١٦‏/٠١‏/٢٠٢١، ٣:٥٩ م

كيف يمكن أن تكون السيدة الزهراء التي عاشت منذ ١٤٠٠ سنة قدوة للأجيال المعاصرة؟

كيف يمكن أن تكون السيدة الزهراء التي عاشت منذ ١٤٠٠ سنة قدوة للأجيال المعاصرة؟

نضع بين أيديكم مقتطفات من كلمة للإمام الخامنئي يشرح فيها جوانب من حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الزاخرة بالمعاني التي تجعل منها قدوة يمكن الاحتذاء بها على مدى العصور والازمنة.

وکالة مهر للأنباء _ تصادف اللیلة، ذکری استشهاد سیدة نساء العالمین الانسیة الحوراء فاطمة الزهراء بنت المصطفی وزوجة المرتضی وام الحسن المجتبی و الحسین سید الشهداء حیث نعتبر هذه اللیلة غنیمة لکي نجدد العهد مع شهیدة الولایة القدوة التي لامثیل لها في آلعالم من اوله الی آخره في زمن یبحث کل انسان علی احد لیقتدیه. وبهذه المناسبة الالیمة نستذکر بعض مواصفاتها علی لسان قائد الثورة الإسلامیة.

القدوة المتّفق عليها والمفروضة ليست قدوة مرغوبة. علينا العثور بأنفسنا على قدوة؛ أنا أعتقد أنّه بالنسبة للشاب المسلم، خاصّة المسلم الذي يكون على معرفة بحياة الأئمّة وأهل بيت النّبي والمسلمين في مرحلة صدر الإسلام، لن يكون العثور على قدوة أمراً صعباً وعدد الشخصيات التي يمكن الاقتداء بها ليس قليلاً... دعوني أتحدّث ببعض الجمل حول الوجود المقدّس لفاطمة الزهراء سلام الله عليها؛ قد تشكّل هذه مقدمة للتفكير حول سائر الأئمّة والعظماء.
أنت سيّدة تعيش ضمن فترة التطوّر العلمي والصناعي والتقني وفي عالم كبير وحضارة ماديّة وفي خضمّ كلّ مظاهر الحياة الحديثة هذه، ماذا تتوقّعين من قدوتك التي عاشت منذ ١٤٠٠ سنة؟ في أي جانب من الحياة تتوقّعين أن تكون مشابهة لحالتك الفعليّة كي تنتفعي منها؟

توجد خصائص أساسيّة في شخصيّة كلّ إنسان؛ يجب عليكم تحديدها والبحث فيها عن القدوة. إفرضوا على سبيل المثال، كيف يجب على الإنسان أن يتعامل مع القضايا المتعلّقة بالأحداث المحيطة به؟ الأحداث المحيطة بالإنسان هي في نهاية الأمر أحداث ترافقه.

يمكن للإنسان أن يتعامل مع هذه القضيّة بأسلوبين: الأول بمسؤولية والثاني بأن لا يبالي. لتحمّل المسؤوليّة أيضاً أنواع وأقسام؛ بأيّ روحيّة، بأيّ تطلّع نحو المستقبل؟ على المرء أن يبحث عن الخطوط الأساسيّة في ذلك الشخص الذي يظنّ أنّه يمكن أن يكون قدوة له ويتّبعها.

لاحظوا؛ السيّدة فاطمة الزّهراء سلام الله عليها على سبيل المثال عندما كانت تبلغ من العمر ستّة أو سبعة أعوام؛ حدثت قضيّة شعب أبي طالب. شعب أبي طالب كانت فترة عصيبة في تاريخ صدر الإسلام؛ أي أنّ دعوة الرّسول الأكرم كانت قد بدأت، كان قد أعلن الدعوة، كان أهالي مكّة - خاصّة الشباب، خاصّة العبيد- ينضمّون إلى ركب الرّسول الأكرم وقد رأى كبار الطواغيت - مثل أبي لهب وأبي جهل والآخرين- بأنّه لا حيلة لهم سوى إخراج الرّسول والمجموعة التي ترافقه من المدينة؛ وكان هذا ما فعلوه.

عدد كبير من هؤلاء الذين كانوا يشكّلون عشرات العوائل ويشملون النبي الأكرم وأهل بيته وأبي طالب بنفسه -مع أنّ أبوطالب كان من العظماء- والصغار والكبار، أخرجوا الجميع من مكّة. إحدى الفترات الصّعبة التي واجهها النّبي كان تلك الحادثة. في تلك المرحلة لم تكن مسؤولية النبي الأكرم مجرّد مسؤولية القيادة بما تعنيه من إدارة للمجتمع؛ بل كان عليه أن يدافع عن عمله أمام من حلّت بهم المحنة.  

كلّ هذه المصاعب كانت تثقل كاهل الرسول. في هذه الأثناء، عندما كان النّبي الأكرم يعيش قمّة الشّدائد الروحيّة، رحل أبوطالب عن الدّنيا والذي كان سنداً للرّسول الأكرم ويشكّل أملاً له، ورحلت خديجة الكبرى التي كانت تمثّل أكبر سندٍ روحي للنّبي (ص) خلال أسبوع واحد! هي حدث عجيب جدّاً؛ أي أنّ الرسول بات وحيداً جدّاً.

في ظلّ هذه الظّروف، أنظروا ماذا كان دور فاطمة الزّهراء سلام الله عليها. لقد كانت فاطمة الزّهراء سلام الله عليها للنّبي كالأم، كالمستشارة، كالممرّضة. هناك تمّ إطلاق لقب "أمّ أبيها عليها". هذا اللقب يعود لتلك الفترة؛ أي أنّها كانت كذلك عندما كانت طفلة تبلغ من العمر ستّة أو سبعة أعوام. ألا يمكن أن تكون قدوة للشباب؟ بحيث أنّه يشعر بسرعة بالمسؤولية تجاه القضايا المحيطة به ويشعر بالنّشاط؟ أن ينفق مخزون النشاط الهائل الذي يتضمّنه وجوده من أجل أن يزيل غبار الهمّ والغمّ عن وجه أب يبلغ من العمر خمسون عاماً على سبيل المثال وبات عجوزاً. ألا يمكن لها أن تكون قدوة للشباب؟

النموذج التالي هو قضيّة الاهتمام بالزّوج ورعايته. قد يظنّ الإنسان في وقت من الأوقات بأنّ الاهتمام بالزّوج يعني أن يطبخ الإنسان الطعام في المطبخ، يرتّب الغرفة ويفرش اللحاف وأن يتصرّف كما كنّ يتصرّفن في القدم فيفرشن السّجاد قبل قدوم أزواجهنّ من الدكّان! لا، لا يقتصر الاهتمام بالزّوج على هذه القضايا. أنظروا كيف كان اهتمام فاطمة الزهراء سلام الله عليها بزوجها. طوال الأعوام العشرة التي قضاها الرّسول الأكرم في المدينة، كانت الزّهراء زوجة لأمير المؤمنين عليه السلام مدّة تسعة أعوام. خلال هذه الأعوام التسعة، تمّ ذكر حروب صغيرة وكبيرة -اندلعت حوالي الستين حرباً- وقد شارك أمير المؤمنين عليه السلام في غالبيّتها. لاحظوا الآن، هي سيّدة جلست في المنزل وكان زوجها في الجبهات بشكل مستمر وإن لم يكن في الجبهة فإنّ الأمور ستنقلب رأساً على عقب -إلى هذا الحدّ كانت الجبهات محتاجة إليه- ولم تكن حياتهم ميسورة؛ أي ما سمعناه: «و یطعمون الطّعام علی حبّه مسکیناً و یتیماً و اسیراً انّما نطعمکم لوجه الله»؛ أي أنّ حياتهم كانت حياة فقيرة بما للكلمة من معنى؛ مع أنّها كانت ابنة لقائد، هي أيضاً ابنة الرّسول، وتملك نوعاً من الشعور بالمسؤوليّة. 

أنظروا كم يحتاج الإنسان لروحيّة قويّة ليستطيع تحضير هذا الزّوج؛ إفراغ قلبه من القلق تجاه الأهل والعيال ومصاعب الحياة؛ وطمأنته؛ وتربية الأطفال بشكل مميّز كما قامت بفعل ذلك سلام الله عليها.

ثمّ بعد حادثة وفاة النّبي، فإنّ قدومها إلى المسجد وإلقائها تلك الخطبة العجيبة مبهرٌ بشكل كبير! نحن أهل الخطابة وإلقاء الخطب الارتجاليّة ندرك مدى عظمة هذه الكلمات. سيّدة تبلغ من العمر ثمانية عشر سنة، عشرون سنة وأربعاً وعشرون سنة كأقصى حدّ -فليس معلوماً عمرها الدقيق لوجود اختلاف في تحديد تاريخ ولادتها سلام الله عليها- تأتي إلى المسجد مع كلّ تلك المصاعب والمصائب، وأمام الحشود الغفيرة، لتلقي خطبة وهي مرتدية للحجاب، خطبة ستخلّد كلماتها كلمة بكلمة في التاريخ.

~الإمام الخامنئي ١٩٩٨/٧/٢٤

/انتهی/

رمز الخبر 1910967

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha