أفادت وكالة مهر للأنباء - عبدالله مغامس: كانت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) أطول حرب في القرن العشرين وأحد أكثر الصراعات دموية وكلفة من الناحية الاقتصادية والبشرية، حيث بدأت الحرب في 22 سبتمبر/ أيلول 1980 عندما غزت القوات العراقية غرب إيران على طول الحدود المشتركة بين البلدين، فكان يراها الكثيرون على انها الحرب الأكثر دموية، التي وصفت بأنها حرب تاريخية أليمة بسبب آثارها وتداعياتها على البلدين.
عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، رفع قادة إيران الجدد شعار تصدير الثورة الذي كان يُقلق الدول العربية المحيطة بإيران وفي مقدمتها العراق ودول الخليج، فكان نظام البعث في العراق يستشعر هذا الخطر بشكلٍ حاد نظراً للوجود الشيعي القديم في البلد الذي هو منشأ التشيّع أصلا، وتوجد فيه أهم المزارات (كربلاء والنجف).
* صدام شنّ حرباً على الشعبين الايراني والعراقي
يرى الكاتب والمحلل العراقي "نجاح محمد علی" ان هذه الحرب، كانت حرب صدام على الشعبين الايراني والعراقي، فهي لم تكن حرباً بين ايران والعراق، بل كانت بين صدام والشعبين العراقي والايراني.
وقال "نجاح محمد علی": "ان صدام صمّم على اعلان الحرب على الجمهورية الاسلامية الايرانية الفتية التي كانت لا تزال في طور التأسيس وعلى الشعب العراقي".
وتابع: " كان لدى صدام مستندات تفيد بان اعلان الحرب على ايران تم اتخاذه في العراق من جانب واحد (كان تصميم صدام وحده)، وفرض من خلال تصميمه الحرب على النظامين والشعبين الايراني والعراقي، وفي ذلك الوقت كان صدام معاون رئيس الجمهورية العراقية، وكان يذهب الى البصرة واغلب المحافظات العراقية، وكان يزور الحدود مع كردستان العراق وكردستان ايران، وكانت زياراته بالظاهر تحمل نوايا حسنة، ولكنها كانت تحمل اهدافاً اخرى".
واسترسل الكاتب العراقي في القول: "كان صدام حسين وحاشيته يقومون بزياراةٍ للمدن العراقية الحدودية، وعلى وجه الخصوص محافظة البصرة والمدن التي لها حدود مع ايران، كانت هذه الزيارات قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية العراقية، فمن ظاهر هذه الزيارات كان الناس يقولون انه يتقرّب من الشعب، بينما كان صدام يريد ان يتعرّف على المدن عن كثب ويتعرف على طبيعة المناطق الجغرافية بين العراق وايران، لانه كان يهدف لشن حربٍ على الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى الشعب العراق. فالحرب شنّها صدام بنفسه بدعمٍ خارجي اقليمي ودولي على الشعبين العراقي والايراني، فهو من ورّطهما في هذه الحرب الطويلة المجنونة والعبثية".
ونوّه المحلل السياسي قائلاً: "كان صدام يسرّ لبعض اصحابه المقربين آنذاك (حسن العلوي " رئيس تحرير مجلة الف باء ") انه وخلال سفره الى البصرة يصحب معه رؤساء المجلات والصحف ليكتبوا عنه، فلم يكن حسن العلوي رئيس التحرير الوحيد الذي يكتب عن انجازات صدام فقط، وقد كان الجنرال العسكري السابق وقائد مديرية الاستخبارات العسكرية العامة العراقية "احسان وفيق السامرّائي" من كوادر حزب البعث العراقي، وكان لفترة من الفترات مدير تلفزيون البصرة (كان من مؤسسي تلفزيون البصرة)، حيث تحدّث عن كثرة سفر صدام الى البصرة (اهدافة والتحضير والتهيئة لشن الحرب)".
و أشار "نجاح علی" الى ما بعد زيارة وزير خارجية بريطانيا ومعاون وزير خارجية امريكا للعراق عندما كان رئيس الجمهورية العراقية " احمد حسن البكر "، حين اعلن رئيس الجمهورية العراقي استقالته واعطى الراية الى صدام ليكمل المسير من بعده، (بعد هذه الزيارة على الفور)، مؤكّدا بان بعد هذه الزيارة مباشرةً قام صدام بمجزرة "قاعدة الخلد"، وجمع البعثيين والذين يشك بهم وبسياستهم وانتمائهم والذين كانوا يعارضونه في شن الحرب على ايران باعدامهم جميعاً دون اي استثناء.
وذكر الكاتب العراقي انه عندما قام صدام بتمزيق الاتفاقيات عام 1975 و 1980 بشكلٍ علني اما الجميع وعلى التلفاز ما هو الا اعتراف منه بأنه هو من قام ببدء الحرب على الجمهورية الاسلامية، وهذا ما اثبتته تقارير الصادرة عن " خافيير بيريز دى كويیار " الامين العام للامم المتحدة عام 1991، والتي لم يستطع صدام حسين انكارها.
واكد المحلل السياسي ان ما كان من صدام الا ان اعلن الحرب على الشعبين والنظامين العراقي والايراني، فحتى النظام والحكومة العراقية لم يكونوا راضيين على اعلان صدام الحرب على الجمهورية الاسلامية الايرانية، وباغتيالات صدام التي قام بها والمجازر البشعة التي قام بها أُجبر الشعب العراقي والنظام البعثي على شنّ الحرب.
وبيّن "نجاح علی" ان صدام في الايام الاولى للحرب انتصر ووصل منذ الايام الاولى الى الاهواز وحاصر مدينة " آبادان " واستولى على " خرمشهر " و" قصر شيرين " و" مهران " وفرض سيطرته على مناطق ايرانية اخرى، وان الشعب العراقي والجيش العراقي منذ اليوم الاول لم يكونا راضيين عن هذه الحرب.
* دعم العالم لصدام في حربه على الجمهورية الاسلامية الايرانية
ذكر الكاتب والمحلل السياسي ان تداعيات هذه الحرب البشعة كانت على كل المنطقة، فصدام حسين سبب دمار وعدم استقرار المنطقة، وكانت حرب صدام مدعومة ومباركةٍ من قبل امريكا والدول الغربية وبعض الدول العربية بمزاعم ان هذه الحرب ضرورية للتصدي واسقاط الثورة الاسلامية في ايران (الهدف الاساسي من القيام من هذه الحرب)، وفصل محافظة خوزستان (المنطقة النفطية الایرانیة) عن ايران.
واضاف: " ان صدام استفاد من حالة عدم الاستقرار في ايران (بعد الثورة الاسلامية)، فدعمت وسعت 80 دولة امريكية واوروبية وعربية صدام في حربة على ايران، فالولايات المتحدة الامريكية ارسلت طيارات تجسسية الى السعودية لكي تطّلع على كل ما يجري في ساحات الحرب بين البلدين وكانت تزوّد صدام بتفاصيل دقيقة عن طريق الاقمار الصناعية الامريكية بكل تحركات القوات الايرانية، بالاضافة الى الاموال الطائلة التي يحصل عليها من دول الخليج الفارسي، بالاضافة الى الاسلحة النوعية التي تلقاها من الدول الاوروبية وبالخصوص فرنسا، اما الاتحاد السوفيتي كان يزوّد صدام بصواريخ اسكود ".
وقال:" ان هناك نقطة مهمة ويجب الاشارة اليها هي ان ايران لم تتمكن من ايقاف حرب المدن الا بمساعدة الزعيم الليبي انذاك، والجمهورية العربية السورية فقامت وكانت كوريا الشمالية من الدول التي دعمت إیران معتبرة العراق معتدياً وأنه مدفوع بأجندة غربية لمحاربة الثورة الحديثة في إيران والتي جعلت إیران معادية للسياسة الغربية. فأعلنت في 10 / 10 / 1980 قطع العلاقات الدبلوماسية مع العراق".
وأردف "نجاح علی" قائلاً: "ان الدعم الكوريا الشمالي لإيران عاد عليها كذلك بالفائدة من العملات الصعبة والبترول مقابل تزوید إیران بالأسلحة والعتاد المصنع محلياً أو إعادة تصدير ما تملكه بترسانتها من أسلحة منشأها الاتحاد السوفيتي والصين، أولى الوجبات كانت في شهر 10/ 1980 عتاد مدفعية تبعتها وجبات من الدبابات المصنوعة محليًا من طراز تي 54 وتي 55 خلال أعوام 1981 – 1983 وتنوعت بعدها الصادرات لتشمل الدفاع الجوي وأسلحة مضادة للدبابات. وكذلك التدريب وتقديم الدعم التكنلوجي للصناعات الحربية الايرانية، وكان اكثر الوجبات اهمية هي صواريخ ارض ارض سكود بي التي زودتها لايران بعد أن كانت تحصل عليها عن طريق سوريا وليبيا أول الأمر".
* تأثّر العالم بالثورة الاسلامية الايرانية
شدّد "نجاح محمد علی" على ان الايرانيين يجب عليهم استحضار كلام الامام الخميني الراحل (قدس سره) حين قال "الخير فيما وقع"، فالان ايران اصبحت دولة متطورة عسكرياً، وتنبّؤ الامام الراحل بغزو صدام للكويت وتحذير الامام الدول العربية من ذلك (من غدر وغزو صدام للدول العربية)، وقال "بعدما تنتهي الحرب بين العراق وايران، سيتوجّه صدام اليكم (الدول العربية)" ، وبالفعل عندما انتهت الحرب مع ايران، ذهب واحتل الكويت.
وأوضح الكاتب العراقي بان صدام اخفق بتحقيق الاهداف الثلاثة التي رسمها الامريكيون له.
واعرب على ان دول العالم اجمع تأثّرت بالثورة الاسلامية الايرانية، وخير دليل على ذلك ظهور حركات المقاومة الاسلامية في فلسطين، فدعم هذه الحركات ومنشأها هو الجمهورية الاسلامية، فكان هدف الجمهورية الاسلامية هو اسقاط نظام صدام ومعاقبته والوصول الى فلسطين عن طريق البر، فأطلق الشعب الايراني شعار "طريق تحرير القدس يمر من كربلاء"، فيوماً بعد يوم الجمهورية الاسلامية الايرانية تقترب من هدفها اكثر فأكثر الى ان تصل الى فلسطين، وهذا واضح في وقتنا الحالي من مشروعها بتحرير فلسطين بربطها لطريق بري يربط ايران والعراق وسوريا ولبنان بفلسطين، وكما قال الامام الخميني (قدس سره) " اليوم ايران وغداً فلسطين ".
* شعب الله الفضل
يرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي "نجاح محمد علی" أن الله فضّل الشعب الايراني على كل شعوب العالم، فرسول الله (ص) قال: "لو كان الدين في الثريا لناله رجال من قوم فارس"، وفي حديث اخر قال رسول الله(ص): "لو كان العلم في الثريا لناله رجال من قوم فارس"، حتى التفاوت في نقل الحديث له دلالات، فما قدّمه الايرانييون للاسلام وللعرب الذين يزعمون انهم يرفعون راية الاسلام تم ادراجه في اربع كتب شهيرة وخطير للمرحوم الشهيد ايه الله "مرتضى مطهري".
ختاماً أُعرب ان ايران رغم الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضت عليها تمكنت من الانتصار في هذه الحرب انتصارين، مرة انتصار سياسي وانتصار عسكري، فكان الهدف الاول لصدام وللدول الغربية هو اسقاط النظام عسكريا، وعزل خوزستان، والهدف الثاني تغيير اتفاقية الجزائر لصالح صدام./انتهى/
تعليقك