مهدي ذوالفقاري- تصدر خبر اسقاط مقاتلة سوخوي روسية يوم 24 نوفمبر الماضي من قبل مقاتلة تركية من طراز اف 16 , وسائل الاعلام العالمية, فطائرة السوخوي الروسية اسقطت اثناء عودتها الى قاعدة حيميميم قرب اللاذقية , من مهمتها في تدمير مواقع الارهابيين في سوريا بواسطة صاروخ جو اطلقته المقاتلة التركية , وهذا هو الحادث الاول منذ اكثر من 50 عاما تسقط فيه مقاتلة روسية من قبل دولة عضو في حلف الناتو , وبررت تركيا هذا العمل بان الطائرة الروسية انتهكت مجالها الجوي , وهو ما رفضته روسيا حتى ان البنتاغون ايد ان المقاتلة الروسية كانت عدة ثوان في الاجوءا التركية.
واستنادا الى القوانين والانظمة الدولية , فان انتهاك المجال الجوي يعتبر اجراء غير مقبول , ولكن على فرض صحة ادعاء تركيا , فانه لا يوجد مبرر لاسقاط طائرة حربية لدولة تحارب الارهابيين , كما ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان امتنع عن تقديم اعتذار رسمي الى موسكو لحد الآن.
وبما ان الاجراءات المبرمجة على الصعيد الدولي تنفذ في سياق تحقيق المصالح الوطنية لاي دولة , فانه لا يمكن اعتبار هذا الحادث تم بدون تخطيط مسبق , وفيما يلي نشير الى بعض الملاحظات في هذا الشأن.
فمقاتلة سوخوي صممت لعمليات القصف الذكي , لذا فانها لا تتمتع بقدرة مناورة وسرعة عالية , في حين ان طائرة اف 16 الاميركية الصنع مصممة لعمليات تهاجمية وللاعتراض الجوي , و قائد طائرة اف 16 مع علمه بهذا الفارق في المهام , قام باستهداف الطائرة الحربية الروسية , ولا يمكن تصور ذلك بدون التنسيق مع برج المراقبة وكبار المسؤولين العسكريين الاتراك.
علما ان روسيا ومنذ 30 سبتمبر العام الجاري وفي اطار قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3314 عام 1974 قامت بتنفيذ غارات جوية على مواقع الارهابيين في سوريا استجابة لطلب الحكومة السورية القانونية , مما ادى الى افشال العديد من المخططات التركية في سوريا , لذا يبدو ان انقرة قامت بهذا الاجراء بالاعتماد على تأييد حلف الناتو وحلفائها الاقليميين للرد على الانتصارات التي حققتها روسيا في تدمير مواقع الجماعات الارهابية في سوريا , والتي عززت من شوكة روسيا العسكرية منذ حملتها على جورجيا واستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا , الى استقلال شبه جزيرة القرم وضمها الى الاراضي الروسية وكذلك دور موسكو في ازمة شرق اوكرانيا.
وانقرة ليس حسب العديد من المراقبين فحسب وانما استنادا الى محاكمة رئيس تحرير صحيفة جمهوريت باتهام الكشف عن اسرار مصنفة حول نقل الاسلحة من قبل جهاز الاستخبارات التركية الى الارهابيين في سوريا , فانها راهنت كثيرا على تنظيم داعش لتحقيق اهداف متعددة منها قمع الاكراد , وهذا المخطط ما احبطته روسيا.
من جهة اخرى ادعت تركيا في الاسابيع الماضية ان الطائرات الروسية قصفت مواقع التركمان في سوريا عدة مرات , وانها احتجت على ذلك , لانه الاتراك يعتمدون على التركمان باعتبارها احدى الجماعات المناهضة لحكم بشار الاسد لتحقيق هدفهم في الاطاحة بالحكومة السورية , وبالتالي فان احد اهداف انقرة توجيه ضربة موجعة الى روسيا وابطاء سرعة الغارات الجوية الروسية.
اضف الى ذلك فان الغارة الجوية الروسية التي استهدفت المئات من صهاريج النفط السوري المنهوب من قبل الارهابييين وخاصة قرب بلدة الباب في ريف شمال شرق حلب لتهريبه الى خارج البلاد , قد اثار استياء انقرة وغضب التجار الاتراك من موسكو لانه تسبب في تكبد تركيا خسائر مادية جراء عدم الحصول على النفط باسعار زهيدة.
كما ان الهجمات الارهابية التي وقعت بباريس مساء الجمعة 13 نوفمبر وادت الى مقتل 130 شخصا الى جانب اسقاط طائرة الركاب الروسية في صحراء سيناء بعد اقلعها من مطار شرم الشيخ ومقتل اكثر من 200 شخص , قد ادى الى ايجاد ارضية مؤثرة لتقارب مواقف روسيا والغرب وخاصة فرنسا حول قضية مكافحة داعش , الى الحد الذي اصدر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امرا لقواه في البحر المتوسط بالتعاون مع حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي تحركت نحو البحر المتوسط للمشاركة في عمليات محاربة الجماعات الارهابية , حتى ان موسكو اعلنت ان غاراتها الجوية اطلقت عليها اسم فرنسا.
فالتعاون المشترك بين فرنسا وروسيا من شأنه ان يفتح الباب امام الدول الغربية الاخرى التي تدعي مكافحة الارهاب , وان يحول اوهام مثل احياء الامبراطورية العثمانية الى كابوس.
كما ان اجتماعي فيينا 1و 2 مع وجود التقلبات لايمكن ان يتجاهل ارتكاب تركيا مثل هذا الخطأ , فتقارب مواقف المشاركين في اجتماع فيينا 2 حول بقاء الاسد يعتبر تراجعا بالنسبة للغرب والدول الرجعية العربية في الشرق الاوسط والمحور الغربي العبري العربي الذي كان يصر على رحيل الاسد وتشكيل حكومة انتقالية.
وضاعف من مخاوف انقرة تشكيل غرفة القيادة المشتركة من قبل العراق وسوريا وايران وروسيا لمحاربة الجماعات الارهابية.
لذا فان قيام تركيا باسقاط المقاتلة الروسية كان يستهدف التأثير على التقارب بين الشرق والغرب , وحرف الانظار عن قمع الاكراد والاضطرابات في جنوب شرق البلاد حتى بعد انتصار الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية الاخيرة , واستعراض قوتها على الصعيدين الداخلي والخارجي , وتحقيق اهدافها في سوريا.
وكان اهم عامل في اقدام تركيا على خوض هذا المسار المليء بالمخاطر , هو اعتمادها على قدة الردع لحلف الناتو , ودعمه انقرة باعتبارها عضوا في الحلف , لكن هذا الاجراء الخطير لم يجلب لانقرة سوى عقد اجتماع طارئ وبعض التصريحات التي اطلقها عدد من اعضاء الناتو./انتهى/
تعليقك