استغلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في مقال نشرته اليوم الإثنين، الصورة التي جمعت زعماء العالم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة العشرين التي استضافتها اليابان في شهر يونيو/حزيران الماضي، وخلاصة تحقيق أغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، بمقتل الصحافي جمال خاشقجي، لتحذر مرة أخرى من تناقض المشهدين، الداعم والمدين لبن سلمان، ومن مغبة استمرار الصمت الدولي تجاه ممارسات حاكم السعودية الفعلي، ومواصلة حكومات العالم تقديم الدعم له، معتبرة أن الأخير ما هو إلا "صدام حسين آخر"، سيكون تأجيل محاسبته أعلى كلفة بكثير.
وكتبت الصحيفة أنه "في الماضي، كان هناك ديكتاتور وحشي ومتهور، يحكم بلداً عربياً غنياً بالنفط، وكان، رغم تجاوزاته الموثقة جيداً، مدعوماً من الولايات المتحدة وحكومات غربية". وبحسب الصحيفة، فإن جرائم هذا الديكتاتور "كانت فظيعة، لكنه عمل على تحديث بلده، ومتمسكاً بموقفه ضد (الجهاد الإسلامي) وإيران"، وهو برأي "واشنطن بوست"، يبدو أنه لم يكن هناك بديل له.
وأضافت الصحيفة الأميركية أن الحاكم، وهو الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أنهى الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 حكمه، "سمع الرسالة جيداً. واستنتج أنه طالما استمر في ضخ النفط ومعارضة إيران، سيكون حراً بقتل معارضيه وترهيب جيرانه".
ورأت "واشنطن بوست" أن الرهان على صدام حسين من قبل الولايات المتحدة وحلفائها قاد مباشرة إلى قيام العراق بغزو الكويت في العام 1990، ومنذ ذلك تاريخ، إلى "الحروب التي لم تنته في الشرق الأوسط، والتي تندبها اليوم تقريباً كامل منظومة السياسة الخارجية للغرب".
رغم ذلك، وبعد 30 عاماً، يعود الغرب إلى ارتكاب الخطأ ذاته، فهم يقولون "إنهم يمقتون الجرائم الواضحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بما فيها جريمة قتل الصحافي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وتعذيب وسجن الناشطات السعوديات، كما أنهم يرون في حملته العسكرية على اليمن جريمة حرب كارثية".
هذه الممارسات لبن سلمان لم تمنع، برأي الصحيفة الأميركية، من تجمع الزعماء والسياسيين حوله في أوساكا اليابانية خلال قمة العشرين. ليس فقط "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن أيضاً رؤساء ورؤساء وزراء في ديمقراطيات غربية أخرى، كذلك زعماء الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وهؤلاء الأخيرين استقبلوا جميعهم بن سلمان بحفاوة، وذلك في زيارات رسمية قام بها إلى دولهم بالأشهر الماضية".
واستعادت الصحيفة جواباً تردده دوائر القرار العالمية، بمعرض تبريرها لاستمرار دعم ولي العهد، وهو أن "أم بي أس"، كما يعرف اختصاراً بالغرب، يمثل "أفضل فرصة لتحديث المملكة. وهو يحارب المتطرفين الإسلاميين، ومتحالف معنا ومع إسرائيل ضد إيران"، أما البديلين عنه فهم "أسوأ".
التصميم الذي يرافق التبرير "الضيق" الذي يتشبث به السياسيون وصناع القرار، بالإمكان رؤيته في التحقيق الذي أجرته أغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، بمقتل خاشقجي، وتقطيع جثته، تقول الصحيفة.
ففي 19 يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت كالامارد تقريراً قوياً هو خلاصة تحقيقها بمقتل الصحافي السعودي المعارض، والذي توصلت به إلى أن بن سلمان ضالعٌ على الأرجح بالعملية وبعملية طمسها في ما بعد. ودعت المحققة الأممية إلى وقف المحاكمة المغلقة التي يديرها السعوديون لـ11 موظفاً وجهت إليهم التهم بارتكاب الجريمة، وإجراء تحقيق مستقل تديره الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريس، أو وكالة "أف بي آي". كما دعا التحقيق إلى فرض عقوبات على ولي العهد السعودي، وعلى الأصول التي بحوزته "حتى تأمين أدلة بأنه لا يتحمل أي مسؤولية عن تنفيذ الجريمة".
وكتبت الصحيفة أن "الصمت الرسمي الذي حظي به التقرير يصم الآذان". فغوتيريس لم يجب على طلب كالامارد إجراء تحقيق دولي، وحتى الأسبوع الماضي، لم يكن قد التقاها بعد، وفق ما هو متوقع. أوروبا، أيضاً، صمتت. وفي قمة العشرين، التقى ترامب بن سلمان، وقال عن الأخير إنه يقوم بعمل رائع. ثم لاحقاً أدلى بتصريح حول الجريمة رأى فيها أن لا أصابع موجهة مباشرة لولي العهد السعودي، رغم أن تقرير كالامارد وتقريراً سابقاً لوكالة سي آي إيه أكدا عكس ذلك.
لكن كالامارد، بحسب ما أكدت "واشنطن بوست"، بدت الأسبوع الماضي خلال زيارة لها إلى العاصمة الأميركية واشنطن، مصممة على موقفها وغير عابئة بالصمت الرسمي الدولي. وقالت في هذا الإطار، إن "حكومات عديدة حاولت دفن الجريمة وطلبت المضي قدماً وتخطيها، لكن عملية القتل هذه لن تموت"، وذلك بمعرض مداخلة لها في معهد "بوكينغز". ورغم موقع ترامب، تعول كالامارد على مجيء العدالة من الولايات المتحدة، معربة عن اعتقادها في لقاء آخر في مكتب "واشنطن بوست"، أنه "المكان الوحيد الذي ستعمل به المحاسبة السياسية".
وبرأي الصحيفة، فإن كلام المحققة الأممية مستمد من بعض الإشارات الباعثة للأمل: فهناك تشريع لا يزال عالقاً في مجلس النواب الأميركي سيطلب من مدير الاستخبارات الوطنية تقريراً عن أولئك المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وسيطلب فرض حظر سفر عليهم. كما أنه من المتوقع أن تبحث لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس مشاريع قوانين أخرى خلال الأسبوع الحالي.
تعليقك