وكالة مهر للأنباء: يشكل اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، فرصة ثمينة لإعادة التفكير في التحديات والأبعاد الأقل ظهوراً لانتهاكات الحقوق الأساسية للإنسان في مختلف أنحاء العالم؛ وهي تحديات كثيراً ما تضيع وسط التقارير الدولية أو في خضم التجاذبات السياسية. ومن بين القضايا التي حظيت باهتمام أقل على المستوى الدولي، قضية ضحايا الإرهاب في إيران؛ وهي قضية تقع عند تقاطع ثلاثة مجالات رئيسية: الأمن والسياسة وحقوق الإنسان، وبسبب هذا الطابع البين-تخصصي، غالباً ما بقيت خارج نطاق الاهتمام البحثي والمؤسسي الدولي.
وبحسب البيانات الموثقة التي جمعتها مؤسسة هابیلیان، فقد قُتل أكثر من 23 ألف مواطن إيراني في هجمات إرهابية منذ عام 1979. وتشمل هذه الإحصاءات طيفاً واسعاً من الفئات الاجتماعية: أطفالاً ونساءً وعمالاً ومعلّمين وموظفين ومواطنين عاديين لم تكن لهم أي أدوار سياسية أو أمنية في أحداث البلاد. ومن بين هؤلاء 500 طفل دون الثانية عشرة، كان مئة منهم دون سن الخامسة لحظة استهدافهم؛ و650 امرأة، و800 مزارع، و650 عاملًا، و200 معلّم وطالب، وأكثر من 150 من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم السبعين. وهذه الأرقام ليست سوى جزء من الواقع المأساوي لضحايا الإرهاب في إيران. وتكشف هذه التنوّعية عن رسالة واضحة: الإرهاب في إيران يستهدف في المقام الأول المدنيين الأبرياء.
ومن منظور القانون الدولي، تمثل هذه الوقائع انتهاكاً واسعاً وممنهجاً للحق في الحياة؛ وهو حقٌّ مطلق وغير قابل للتقييد، وفقاً للمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والمادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
وعلى الرغم من هذا الحجم الكبير من الانتهاكات، فإن اهتمام المجتمع الدولي بقضية ضحايا الإرهاب في إيران ظل محدوداً. ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى تسييس قضية الإرهاب في الخطاب الدولي والفصل بينها وبين الأطر الحقوقية. ففي العديد من التقارير تُدرج قضايا الإرهاب ضمن الملفات الأمنية، مما يؤدي إلى تراجع الاهتمام بأبعادها الإنسانية والقانونية ــ بما في ذلك تداعياتها على الأسر، ولا سيما الأطفال، والآثار الاجتماعية والنفسية، وحقّ الضحايا في الوصول إلى الحقيقة والعدالة. وإذا أراد المجتمع الدولي اتباع مقاربة شاملة ومحايدة لحقوق الإنسان، فلا يمكنه تجاهل هذا الشكل من انتهاك الحق في الحياة ضد المواطنين الإيرانيين، لمجرّد أنهم لا يندرجون ضمن التصنيفات السياسية السائدة. علماً بأن المعايير الدولية تُصنّف الهجمات المتعمدة ضد المدنيين ــ بصرف النظر عن هوية الفاعلين أو دوافعهم السياسية ــ بوصفها انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وقد تُدرج في بعض الحالات ضمن التعريف الأوسع لـ الجرائم ضد الإنسانية.
وتبرز مشكلة إضافية تتمثل في ضعف حضور البيانات المتعلقة بضحايا الإرهاب في إيران داخل قواعد البيانات الدولية وأنظمة التقارير الحقوقية العالمية. فعلى الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتوثيق وتصنيف هذه المعلومات داخل إيران، إلا أنها لم تنل بعد حضوراً كافياً في التيار الرئيسي للأبحاث الحقوقية أو في تقارير الهيئات الرقابية الدولية. وقد أدى هذا القصور إلى نشوء شكل من الغياب البنيوي في الرواية العالمية للإرهاب؛ حيث تُسلّط الأضواء على فئات معينة من الضحايا، بينما تبقى فئات أخرى ــ ومن ضمنها الضحايا الإيرانيون ــ على هامش الاهتمام أو خارج المشهد تماماً. وقد يفضي هذا الوضع، على المدى البعيد، إلى تحيّز غير مقصود في الأدبيات الحقوقية وإلى تراجع شموليتها. ومن هنا تأتي ضرورة أن تُولي الهيئات الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقرريه الخاصين، اهتماماً جدّياً بهذه القضية.
كما تحتاج الأبعاد الاجتماعية لظاهرة الإرهاب في إيران إلى اهتمام بحثي أوسع. فالدراسات الميدانية والحالات العملية تشير إلى أن آثار الإرهاب لا تقتصر على الضحايا المباشرين، بل تمتد لتشمل أسرهم والمجتمع المحلي، الذين يعانون من تداعيات طويلة الأمد، مثل فقدان مصادر الدخل، والصدمات النفسية، وتفكك الروابط الاجتماعية. ومن منظور حقوقي، تندرج هذه الآثار ضمن حقوق الإنسان في الأمن الإنساني والحماية الاجتماعية. وبمعنى آخر، يشكّل الإرهاب في إيران تهديداً ليس فقط لحياة الأفراد، بل أيضاً للبُنى الاجتماعية وللأمن الإنساني باعتباره أحد مكوّنات التنمية المستدامة.
إن طرح قضية ضحايا الإرهاب في إيران في اليوم العالمي لحقوق الإنسان يحمل، إلى جانب دلالته الرمزية، رسالة نظرية مهمة: إن حقوق الإنسان تكتسب معناها الحقيقي عندما تكون شاملة، جامعة، وخالية من التراتبيات السياسية. وإن تجاهل فئة من الضحايا ــ لأي سبب كان، سواء بسبب موقعهم الجغرافي، أو الدولة التي تستضيف الجماعات الإرهابية، أو تعقيدات السياسة الإقليمية ــ يُضعف الطابع الكوني لحقوق الإنسان. ولذلك ينبغي للمنظمات الدولية والباحثين والمؤسسات المدنية أن يعملوا على معالجة هذه القضية ضمن أطر علمية وحقوقية محايدة، بعيداً عن التوظيف السياسي.
وتلعب وسائل الإعلام والمنشورات المتخصصة دوراً مهماً في هذا السياق، من خلال التمثيل الدقيق للبيانات، وتجنّب السرديات العاطفية أو النمطية، والاهتمام بالتوثيق والتحليل القانوني، وربط أدبيات دراسات الإرهاب بحقل حقوق الإنسان، مما يساهم في بناء إطار تحليلي جديد ومتوازن. كما يمكن للتواصل بين الباحثين المحليين والهيئات الدولية أن يُسهِم في توفير البيانات وتدقيقها.
وفي نهاية المطاف، فإن قضية ضحايا الإرهاب في إيران ليست شأناً محلياً ضيقاً، بل هي جزء من المشهد العالمي للإرهاب وتبعاته الحقوقية. ومعالجة هذه المسألة ليست دفاعاً عن حقوق مواطني دولة واحدة فحسب، بل خطوة لتعزيز الحياد والاتساق داخل منظومة حقوق الإنسان. ويأتي اليوم العالمي لحقوق الإنسان ليذكّرنا بأن الحق في الحياة هو أسمى الحقوق الإنسانية، وأن أي اعتداء متعمّد على المدنيين ــ أيّاً كانت دوافعه أو موقعه الجغرافي ــ يجب أن يخضع للفحص والتوثيق والمتابعة بجدّية داخل الخطاب الحقوقي.
بقلم: محمدجواد هاشمي نجاد
تعليقك