٣٠‏/١٠‏/٢٠٠٤، ٥:٠٢ م

تحليل سياسي

عرفات والارث المشؤوم

اثار ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية غضب عدد من قادة جبهة الصمود والتصدي العربية عندما فصل طريقه عن باقي الدول العربية من خلال التوقيع على معاهدة اوسلو في عام 1993 بعد عقود من النضال.

ومن بين القادة العرب الذين وصموا اتفاقية اوسلو بخيانة القضية الفلسطينية الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد, ولهذا السبب فان الاسد الاب الذي دعم كفاح الشعب الفلسطيني لفترة طويلة , امر بعدم السماح لعرفات بزيارة دمشق تحت اية ظروف كانت.
وبطبيعة الحال لم يكن تدهور العلاقات بين المنظمة وسوريا يروق لحافظ الاسد , ولكن اقدام عرفات وانفراده باتخاذ القرار ادى الى اضعاف جبهة الدول العربية المفاوضة مع اسرائيل ومن بينها سوريا.
فقادة سوريا يعتقدون انه يجب مواصلة مفاوضات السلام بين العرب واسرائيل بصورة جماعية من اجل المحافظة على وحدة الموقف العربي في مواجهة اسرائيل.
من جهته فان عرفات شعر بان الغزو العراقي للكويت قد ادى اضعاف الموقف العربي على الساحة الدولية , لذلك فانه استغل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1992 وبدأ محادثات سرية ومنفصلة مع اسرائيل.
وانتهت هذا المحادثات بعد عام على عقدها بابرام اتفاقية اوسلو في عام 1993 وبالتالي تشكيل سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية.
وحاول ياسر عرفات تلافي خطأه في عام 1995 عندما توفي نجل الرئيس السوري باسل الاسد واستغل هذه الفرصة وذهب الى دمشق للمشاركة في مراسم تشييع جنازة ابن حافظ الاسد.
ومع ان حافظ الاسد كان تحت وقع صدمة الوفاة المفاجئة لابنه الشاب الا انه امتنع عن استقبال عرفات ,  الا ان الاخير استخدم تكتيكاته الخاصة والتقى الاسد وقبل جبهته وبكى بشدة لوفاة نجله باسل.
وطلب كبار المسؤولين السوريين ومن بينهم نائب الرئيس عبد الحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع ووزير الدفاع آنذاك الجنرال مصطفى طلاس الذين كانوا حاضرين في مراسم تشييع الجنازة من حافظ الاسد ان يتغاضى عن اخطاء ياسر عرفات لان تقبيل جبهة الرئيس السوري من قبل ياسر عرفات تعبر عن اعتزازه به وربما طلب الصفح .
وخاطب حافظ الاسد الحضار قائلا : ان المشكلة تكمن في ان عرفات يقبل جبهتي مرة واحدة هنا وعندما يعود الى فلسطين المحتلة يقبل جبهة اسحاق رابين رئيس وزراء اسرائيل ثلاث مرات.
وعلى كل حال فان حديث حافظ الاسد اعتبر مزحة من قبل المحيطين به  ولكن حقيقة الامر توضح ان عرفات يتمتع بنهج سياسي واسلوب دبلوماسي غريب الاطوار.
فمحمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني المشهور ب ياسر عرفات ولد في عام 1929 في مدينة القدس عاصمة فلسطين , وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في الاراضي الفلسطيني المحتلة وفي عام 1948 ومع تاسيس الكيان الصهيوني شارك عرفات في الحرب ضد قوات الاستعمار الانجليزي.
وبعد احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية توجه عرفات الى مصر والتحق بجامعة القاهرة في فرع الهندسة المعمارية, وبعد انقلاب الضباط الاحرار في مصر عام 1953 بقيادة جمال عبد الناصر والجنرال محمد نجيب , انتخب عرفات رئيسا لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في مصر.
وبعد تخرجه من الجامعة غادر عرفات الى الكويت , وفي عام 1958 اسس مع عدد من رفاقه المقربين النواة الاولى لحركة فتح.
وفي عام 1964 انضم عرفات الى منظمة التحرير الفلسطينية التي اسسها احمد شقير باشراف مصر.
ومن ذلك التاريخ توثقت علاقة عرفات مع الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر , خارج اطر منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد هزيمة الدول العربية في حرب حزيران 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وسيناء والجولان , وامتداد الصراع العربي الاسرائيلي , سعى عرفات الى تقديم نفسه في المنطقة والعالم على انه المدافع الحقيقي عن حقوق الشعب الفلسطيني.
واشرف عرفات في عام 1968 على معركة الكرامة ضد الجيش الصهيوني والتي ادت الى تعزيز مكانة عرفات عسكريا وسياسيا.
وبعد المجازر التي نفذها الملك حسين ملك الاردن السابق ضد الفلسطينيين في ايلول الاسود عام 1970 , نقل القائد الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية تنظيماته من الاردن الى لبنان.
وبموازاة النشاطات الفدائية مارس عرفات نشاطاته السياسية , ففي عام 1974 ذهب عرفات الى الامم المتحدة بنيويورك حاملا معه غصن زيتون في حركة رمزية وشرح مواقفه بشان القضية الفلسطينية.
وبينما كان عرفات يلوح غصن الزيتون الذي هو رمز للسلام والصداقة للحضور , خاطب ممثلي الدول الخمس الكبرى التي تمتلك حق النقض / الفيتو/ قائلا " لا تسمحوا بان يسقط غصن الزيتون من يدي على الارض لان الحرب والسلام تبدأ من ارض فلسطين.
ونضال عرفات الذي امتد لفترة تقرب من خمسة عقود ذات بعدين اسلامي ووطني , فعندما كان طالبا بجامعة القاهرة ارتبط مع تنظيم الاخوان المسلمين في مصر واستفاد بقدر كاف من لغة الجهاد الاسلامي.
فكثيرا ما يستند عرفات في خطبه النارية الى الآيات القرآنية والاحاديث النبوية ولهذا السبب فانه نجح في جذب الجماعات الفلسطينية الاسلامية.
وفي موازاة ذلك لم يخرح عرفات عن بعده القومي وكان يعرف نفسه بانها الجندي المضحي من اجل فلسطين , وربما لهذا الاسلوب في التصرف والكلام ادى الى ان يكسب عرفات على مدة اربعة عقود قاعدة شعبية واسعة بين الفلسطينيين والعرب.
فقد نجح خلال العقود الاربعة الماضية ان يجمع جميع الفصائل الفلسطينية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار تحت مظلة منظمة التحرير الفسلطينية.
ان براعة عرفات في خطابه السياسي هي قدرته الفائقة في الاقناع بحيث يستطيع ان يقنع الطرف المقابل في اقل مدة ممكنة.
فهو استغل نظرية "الاستفادة من التناقضات الاقليمية والدولية" في سياسته الاقليمية والدولية مثل باقي المناضلين لصالح القضية الفلسطينية.
ان شخصية عرفات وكلامه النافذ بين مختلف الفصائل الفلسطينية ادى الى ان لا تنافسه اية شخصية فلسطينية اخرى.
فعملية الاغتيال المشبوهة لصلاح خلف "ابو اياد" وخليل الوزير "ابو جهاد" من قبل الكيان الصهيوني , ساهمت في نشر شائعات تشير الى ان عرفات يجعل منافسيه الفلسطينيين فريسة بشكل غيرمباشر لجهاز الموساد الاسرائيلي. 
وادى هذا الموضوع الى ان ينتهج عرفات بعد عودته الى الاراضي المحتلة في عام 1994 سياسة الحزب الواحد.
فعندما اصبح محمود عباس "ابو مازن" رئيسا للوزراء في سلطة الحكم الذاتي حاول ان ينتهج سياسة مستقلة عن عرفات , الا ان عرفات ارغمه بعد 120 يوما على تقديم استقالته من منصب رئيس الوزراء.
ويعتقد العديد من المحللين ان طرد عرفات من بيروت في عام 1982 نهاية لحياته السياسية ولكن احتفظ بقدرته الفائقة في التاهيل السياسي.
وفي الوقت الراهن الذي يعاني فيه عرفات البالغ من العمر 75 عاما من مرض عضال وسافر من اجل العلاج الى باريس , فان هناك اعتقاد ان مرض عرفات هو مرض سياسي ليتمكن من الخلاص من السجن الذي اوجده له ارييل شارون في رام الله في ديسمبر 2001.
ولكن حاليا فان هذا السؤال يطرح نفسها وهو اذا توفى عرفات فمن هو خليفته , وبالتاكيد فان وفاة عرفات ستشكل فراغا كبيرا في نضال الشعب الفلسطيني.
وربما لهذا السبب فان ارييل شارون رئيس وزراء الكيان الصهيوني اتخذ قراره سريعا بسحب قواته من قطاع غزة.
وهناك مخاوف في الوقت الحاضر من ان يؤدي موت عرفات الى احتمال نشوب صراع بين القوى الفلسطينية المناضلة, كما ان المواجهة بين الجيلين الاول والثاني في فلسطين لاقصاء احدهما للآخر ربما تتفاقم بعد وفاة عرفات.
فالمراقبون السياسيون يشيرون الى محمود عباس "ابو مازن" واحمد قريع رئيس الوزراء الحالي ومحمد دحلان وزير الامن الوطني السابق وهاني الحسن وزير الداخلية السابق وفاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارهم المرشحين لخلافة عرفات.
وعلى كل حال وفي ضوء فراغ القيادة في فلسطين فان احتمال وفاة عرفات من الممكن ان يترك ارثا مشؤوما للفلسطينيين , وهذا الارث المشؤوم لن يكون سوى نزاع داخلي بين الفلسطينيين./انتهى/
                             حسن هاني زاده - خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء







رمز الخبر 125710

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha