وكالة مهر للأنباء: لا يمكن اعتبار اقتراح دونالد ترامب الأخير لإجراء مفاوضات جديدة مع إيران مجرّد مبادرة سياسية أو تغيّر في نهج واشنطن، بل هو تكرار لنمط معروف يمكن تسميته بـ «متلازمة التفاوض القلق».وهو أسلوب خاص في الدبلوماسية يقوم على عدم الاستقرار، وخلق الأزمات، والمساومات الاستعراضية.
سلوك متناقض وأزمات مصطنعة
طوال مسيرته السياسية، لم ينظر ترامب إلى التفاوض كعمليةٍ لحلّ الخلافات، بل كأداةٍ لعرض القوة وتحقيق مكاسب إعلامية قصيرة الأمد. في هذا الإطار، يغيّر مواقفه بشكل متكرر ومن دون إنذار مسبق؛ فيتفق اليوم على مبدأ، وينقضه غدًا.
ما يهمّه ليس مضمون الاتفاق، بل صورته الإعلامية، ليقدّمها للرأي العام الأميركي بوصفها إنجازًا شخصيًا.
استراتيجية الإرباك والإرهاق الدبلوماسي
يستخدم ترامب هذا السلوك عن قصد لزرع الارتباك وإرهاق الطرف المقابل نفسيًا. فبتبديله المستمر لنبرته ومواقفه، يسلب الدبلوماسيين القدرة على التخطيط طويل المدى. ولا يعرف الطرف الآخر هل سيواجه في الجولة المقبلة «ترامب المتساهل» أم «ترامب المقاتل».
هذا النمط يُنتج انعدام ثقة هيكليًا في عملية التفاوض، إذ يطعن ترامب دائمًا في الاتفاقات السابقة والجهات الوسيطة، ممّا يمهّد لمفاوضات جديدة «مُشخصنة»، تُهدم فيها الأسس الجوهرية للثقة التي تُعدّ عماد أي تفاوض حقيقي.
التفاوض بوصفه إملاءً سياسيًا
من منظور ترامب، التفاوض يقوم على منطق الربح والخسارة؛ أي إن فوز طرفٍ لا يتحقق إلا بخسارة الطرف الآخر. في هذا الإطار، لا مكان لحلول الربح المشترك.
وقد أشار قائد الثورة الإسلامية إلى هذا المنطق المفروض بقوله:
«"إنّ ما يقولون إنّه مفاوضة لا فائدة فيه لنا، لأنّ الطرف الأميركي حدّد سلفًا نتيجة المفاوضات... هذه ليست مفاوضة، بل إملاء وإكراه".
تداعيات متلازمة التفاوض القلق
1. تراجع الثقة الدولية: تفقد الدول رغبتها في التفاوض مع واشنطن بسبب ضعف التزامها بالتعهدات.
2. زيادة عدم الاستقرار العالمي: يتسع نطاق الشك وعدم اليقين في الأسواق المالية والأمن الإقليمي والعلاقات الدبلوماسية.
3. اتفاقات هشة: حتى إن تمّ التوصّل إلى اتفاق، يكون مؤقتًا واستعراضيًا أكثر منه حلًا مستدامًا.
4. الإرهاق الدبلوماسي: تنشغل أجهزة الدبلوماسية – لدى الأطراف المقابلة وحتى داخل الإدارة الأميركية في إدارة أزماتٍ مفاجئة وقراراتٍ شخصية للرئيس.
الخلاصة
إنّ الدعوات الجديدة من ترامب للعودة إلى طاولة المفاوضات، ما لم تترافق مع تغيّرٍ جذري في نمطه السلوكي والفكري، فلن تكون سوى إعادة إنتاج لـ«التفاوض القلق» ذاته.
إنّ هذا الأسلوب لا يسعى إلى حلّ النزاعات، بل إلى إدارة المشهد لإعادة تثبيت صورة ترامب بوصفه "صانع الصفقات الكبرى".
وفي ظلّ غياب هذا التغيير، فإن أي عودة إلى التفاوض لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاضطراب وتآكل الثقة المتبادلة.
"بقلم: د. مرتضى أميربور / دكتوراه في العلوم السياسية"
تعليقك