وكالة مهر للأنباء: وكانت الصقارة في الماضي وسيلة للبقاء والصيد في البيئة الصحراوية القاسية، لكنها اليوم تحظى بمكانة خاصة في تراث قطر، إذ تحولت مع مرور الأجيال من ضرورة حياتية إلى رمزٍ للصبر والدقة والفخر.
في قلب الدوحة، يعد سوق الصقور المجاور لسوق "واقف" الشهير كمتحفٍ حي لهذا الموروث العريق، حيث يجتذب السوق الزوار والمقيمين لمشاهدة الصقور عن قرب، ومتابعة تدريبها، والتعرف على قدراتها الفريدة.
ويحرص أصحاب المحال على شرح الفروق بين أنواع الصقور واستعراض أساليب التعامل التقليدية معها.
وفي هذا الصدد، يقول مدير أحد مراكز الصقور في قطر خالد محمد "الصقارة والصيد هوايات قديمة توارثها الأبناء عن الآباء، وهي رياضة وتراث في الوقت ذاته".
وتابع "في الماضي كانت الصقور تُستخدم أساساً للصيد، أما اليوم فأغلبها يدرَب للمسابقات والمهرجانات التي تعكس التراث الثقافي".
وشهدت الصقارة في قطر خلال السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً بفضل استخدام التقنيات الحديثة، فقد حلت مزارع ومراكز التربية المتخصصة محل الصيد في البرية، وأصبحت تنتج سلالات جديدة تتميز بالقوة والدقة والقدرة على التحمل.
وتستخدم هذه المراكز أنظمة حضانة ورقابة وراثية لضمان صحة وسلامة الصقور.
وأوضح محمد "في الماضي كانت الصقور تُربى وتُدرَّب في البرية، أما الآن فكل شيء يتم في بيئات خاضعة للرقابة، باستخدام تقنيات متخصصة تحسّن من صحة الطيور وأدائها".
ويقع بالقرب من السوق مستشفى سوق واقف للصقور، وهي من أكثر المرافق تقدماً في البلاد، حيث تقدم خدمات الفحص والجراحة وتركيب الشرائح التعريفية (الرقاقة الإلكترونية) لضمان الرعاية الصحية الدقيقة.

ولكل صقر بطاقة تعريف صحية تحتوي على بياناته الكاملة، وهي شرط أساسي للمشاركة في المسابقات أو السفر بما يعرف بـ "جواز الصقر".
ويتابع محمد "يجب على كل من يقتني صقراً أن يمتلك خبرة ومعرفة بحالته الصحية وسلوكه وكيفية العناية به، ومع ذلك أصبحت الأمور اليوم أسهل بفضل المستشفيات والمراكز المتخصصة التي تشخص وتعالج أمراض الصقور بسرعة وكفاءة".
ولا يقتصر سوق الصقور على بيع الطيور فحسب، بل يتضمن أيضاً حرفيين مهرة يصنعون المعدات التقليدية المستخدمة في الصقارة، ويقضي هؤلاء سنوات في اتقان حياكة البرقع (غطاء الرأس) وقفازات الحماية والمقاعد الخاصة بالصقور باستخدام جلود الإبل أو الماعز عالية الجودة.
ويقول محمد، أحد الحرفيين في السوق منذ عشر سنوات "كل قطعة تصنع بدقة كبيرة، فالبرقع والقفاز ليسا مجرد أدوات، بل جزء من هوية الصقر".
وتحولت الصقارة في قطر إلى رياضة تنافسية كبرى من خلال مهرجان "مرمي" الدولي للصقور والصيد الذي يقام كل شتاء، ويعد من أبرز الفعاليات في البلاد.
وتشمل المسابقات فئات متعددة مثل "المزاين" لجمال الصقور، و "الهدد التحدي" لمهارات الصيد، وسباقات السرعة.
يحصل الفائز بالمركز الأول في مسابقة الجمال على جائزة قيمتها 700 ألف ريال قطري (نحو 192 ألف دولار أمريكي).
ومع تزايد شعبية الصقارة، ارتفعت أسعار الصقور بشكل ملحوظ، فوفقاً لتجار السوق، يبلغ سعر الصقر الصغير نحو 2000 ريال قطري (نحو 550 دولارا أمريكيا)، بينما يصل سعر الصقر المدرب للمنافسات إلى 70 ألف ريال قطري (نحو 19 ألف دولار أمريكي)، وقد تتجاوز بعض الأنواع النادرة 100 ألف ريال قطري (نحو 28 ألف دولار أمريكي).
وأصبحت الصقارة اليوم قطاعاً اقتصادياً وثقافياً مهماً في قطر، إذ توفر فرص عمل لمربين وأطباء بيطريين وحرفيين ومنظمي فعاليات.
وتُعد الصقارة فنًا تقليديًا يركز على تدريب الصقور، وتشمل الممارسة إطلاق الطيور الجارحة للصيد، ويعكس هذا التراث ارتباط الإنسان العميق بالطبيعة، كما يجسد مهارات الصقار في التعامل مع الطيور وفهم سلوكها لضمان صيد ناجح ومتوازن بيئيًا، وفقا لموقع الإتحاد العربي للإعلام التراثي.وكانت الصقارة وسيلة لتوفير الطعام، أما اليوم فهي تمارس كنشاط ترفيهي وثقافي يجذب أشخاصًا من مختلف الأعمار والثقافات، ويتيح لهم فرصة التعرف على مهارات الصقار التقليدية وفهم العلاقة بين الإنسان والطبيعة بشكل مباشر.
ويتقاسم الصقارون قيمًا وتقاليد مشتركة عالميًا، تشمل طرق تربية الطيور ورعايتها، وتعتبر العلاقة بين الصقار والطائر جوهر هذا الفن، حيث يعتمد النجاح على الصبر والانضباط والتفاهم المتبادل بين الإنسان والطائر لضمان ممارسة آمنة ومستدامة.
تتضمن الصقارة معدات تقليدية مصنوعة بعناية، ويقوم الحرفيون بإعداد أدوات دقيقة للتدريب، وتعكس هذه المعدات الإبداع والمهارة المتوارثة عبر الأجيال، كما تسهم في الحفاظ على أصالة التراث وضمان استمرار استخدام الطرق التقليدية في الصيد والتدريب.
وفي العام 2021 أدرجت منظمة اليونسكو الصقارة ضمن التراث الثقافي غير المادي، وشمل الإدراج دولًا مثل قطر والسعودية والمغرب، ويعكس هذا التصنيف أهميتها الثقافية العالمية ويعزز جهود الحفاظ عليها ونقل مهاراتها للأجيال الجديدة على نطاق دولي، وفقا لموقع الإتحاد العربي للإعلام التراثي
وتُنظم فعاليات ومهرجانات للترويج للصقارة عالميًا، وتتيح هذه المناسبات للزوار اكتشاف جمال العلاقة بين الصقار والطائر، كما تشجع على تبادل الخبرات والمعرفة بين الثقافات المختلفة، مما يجعل الصقارة جسرًا يربط بين الشعوب ويعزز التواصل الثقافي.
من سماء الصحراء إلى أبراج الدوحة الحديثة، تظل الصقارة رمزاً للفخر والخبرة والشغف المتجدد الذي يعبر عن روح قطر وهويتها المتأصلة.
المصدر: وكالة شينخوا
تعليقك