سيامك صديقي ومحمد مظهري- مع العثور على هيكل عظمي لامرأة يعود تاريخه الى سبعة آلاف عام خلال الحفريات في حي مولوي (جنوب طهران) , تبين ان تاريخ السكن في طهران يعود الى خمسة آلاف عام قبل الميلاد على ادنى تقدير , فكلمة طهران وردت في العديد من كتاب الرحلات على انها قرية صغيرة , ومن بين هؤلاء الرحالة التي ذكروها ناصر خسرو في اواسط القرن الخامس الهجري , والعديد من الرحالة والسياح الاجانب.
ووفقا لتقرير وكالة مهر للأنباء يعتبر السوق (البازار) واحدا من اكثر الرموز المعمارية وبناء المدن في الحضارة الايرانية – الاسلامية , والذي يوصف بانه العمود الفقري والقلب النابض للمدينة , لذا من اجل فهم التحضر في طهران , يجب في البداية دراسة تاريخ تشكيل السوق.
اختار آقا محمد خان قاجار وهو مؤسس الدولة القاجارية في ايران، طهران عاصمة له في عام 1164 هجري شمسي وتوج بالسلطنة في هذه المدينة , ومع اختيار مدينة طهران عاصمة للدولة القاجارية اتسعت المدينة من الناحية السكانية والحضارية , ولكن اولى المؤشرات على التحضر وبناء السوق في طهران يعود الى ما قبل هذه الفترة اي في عهد الدولة الصفوية.
ويذكر بهزاد يعقوبي مؤلف كتاب "مقامات اولاد الائمة في دار الخلافة" لوكالة مهر للأنباء , ان الشاه طهماسب الصفوي كان اول شخص أمر بناء السوق (البازار).
وتجدر الاشارة الى ان الشاه طهماسب الصفوي كان يزور بين الحين والآخر مرقد السيد حمزة (الجد الاعلى للسلالة الصفوية) المدفون بجوار مرقد السيد عبدالعظيم الحسني (ع) في مدينة ري , ومع زيادة زياراته أمر الشاه طهماسب بتشييد ابنية جديدة , حيث تم البدء عام 971 هجري قمري , ببناء 114 برجا (بعدد سور القرآن) في طهران.
وكان السور الذي يحيط بطهران يبلغ طوله ستة آلاف قدم , وتم استخراج ونقل التراب لبناء السور والابراج من منطقتين عرفت بعد ذلك بأسم(جاله ميان) والاخرى باسم (جاله حصار).
وحسب ما يذكره ممثل منظمة الاوقاف في سوق طهران : بقيت من تلك الفترة , اجزاء قليلة من بينها السور الصفوي في جنوب غرب البازار , في سوق ما شاء الله جنب بوابة محمدية.
وبعد اندثار الدولة الصفوية , اصدر نادر شاه افشار (مؤسس الدولة الافشارية في ايران) أمرا تولى بموجبه ابنه رضا قلي حكم طهران عام 1154 هجري قمري.
وفي فترة الدولة الزندية وبسبب الصراع بين كريم خان زند (مؤسس الدولة الزندية في فارس) مع عشيرة قاجار في استرآباد (جرجان) , زاد الاهتمام بطهران , وحسب مؤلف كتاب "مقامات اولاد الائمة في دار الخلافة" , فانه نتيجة لهذه الرحلات والزيارات , تم انشاء محلات عودلاجان , وجاله ميدان واكثر من 10 خانات للقوافل.
ولكن أهم تطور وتوسع في سوق طهران يعود الى مرحلة الدولة القاجارية , وحسبما كتبه صنيع الدولة (من رجال بلاط ناصرالدين شاه القاجاري) , تم بناء تقاطعي السوق الكبير والصغير في عهد فتح علي شاه قاجار , ففي تلك الفترة اتسعت مجموعة السوق من ناحية الشمال الغربي والغرب , بحيث تحولت المسافة بين ارك والمسجد الجامع الى سوق مزدهرة , ونشطت فيها اكثر واهم الاسواق.
ويقول يعقوبي لمراسلي وكالة مهر للأنباء : حدث اهم تحول في السوق بين عامي 1176 و1213 هجري شمسي , فتم بناء تقاطع السوق الكبير في عام 1187 وفي العام التالي تقاطع السوق الصغير , مما ادى الى تهيئة الارضية لبناء الاسواق الثانوية.
وفي هذه الايام يعتبر تقاطع السوق الصغير مجرد تقاطع مواصلات , ولكن قسما من التصاميم والقوالب المعمارية مازالت موجودة في تقاطع السوق الكبير.
ومع بناء مسجد سلطاني (شاه) بأمر من فتح علي شاه قاجار , تسارعت وتيرة انتعاش السوق , ويعرق هذا المسجد حاليا بإسم مسجد امام , وتم تسجيله عام 1984 ضمن الآثار الوطنية الايرانية.
كما تم خلال فترة الدولة القاجارية بناء مسجد عقيق ومسجد – مدرسة مروي وصدر في اطار توسعة السوق.
تم بناء مدرسة مروي في عهد فتح علي شاه قاجار بطهران , واليوم يقع في الجهة الشرقية من شارع ناصر خسرو مقابل بناء شمس العمارة في سوق مروي.
وتولى بناء المدرسة , حاج محمد حسين خان مروي من المقربين لبلاط فتح علي شاه قاجار , وحسب ممثل منظمة الاوقاف في سوق طهران: استنادا الى وصية الوقف التي كتبها خان مروي , فان الذي بامكانه تولي مسؤولية المدرسة يجب ان يكون مجتهد دار الخلافة , وبعد انتصار الثورة الاسلامية اسندت الى المرحوم آية الله مهدي كني بمرسوم من قبل الامام الخميني (قدس) , وبعد وفاة آية الله مهدوي كني , اسندت الى آية الله كركاني , بمرسوم من قبل قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي.
وتم تشييد مجموعة من الاسواق الثانوية والممرات المغطاة في سوق طهران (البازار) وكل منها مختص بفئة معينة من المهن والكسبة.
ويقول يعقوبي في حديثه لوكالة مهر للأنباء حول اقدم اسواق طهران : ان تقاطع سوق "لبافها" , و"صانعي الصنادل" و"المشاعل" و"حدوة الحصان" , تعتبر من اقدم مناطق سوق طهران , ومن الاسواق القديمة يمكن الاشارة الى بازار "جهل تن", تقاطع السوق و وبازار عباس آقا , وسوق صانعي الاحذية , وسوق امير , وسوق ميرزا عباس , وسوق الصفارين وسوق الحدادين.
وحول عدد المحال التجارية في السوق يقول يعقوبي : ان اكثر المحال التجارية كان يملكها ناصر الدين شاه وبلغت 92 محلا , ومن ثم يأتي دوستعلي خان معير الممالك.
وفي الوقت الحاضر لا يوجد احد يسكن في محلة السوق , باستثناء قلة من الاشخاص في جنوب غرب وشرق السوق , ولكن تعداد الذين يترددون يوميا على السوق الذي تبلغ مساحته 112 هكتارا , مثير للدهشة , ويقول ممثل منظمة الاوقاف في هذا المجال : ان السوق يستضيف يوميا مليون ونصف المليون شخص , وهذا العدد يزيد في ليلة العيد /نوروز/ ويصل الى 5 ملايين و600 الف شخص.
لكن السوق (البازار) كان في الماضي مكانا لسكنى ايضا , وكان العديد من الكسبة والتجار يسكنون في هذه المحلة , ويشير يعقوبي الى اول احصاء جرى في سوق طهران ويقول : هذا الاحصاء جرى بجهود ميرزا حسين قلي نظام مافي في عام 1269 هجري قمري (1231 هجري شمسي) , واستنادا الى هذا الاحصاء فان عدد السكان في السوق بلغ 26 الف و674 شخصا , منهم 9550 رجلا و1045 امرأة و3851 طفلا و3228 ناشئا , ومن بين الرجال كان هناك 7184 كاسبا.
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام في هذا الاحصاء ان السوق كان يضم 65 خانا و2333 محلا تجاريا , واستنادا الى تعداد التوصيلات الكهربائية في الوقت الحاضر فان عدد المحلات التجارية بلغ اكثر من 60 الف وحدة تجارية.
كما يضم السوق 2625 منزلا , و27 حماما عاما و25 مسجدا ومدرسة و14 تكية دينية و9 حدائق و37 موقفا.
وواحدة من اقدم الحمامات الباقية في السوق , حمام حاج قاسم , حيث يقول يعقوبي بشأنه : ان احد مميزات هذا الحمام هو الطريق السري الذي انشئ في العهد القاجاري ويمتد من محل اقامة الحريم في قصر ناصرالدين شاه الى الحمام , وتم اكتشاف هذا الطريق تحت الارض عام 2004 اثناء تبليط السوق.
وفي اثناء فترة الثورة الدستورية حتى اندثار الدولة القاجارية , كان سوق طهران يعتبر اكبر اسواق البلاد , والمكان الرئيسي للحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العاصمة , وفقط بعد بدء مرحلة تحديث المدن (عهد رضا خان) بدأت الفئة المرفهة والمتوسطة بترك سوق طهران المسقف والانتقال الى المحلات الحديثة.
ويقول مؤلف كتاب "مقامات اولاد الائمة دار الخلافة" حول هذه التغييرات في عهد بهلوي : من عام 1925 وحتى عام 1941 تعرض السوق الى الفوضى , فقد طرح رضا شاه موضوع التجديد والتحديث , وأمر بهدم اجزاء من السوق , كما هدم السور الصفوي في تلك الفترة.
واضاف : ان احد اهم الفترات المهمة في السوق يعود الى عام 1941 حيث شهد تحولا جادا , ففي هذه الفترة انتقل العديد من اثرياء طهران من السوق , وحل بدلا منهم افراد من ذوي الدخل المحدود واكثرهم من العمال.
وحسب ما يذكره يعقوبي في تصريحه لوكالة مهر للأنباء , فان العديد من سكان السوق الاصليين بقوا في السوق , ولكن سوق طهران تحول تدريجيا الى مكان غير صالح للسكن , ولو انه مازال يسكن فيه قلة من الغرباء , الا ان هذا السوق البالغ مساحته 112 هكتار يبقي خاليا من السكان في الليل./انتهى/
تعليقك