وكالة مهر للأنباء - نسرين نجم: شخصية اسرت العالم الاسلامي وحتى الغربي بطروحاتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية، والتي مثلت كما قال القائد سماحة الامام الخامنئي (دام ظله):" الاساس الفكري الذي يقوم عليه نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية"...
فقد تحدث الشهيد الكبير الدكتور مرتضى مطهري (قده) عن التغيير في المجتمع ودور الانسان في ذلك، وهي نقطة حساسة وقيمة سيما في تلك الفترة التي كانت تشهد فورة الاتجاهات الماركسية والرأسمالية، فقد اتى الشهيد الكبير بطرح سلس مرن اسلامي ينطلق من الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال، وهي قيم مترابطة بشكل متين لانها الطريق السليم لتحقيق النهضة.
الحرية عند الشهيد مطهري فهي ليست منحة تقدم للانسان او هبة، بل هي مسؤولية وتكليف ينبع من داخل الانسان ليدعوه الى كسر ما يكبل يديه وفكره من قيود
ولذلك كانت محور الاديان والرسالات السماوية سيما الاسلام، وبالحديث عن الحرية عند الشهيد مطهري فهي ليست منحة تقدم للانسان او هبة، بل هي مسؤولية وتكليف ينبع من داخل الانسان ليدعوه الى كسر ما يكبل يديه وفكره من قيود، ولذلك ربطها بالعدالة الاجتماعية لانه لا معنى ولا فائدة ترجى من قيمة الحرية ما لم تكن مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، والا ستصبح الحرية مجرد شكل وعنوان فارغ المضمون، فالعدالة الاجتماعية تؤمن شبكة الامن والامان النفس _ اجتماعي للمواطنين، وهي لا يمكن ان تتحقق الا من خلال دولة الرعاية الاجتماعية.
اما الاستقلال بفكر الشهيد مطهري فهو:" بمعناه السياسي والاقتصادي والفكري، والمسكون بهمين:
- هم الاصلاح والتجديد.
- هم الحفاظ على الاصالة والهوية.
ولذلك يرى ان تحقيق هذا الاستقلال لا يمكن ان يتم من خلال استيراد الثقافة من الخارج، بل ان الثقافة والفكر ينبعان من الداخل، بالطبع مع تطويرهما واصلاحهما، والا فإن الثقافة المستوردة مهما عملنا على تشذيبها وتدجينها ستبقى هجينة، وتؤثر سلبا على بناء الدولة العادلة القوية.
ومن هنا يقول الشهيد (قده):" لا ينبغي لأمة ان تتنازل عن هويتها لأمة اخرى او عن ثقافتها، والت ستدخل طوعا تحت نير عبودية الامة الموردة للفكر".. وللاسف هذا ما يحصل في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، الامر الذي افقدها السيطرة على بناء دولة بمعناها الحقيقي، وعلى تعزيز هوية الانتماء لها من قبل المواطن، وجعلهم بحالة الذوبان والاضمحلال امام هذه الافكار والاتجاهات الثقافية المستوردة.
علينا ان نثبت ان رؤيتنا الكونية ومنظومتنا الفكرية والاسلامية لا تنتمي الى الغرب ولا الى الشرق، بل هي منظومة فكرية لها كيانها المتميز المستقل
وهنا يوضح د.مطهري انه:" علينا ان نثبت ان رؤيتنا الكونية ومنظومتنا الفكرية والاسلامية لا تنتمي الى الغرب ولا الى الشرق، بل هي منظومة فكرية لها كيانها المتميز المستقل"، وبذلك نجحت الجمهورية الاسلامية في الحفاظ على استقلاليتها وهويتها واصالتها النابعة من الاسلام المحمدي الاصيل، رغم كل الهجمات والحروب المتنوعة التي شنت عليها، الا انها ظلت قوية صامدة في وجه كل هذه الاعاصير الثقافية والفكرية والاعلامية التي ارادت تشويه صورة ايران من قبل دول الاستكبار والاستعمار، وانعكست الآية الان على مجتمعاتهم التي تشهد انحدارا اقتصاديا وفكريا وحالات من التفكك والوهن خطيرة جدا.
اذن النهضة بفكر الشهيد مطهري هي الحركة بإتجاه تصاعدي مقاوم، بمعنى رفض ومواجهة كل ما شأنه سلب مقومات إنسانية الانسان فيقول:" ان الاحياء الشامل لمفاهيم الاسلام هو الشرط الاساس عند دعاة النهوض والإصلاح لكل تغيير في الواقع، ولكل عملية بناء وتشييد، والمدخل للخروج من التبعية والتخلف".
لقد كان الشهيد مطهري(قده) يحمل هم إبراز الإسلام كحضارة نهضوية مستديمة في سيرورتها التاريخية، مستفيدا ايضا من الحضارات الاخرى وتجاربها البشرية في موضوع النهضة والاحياء... ففي كتابه "الاسلام ومتطلبات العصر" يقول:" على المسلم في خضم هذا العالم ان يعرف ليس فقط الاسلام معرفة صحيحة في فلسفته الاجتماعية وعقيدته الالهية ونظامه الفكري والحقوقي ليكون على بينة من امره، وليتجنب الاخطار، وليرسم طريقه بثبات واستقامة، انما عليه كذلك ان يعرف بصورة جيدة وواضحة اشكاليات العصر وتطوراته واوضاعه، وانتاجاته المعرفية وحراكه وتحولاته وتعقد اسئلته"..
معتمدا في ذلك على العقل لا على التلقين فيقول:"العقل هو الوسيلة التي ينبغي ان يستثمرها الانسان لتمييز ذلك، لان بواسطته يستطيع تأمل تجاربه فيدرك بذلك انحرافه، وجذور تراجعه، وقد يدلنا العقل بسهولة وببساطة وبيسر ويرشدنا الى ان الانسان استثمر على مدى الزمن قدراته، وما أبدعه في سبيل خدمة اهداف تنافي طبيعته، وتتجاوز مقتضيات فطرته، ومن اجل غايات وهمية وآمال زائفة وطموحات متهورة، واشباعا لغرائز متفلتة ومندفعة وطاغية لم تجد في طريق انطلاقها عائقا يحد منها، او وازع يخفف من غلوائها، فكانت نتيجة ذلك الشامل لتجارب والدمار الكلي لأمم، والفناء المحقق لشعوب، والقهر المقيت لمجتمعات".
الشهيد الشيخ الدكتور مرتضى مطهري(قده) كان السابق لعصره في الافكار والنظريات التي طرحها، فقد كان يتمتع ببعد رؤيوي ملفت، فمن يقرأه اليوم يشعر وكأن الشهيد الكبير يتحدث عن احوالنا الاجتماعية والفكرية والثقافية الحالية، ولعل اهم ما قيل عن هذه الشخصية الفذة والتي كانت من منظري الثورة المجيدة، عند استشهاده ما قاله روح الله الموسوي الخميني(رض):" إني فقدت بإستشهاده ابنا عزبزا، وواحدا من الشخصيات التي أعدها حاصل عمري، ولقد ثلم الاسلام بشهادة هذا الولد البار والعالم الخالد ثلمة لا يسدها شيء". كيف لا؟ وهو اي الشهيد مطهري كان ثقة الامام الخميني(رض) عندما كان في نوفل لوشاتو بفرنسا، كان ينقل رسائل الامام الثورية الاجتماعية الدينية من باريس الى طهران ورسائل الثوار المجاهدين من طهران الى باريس اثناء الثورة المباركة.
/انتهى/
تعليقك