وأفادت وكالة مهر للأنباء إن كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران اقامت ندوة فكرية تحت عنوان "العلماء المسلمين ومنطق التغيرات الحضارية" شارك فيها المفكر ادريس هاني من المغرب حيث قدم شرحاً موجزاً عن عدد من مفكري العالم الاسلامي منذ مطلع القرن العشرين مناقشاً منطلقاتهم الفكرية وتفاعلهم مع الحداثة والتاريخ ودراساتهم حول الوعي المعرفي الجديد.
واعتبر ادريس هاني إن خطاب النهضة والتجديد في العالم العربي انقسم في اتجاهين، اتجاه ينحو نحو المحافظة واليمينة والآخر يتجه نحو الليبرالية، موضحاً إن ميلاد الصراع الإيدولوجي بشكله المعاصر أكثر في المنطقة العربية.
وأضاف المفكر المغربي إن خطاب الرشد خمد إن صح التعبير، فخطاب الرشد النهضوي كان جامع للأمة عميق في خطابه بعيداً في غاياته، موضحاً إن غاياته كانت حضارية وكانت تهدف إلى أن تحدث النهضة والتقدم في المنطقة العربية والإسلامية لكي تكون نداً لهذا الغرب والحداثة، فبدأت حركة التحديث على مستوى البنى التحتية والتنظيم والإدارة والجيش ولكن ظل خطاب التحديث والدعوى إلى التحديث مستمرة بأشكال مختلفة.
وأوضح هاني إدريس المنطقة العربية بدأت فيها بعض الخصوصية، خصوصية خطاب ازداد توتراً وازداد عنفاً، مشكلاً معارك شبه أهلية في المنطقة حيثما كان هناك انفجار في منطقة ما إلا وكان له غطاء إيدولوجي، حيث شاركت الإيديولوجية في الحروب الأهلية في المنطقة العربية.
وأشار المفكر المغربي إلى إن هزيمة 1967 كانت المنعطف الذي زعزع الثقة والطمأنينة لدى العرب بإنهم سينتصرون حتماً، ولا سيما إن القائد عبد الناصر هو من قاد القواد المصرية وغيرها وبالتالي فإن هذه الهزيمة كان لها وقع في النفس والعقل العربي، لم تكن هزيمة عسكرية فقط بل كانت هزيمة سياسية كشفت إيضاً عن هزيمة فكرية.
ولفت هاني إدريس إلى إن الحديث هنا بدأ يتجه نحو الحداثة وبدأ يقل الرهان على مفهوم القومية العربية بنسختها الناصرية باعتبار إنهم جربووا هذا الرهان وانتهى بهزيمة عسكرية حيث بدأت تنتعش من جديد الحركات الأخرى لا بكونها استطاعت أن تتموقع جيداً في العالم العربي بل لإنها تمكنت من هزيمة خصمها الإيدولوجي.
وأشار المفكر المغربي إلى ظهور محاولات ما يسمى بالنقد الذاتي قضية النقد الذاتي وانعكاسها على الفكر العربي والإيدولوجية المعاصرة ذاكراً عبدالله العروي من المغرب صاحب كتاب الإيدولوجية المعاصرة.
وأردف ادريس هاني إن أبرز محاور الكتاب تقسيمات التقني والسياسي والشيخ، حيث أعطى نموذج الشيخ لمحمد عبده (طبعاً لم يعطي مثال عن الشيخ جمال الدين الأفغاني لأنه ليس شيخاً، ليس بالمعنى التقليدي للعبارة هو يقصد الخطاب) أما الخطاب التقني فقد مثله مجموعة من الليبرالين، وخطاب السياسي معطياً نماذج عديدة من العالم العربي والغربي.
وذكر المفكر المغربي إن مواطنه العروي بين في كتابه إن مشكلة العرب تكمن في التفاتهم المهم والدائم إلى التراث إلى الخلف إلى التاريخ إلى التقليد، لذلك يعتبر نفسه محارب للتقليدانية أو مايسميه بالسلفية ، وعندما يتحدث عن السلفية يعتبرها أوسع مما يطلق على فرقة في الشرق بل يقصد كل التفات للتاريخ واستحضاره وبناء نموذج عنه.
وسرد ادريس هاني وجهة نظر العروي الذي يعتبر إن التقدم هو نسيان التاريخ والابتعاد عن التقليد والتقرب إلى الحداثة، وضمن المفهوم الهيغلي للعابر،.
واعتبر عبد اللع العروي إن الحداثة هي حق الكون وليست خاصة بالغرب، موضحاً ظهور تأثيرات هزيمة 1967 بما سمي بالنقد الذاتي العربي في الإيديولوجية المعاصرة العربية.
وأوضح ادريس هاني إن تداول المفاهيم في المنطقة العربية قائم على سوء نقل المفاهيم، مما اضطر العروي إلى أن يدشن ما سمي بسلسلة المفاهيم ، مفهوم الإيديولوجية مفهوم الدولة ومفهوم الحرية ومجموعة من الأعمال التي يقدم خلالها نقد وتصور في نوع من محاولة تبييء هذه المفاهيم في العالم العربي أو تقريبه إن صح القول.
واعتبر اديس إن هذا هو الفرق بين فكرة تبييء الأفكار وإخضاعها لمجال التدوال كما يرى البعض، إلا إن البعض الآخر يرى إن الأوجب رفع ذهن المتلقي المحلي ليصل إلى مستوى فهم اصطلاحات الحداثة ذات الطابع الكوني وليست ذات الطابع الخاص.
واعتبر المفكر المغربي إن خصوصية العروي إنه جاء في سياق كرجل مفكر بعيداً عن الأطر المهيمنة على الفكر في ذلك العصر في مغرب الاستقلال حيث كانت الحركة الوطنية متمثلة بحركة الاستقلال وهي شبيه بحركة السلفية الوطنية ترفض مجموعة الأفكار وهي ليست سلفية دينية وهابية كما هو معرفة اليوم، بل المعنى التمسك بالسلف الصالح.
وأردف هاني ادرس إن طرح العروي اعتبره السلفيين المحافظين في المغرب تحدي لهم، ، وكان محمد عابد الجابري أحد المناضلين في صفوف الشبيبة الاستقلالية السلفية (التقليدية) وفي فروعها فيما بعد مما استدعى الجابري ليرد على العروي، لذلك نقول لولا العروي لما وجد الجابري ولما وجد نقد العقل العربي .
وأوضح ادريس هاني إن العروي كان يؤمن بالقطيعة الكاملة بين الحداثة وبين التراث، بينما الجابري يقول لا يمكننا أن نمار القطيعة مع التراث بل هناك شكل من التراث يصلح مع الحداثة وهناك أشكال لا تصلح، وللذك سنقطع مع تراثات وبقى مع تراثات أخرى، والقطيعة عنده مع شكل من التراث نسميه قطيعة صغرى. ولذلك دخل الجابري في التراث والمدارس التراثية وقام بعمل الترجيح بين هذا وذاك ضمن خريطة تشكلت ضمن مشروعه، فهو اهتم بابن خلدون وكان أطرواحته الأولى عنه، ثم تبلورت لديه رؤية نقدية لعبد الله العروي وتجمعت ليه مجموعة من الأعمال ، ومن نحن والتراث، وبرزت في تلك الفترة عدد من مفاهيمه منها مفهوم القطيعة وإيضاً مفهوم العقل المستقيم إي هناك أقسام من التراث يمثل اللامعقول العقلي، وقسم من التراث يمثل المعقول الديني.
وأوضح هاني ادريس إن "تكوين العقل العربي" مشروع لـ "نقد العقل العربي" وفيه حاول الجابري ان يضع المفاهيم الاساسية التي سيعتمدها كأدوات في تحليل التراث مثلا يحاول ان يبرر ويدافع عن سبب اختياره لهدا العنوان "لماذا نقد العقل العربي؟".
واعتبر الجابري ان هذا النقد كان يفترض ان يكون قبل مئة سنة يعني تأخر ولذلك هو يرى نفسه انه اول من دشّن عملية نقد العقل العربي
واستند الجابري الى التقسيم الفلسفي الشهير آندره لالوند وهو تقسيم العقل الى عقل مكوِّن وعقل مكوَّن فهناك تأثير متبادل بين العقل الفاعل المكوِّن والعقل المكوَّن السائد بمعنى ان العقل يخلق ثقافته يؤثر فيها ويتأثر فيها.
واورد ادريس هاني المقصود بالعقل العربي فهو جملة الأفكار وبشكل عام الثقافة التي من خلالها ينتج هذا العقل الاداة وينتج وعيه يعني وعيه بالعالم والاشياء فالعقل لا يتحرك من فراغ وبل يتحرك من داخل اطار ثقافته لذلك رأى انه لابد ان نطرح شكل من المقارنة بين العقل الثقافي العربي والعقل الثقافي الاوروبي والعقل الثقافي اليوناني امّا ما سوى ذلك من الثقافات فهو لا يعتبرها لها عقل بهذا المعنى وهنا المشكلة سوف تثير عليه الكثير من النقد والثقافة الهندية في نظره لا يمكن ان نقول العقل الثقافي الهندي باعتبار ان هذه الثقافة لا تهتم بالعقل ويختلط فيها اللامعقول بالمعقول ويختلط فيها الرياضيات بالسحر فلم تكن تفرز شيئا.
وأشار المفكر المغربي إن الثقافة العربية حينما يراد ان تدرس خصوصياته يقول العقل العربي له علاقات بالسلوك والاخلاق والقيم ولا يعني الطبيعة ابدا عكس العقل اليوناني، موضحاً إن الجابري حاول أن يرسم مراحل تكون وتشكل العقل العربي وهو يحاول أن يقول في عجالة أنه تشكل في عصر التدوين، حيث اكتملت الثقافة العربية وبنية العقل العربي وانتظمت المعارف وكانت هناك أفكار كثيرةمنها الاسلامي ومنها الأجنبي.
واختتم ادريس هاني محاضرته بقوله إن البنى الأولى العقل واللغة وبراهينها التي تمثلته مرحلة إدخال الثقافة والمنطق للغة العربية وهناك بينة العرفان ثلاث بنى اندمجت منذ البداية لكنها لم تمتزج ولم تتعايش. /انتهى/.
تعليقك