها ولاسيما الشباب من تبني دين الاسلام، حين كان بمثابة الدين الجديد الداعي للسلم والمطابق بشكل كامل لطبيعة الانسان الواحدة ولديه أكبر قدرة على الجذب إذاما تم تقديمه بشكل صحيح.
الاسلام الحقيقي بصفته أكمل الاديان لم يعاد الأديان السماوية الأخرى وبقية الأنبياء بل اكملها، وكما ورد في تعاليمه المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسيرة المعصومين (ع) فأنه يحمل كل احترام لبقية انبياء الله ويعتبر مقامهم في أعلى الدرجات، هذا الدين وبالنظر لما يحمل بين طياته لديه يتطلع الى اهداف سامية: فهو سيقدم برنامجاً للارتقاء بالبشر في حياته الخاصة والاجتماعية، ولهذا فإن التيارات المادية ولاسيما النظام الليبرالي الديمقراطي في الغرب يعتبر الاسلام مخالفاً لمصالحه ويكنّ له العداء.
في الحقيقة ان النظريات السائدة اليوم في الغرب ومعممة في مختلف اوروبا مستلهمة من توجهات ومنجزات نظرية "اومانيسم" التي تلغي دور الله من الحياة السياسية والاجتماعية حتى تتمكن من تحقيق مصالح الاقلية الحاكمة على الناس بقواعد وضعها الانسان، وهنا تكمن نقطة الخلاف بين مصالح الاقلية الحاكمة في الغرب وتعاليم الاسلام الحقيقي والتي تنص على المساواة بين ابناء البشر والتوزيع العادل للثروات في العالم. ان مواطني الدول الغربية اليوم لا يعلمون شيئاً عما حولهم ويخضعون لسيطرة الاقلية الحاكمة مقابل حياة دنيوية ومرفهة بالظاهر، فيما تسعى الاقلية الحاكمة لتسخيف الناس والحيلولة دون تحقيق الهدف الأصلي لخلق الانسان والحياة.
اذن من البديهي أن الانظمة الحاكمة في الغرب عليها ان لا تسمح بنشر أي دين أو عقيدة تحريرية في مجتمعاتها وعليها أن تحاربها بكل ما تملك. وهذا بالفعل ما نسميه نحن وفق الايدولوجية الاسلامية الحقيقة بنهج الشيطان قبالة نهج الانبياء. وهذا النهج، لا يتعرض للتحريف اليوم فقط بل من اول الخلق واجهت مئات التحريفات لمنع ارتقاء البشر والعمل على استعبادهم، فبعد هبوط آدم (ع) إلى الأرض بدأ هذا المسير بأشكال مختلفة مروراً بمختلف الجرائم والأخطاء.
ومن أكثر خصائص هذا النهج عبر التاريخ هو تضليل الناس الذين خلقوا على طبيعتهم الحرة الربانية والتصدي للبحث عن الحقيقة. الحقيقة نفسها التي جعلها الله السبب الرئيسي والنهائي لخلق الانسان. هي استراتيجية تضليل الناس؛ لكن باستخدام التقنيات المختلفة للسيطرة عليهم واستغلالهم، هي إحدى التكتيكات الشيطانية التي يمكن لها أن تحرف الحقيقة وتبث الفتنة.
هناك نماذج كثيرة للاستراتيجيات الشيطانية منذ تشكيل المجتمعات البشرية، كما نرى أيضاً مجموعات استغلت بالقوة والترغيب والترهيب بقية البشر واستعبدتهم لحماية مصالحها، ومن جهة ثانية حاربت كل من وقف في وجهها وحاول صرف الانئار عن الحقيقة. ان قصص أنبياء الله في كل زمان والمصاعب التي تحملوها في مواجهة الظالمين ما هي إلا شهادة راسخة على هذا الادعاء. هذه المواجهة بين الأنبياء مع جبهة الشيطان في مختلف الأزمان، رغم ان الاقلية التي تتبع الشيطان كانت رابحة في غالب الأحيان باستثناء بعض المقاطع الزمنية العابرة التي حكم فيها الصالحون على البشرية.
نعود إلى يومنا هذا، وقد مضت قرون عابرة من ازقة التاريخ الأعمى نحو الأمل وفي النهاية ظهر في زاوية من الأرض عبد من عباد الله الصالحين حاملاً راية التوحيد والعبودية ومنادياً بعد مئات السنوات من سلطة الظلم والقهر بالحرية والتحرر من قيود الشيطان ليتحدى هيمنة الاستكبار العالمي. الثورة الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني (ره) بينت للعالمين طريق الحرية من المخلوقات وعباد الخالق. تلك الحادثة التاريخية التي اعتبرت تفجيرا للنور، منذ البداية ودفاعاً عن المظلومين حاربت الاستكبار العالمي والحكام الدكتاتوريين في العالم ولذلك قام العدو مرة ثانية حتى يرهب المظلومين في العالم.
مع مضي ثلاثة عقود على هذه الواقعة بدأت الشعوب في المنطقة تتبع طريق الحق وتحتذي بنموذج الثورة الاسلامية وتخطو خطي هامة في طريق محاربة الفساد وجرائم الشيطان الأكبر. الثورات العربية في المنطقة ترجمت أحياناً على شكل نهضة اسلامية وأحياناً على شكل ربيع عربي، وعندما ظهرت هذه الحركات المباركة بدأت الانظمة والايديولوجيات الغربية بالخوف والحذر ولذلك بدأت ترسم خططاً لاستغلال بذور الفتنة التي زرعتها في القرون الماضية، فنشرت الصورة المزيفة عن الاسلام الحقيقي للرأي العام بهدف منع انتشار الاسلام الاصيل.
الاسلام التكفيري الوهابي والقراءة الانحرافية السلفية عن رسالة خاتم الانبياء هو نفسه الذي احتضنه الاستعمار الخبيث لمثل هذه الأيام ورباه كالافعى حتى يضرب به الاسلام الحقيقي والمظلومين في العالم، متعامياً عن احتمال نمو مثل هذا الاسلام في اوروبا وامريكا ايضاً، طبعاً في كثير من الأوقات كان باذن وادارة حكام اوروبا لتقديم نموذج غير خطر عن الاسلام.
على كل حال؛ تأسيس واعداد وتسليح التيارات التكفيرية وان كان وفق اعترافات هيلاري كلينتون بهدف مواجهة الثورة الاسلامية الايرانية وضرب محور المقاومة ومنع سقوط الانظمة الغريية الفاسدة وتهديد المناطق الاستراتيجية غرب آسيا وشمال افريقيا وايقاعها في مصيدة الحرب حتى تتمكن من لعب دور جديد في الشرق الأوسط ، لكن في النهاية لم تحقق أهدافها، بل تلوثت بجرثومة الارهاب الذي زرع في اوروبا منذ سنوات.
ربما كانت اوروبا غافلة عن هذه النقطة في بداية الأمر، وتظن أن السماح بنشر الاسلام الوهابي في القارة الخضراء كمذهب غير معادي للنظريات المادية الرأسمالية، سيمكنها من الوقوف بوجه تطلع الشباب الغربي ولاسيما الشباب شوقاً لوجود تيار بوجه سياسي واجتماعي كالاسلام الحقيقي. لكن بالمقابل قدمت الفرصة للبعض ممن يتبعون المنهج التكفيري ولا يميزون بين مسيحي ومسلم ليشعل النار بأحضانها.
اليوم وبعد هزيمة مؤامرة الحرب بالوكالة الغربية ضد محور المقاومة ومنهج الثورة الاسلامية العالمي، ظهر فيروس الارهاب التكفيري في مختلف المدن الاوروبية. فلا يمضي أسبوع اوشهر دون أن تدق شرطة لندن وباريس وبرلين وبروكسل ناقوس الخطر لاجل عملية ارهابية من التيارات التكفيرية دون ان يتنبه لها أحد. هذه هي العاصفة نفسها التي زرعت بذرتها اوروبا باشراف امريكا وربيبتها اسرائيل وعليها اليوم أن تزرع ما حصدت.
الخسائر التي تحملها المواطنين الاوروبيين في هذا المجال، ومالهم من مهرب، هي قبل كل شي نتيجة الثقة الخاطئة لحكام بلادهم بأصحاب البيت الأبيض وتل أبيب. بعبارة أفضل اليوم اوروبا تعاني أكثر من أي وقت مضى من فيروس الاسلام التكفيري والارهاب وبالطبع هذا ما كانت تتمناه اوروبا للدول الاسلامية. ما زلنا في بداية الطريق واوروبا ستقع في المستقبل بأزمات أمنية عديدة ولاسيما أن الكثير من المواطنين الاوروبيين شاركوا في المعارك في العراق وسوريا بقدرة قتالية مضاعفة وبافكار أصبحت معقدة أكثر إلى جانب التجربة الميدانية والآن عادوا إلى بلادهم ليشكلوا قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
وفي نهاية الكلام؛ ربما في نظرة أولية وسطحية يعتبر البعض هذا التسلسل الفكري والتاريخي المذكور ضمن الإطار النظري والتحليلي غير منطقي، لكن من يتعمق قليلاً في تفاصيل هذه الحوادث واحدة تلو الأخرى والتي أودت بعالمنا إلى هذه الأزمة، سيدرك أن المتغيرات السياسية والاجتماعية في العالم تسير باتجاه واحد فالانسان اليوم يحتاج أكثر من أي زمان مضى إلى الدعم والطمأنية التي يتكأ عليها ويشعر بالاستقرار الروحي الذي فقده، وإن لم يصل إليه فسيدمر كل شيء.
هذا بالضبط ما تقدمه الوصفة الشافية للاسلام الحقيقي الذي يلبي مختلف الحاجات المعنوية للانسان اليوم، الوصفة التي يخشاها الرأسماليون والمتسلطون في العالم، متجاهلين وعد الخالق في القرآن الكريم في الآية 105 من سورة الأنبياء: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) ومرة أخرى في الآية 5 من سورة قصص : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) بأنه سينصر المظلومين وعباده الصالحين ووارثي الأرض./انتهى/
تعليقك