أوضح المحلل الاستراتيجي اللبناني محمد خواجه في حديث له لوكالة مهر للأنباء حول الهجمات الارهابية الأخيرة في أوروبا إنها ليست المرة التي يستهدف فيها الغرب من قوى تدعي إن لها مشروع إسلامي على مستوى العالم ككل مشيراً إلى إن ما يسمى بخلافة البغدادي "تنظيم داعش" الإرهابي تعتبر الوصول إلى قلب أوروبا وحتى إلى الفاتيكيان الذي يمثل المركز الأول لقلب المسيحية في العالم أحد أهدافها المعلنة مضيفاً إن هناك أسباب الجوهرية أخرى.
ورأى خواجه إن الأسباب المباشرة لداعش في هذه الهجمات هي محاسبة ما يسمى التحالف الدول المؤلف من 60 دول تشمل أغلبها الدول الأوروبية والتي قامت بعدد من الضربات الجوية في الميدان العراقي أو الميدان السوري، لافتاً إلى إن داعش كانت قد وجهت أكثر من تهديد لاوروبا، ولاسيما إنها تعتبر إنها يمكن أن تشد عصب المسلمين المنتشرين في الدول الاوروبية وكذلك عصب المسلمين الموجودين في العالم الاسلامي ذاته.
ونوه المحلل الاستراتيجي إن داعش تستهدف من وراء هذا العمل أولاً إرهاب الدول الغربية وتقليب الرأي العام على حكوماتها لأنها تساهم في الحملات الجوية ضد داعش، وثانياً شد عصب المسلمين لاستقبال المزيد من المجندين لافتاً إلى إن الأعوام الخمسة الماضية شهدت التحاق عشرات الآلاف ممن قدموا من الغرب وتحديداً من اوروبا إلى صفوف الإرهاب في العراق وبنسبة أكبر في سوريا.
واعتبر خواجه إن سياسة حكومات الغرب الذي تهدده داعش هي نفسها مارست سياسات تآمرية وتواطئية، موضحاً إن هذه السياسات سمحت لتلك الجماعات الإرهابية بالذهاب تحديداً لسوريا ظناً منها إن سوف تتخلص من تلك الجماعات من جهة وتخدم مصالحها في الحرب على سوريا عتبرةً إياها قوة أساسية لاسقاط النظام في دمشق.
وتابع المحلل الاستراتيجي اللبناني تعليقاً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول عدم نجاح الحكومات الأوروبية في مكافحة الارهاب داخل بلادها، ان مايسمى بعملية الإرهاب هي عملية معقدة للغاية وليس كافياً اتخاذ مجموعة من الاجراءات العسكرية والامنية للجم هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد اليوم الأمن العالمي، موضحاً إن الحكومات الغربية تعاملت مع هذه الظاهرة تحت مسمى الاستثمار ظناً منها إنه يمكن السيطرة عليها وتوجيهها إلى حيث تريد.
وأشار خواجه إن عشرات الآلاف الذين قدموا من الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط للمشاركة في اسقاط النظم القائمة من ليبيا إلى سوريا كانت تتحرك تحت أنظار الاستخبارات الغربية التي كانت تغض النظر عنها وعن حركتها ظناً منها إنها يمكن أن تستثمر ما تفعله في بعض المناطق والدول التي تعتبرها الدول الغربية غير متتطابقة مع سياسياتها ، منوهاً إلى إن هذا الأمر أساسي في تفسير ما يحصل اليوم في الغرب من عمليات إرهابية.
وتطرق المحلل الاستراتيجي إلى الجانب الآخر من انضمام الشباب الى "داعش" معتبراً إن هذا الأمر يجب مناقشته بعيداً عن الجانب العسكري وضمن الجانب الاجتماعي والنفسي والسيكولوجي السائد في أوروبا، موضحاً إن جماعات من الشباب المسلم تعتبر أنفسها مهمشة وناقمة على النظم القائمة العداء، مبيناً إن هذه الجماعات تدفقت باتجاه اوروبا خلال العقود الماضية بدعم من المليارات النفطية لإقامة جمعيات تحت مسميات دينية وإقامة المساجد لبث نوع من الفكر، ليس خافياً على أحد إن هذا الفكر الذي صدر إلى أوروبا وتغلغل بين صفوف الشباب يدعو إلى كراهية الآخر ورفع السيف بوجهه.
وأوضح خواجه في رد على سؤال مراسل مهر للأنباء حول عدم اتخاذ اوروبا لإجراءات جادة لمكافحة الإرهاب رغم أحداث باريس، بإن هناك حالة من الإرباك تقع فيها الحكومات الأوروبية ولاسيما الحكومة الفرنسية التي تعرضت بلادها لضربات عديدة من الجماعات المتطرفة،فالسياسة العامة للحكومة الفرنسية تتعاطى مع المنطقة بالكثير من الازدواجية فمن جهة تريد إبعاد خطر هذه الجماعات لكنها لاتريد القضاء النهائي عليها لأنها تراهن إن خصومها في المنطقة وتحديداً محور الممانعة الممتد من طهران إلى البحر المتوسط في فلسطين ولبنان متضررين من هذه الجماعات، معتبرةً إياهم وسيلة لإلحاق الأذية بهم.
وأشار المحلل الاستراتيجي إلى إن هناك شيء من الجدية إن صح التعبير أكثر من السابق يظهر في حركة ما يسمى بالتحالف الدولي في المنطقة وهو الذي أنشأ في مطلع صيف 2014 وخاض لمدة سنة ونصف ضربات جوية ضد تنظيم داعش تحديداً لكنها لم تحصد جدوى فعلية عسكرية في هذا الميدان في العراق أو سوريا لافتاً إلى الضربات التي وجهت لهذه الجماعات المتطرفة كانت تزيد من قوتها على الاستقطاب والتجنيد.
وأضاف خواجه إن الدول الغربية والولايات المتحدة لم تظهر حتى الآن الجدية اللازمة لأنها تدرك إن سقوط هذا التنظيم وغيره من المجموعات الإرهابية سيكون انتصاراً للمحور الذي يمتلك سياسات استقلالية مثل ايران وسوريا والمقاومة اللبنانية، مما يمكنه أن يسد الفراغ الذي تتركه هذه المجموعات.
وبين المحلل الاستراتيجي ازدواجية الغرب العسكرية إيضاً ففي سوريا تحديداً كانت الضربات الجوية الامريكية والغربية تستهدف بعض المناطق التي تتواجد فيها هذه المجموعات بعيداً عن خط تماسها بالجيش السوري وإنما على تماس مع مجموعات مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من المجموعات الإرهابية معتبراً دليل ذلك إنهم لايريدون إضعاف هذه المجموعات حيث يوجد الجيش السوري خوفاً من أن يساعد من تمدد أسرع للجيش السوري في أماكن تواجد المجموعات الارهابية.
وأوضح خواجه إن هذا الارتباك في المشهد السياسي يترواح بين الرغبة من الاستفادة من هذه المجموعات الارهابية وتوظيفها لمصالحها وبين الخوف منها، والأكيد في هذه السياسات هو عدم الجدية في مكافحة الجماعات الإرهابية الخطيرة.
ورأى المحلل الاستراتيجي اللبناني تعليقاً على مستقل الإرهاب في الغرب إن خطر هذه الجماعات هو فرضية قائمة في الأمس واليوم وغداً فمادام هذا الفكر الذي ينتج هذه الجماعات موجود ومادام هناك بيئة اقليمية ودولية حاضنة لتلك الجماعات فإنها مستمرة، موضحاً إن من يعتقد إن انحصار التنظيمات الإرهابية في الميدان العراقي والسوري ينفي وجوده في الغرب فهو مخطأ فإنه مع كل حصار ومع كل هزيمة تحصل في سوريا تحديداً وفي العراق ثانياً نجد إن هذه الجماعات تنزح اتجاه ليبيا والمغرب العربي وحتى شمال افريقيا لتثبيت قواعد بديلة لها، معتبرراً إن خطر الإرهابي لن يزول في المدى القريب وبالتالي من ضمن أهداف تلك الجماعات هو الدول الغربية وهذا أمر مفتوح.
وحول كيفية التعامل معها يرى خواجه انه يجب العمل بجدية على المستوى الاقليمي وعلى المستوى العالمي معتبراً النموذج الروسي والايراني واقعي وعملي في محاربة هذه الجماعات، مشيراً إلى ضرورة وضع استراتيجية شاملة متكاملة لاقتلاع هذه الجماعة ليس بالجانب الأمني والعسكري فقط وبل بالبحث الجدي في الظروف الاجتماعية والمناخات الفكرية التي تصدر هذه الجماعات.
واضاف: "أنا اعتقد إن هذه الجماعات ستبقى تهدد الغرب وغير الغرب، مشيراً الى إن الضرر الذي ألحقته الجماعات الإرهابية بشكل رئيسي هو بالمسلمين وبشكل أدق المسلمين السنة قبل الشيعة، هذه الجماعات تعتبر كل من يخالفها الرأي ولا يشبهها فهو عدو إن كان في بلدانها أو في الاقليم أو في آخر العالم".
وعلق خواجه على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول عملية إعادة اللاجئين من أوروبا إن العلميات الإرهابية الأخيرة جعلت الاتحاد الأوربي يتنبه أكثر لعملية وقف تدفق اللاجئين ولاسيما اللاجئين من الشرق الأوسط وتحديداً من سوريا ظناً منه إن هذه الاجراءات التي يتبعها ممكن أن تخفف من احتمالية عمليت جديدة على غرار ما حصل في باريس وبروكسل.
ورأى إن إعادة اللاجئين هو اتفاق ضمني بين الاتحاد الاوروبي وبين تركيا التي تلعب دوراً ازدواجياً في التعاطي مع هذه المجموعات، "ونرى هجرة معاكسة فهناك مهجرون يتم إعادتهم من اليونان إلى تركيا، والضربات التي وجهتها تلك الجماعات الإرهابية أضرت بالمسلمين المتواجدين في اوروبا".
وأشار المحلل الاستراتيجي اللبناني "إننا نشهد اليوم حالة عكسية تجاه العرب والمسلمون، فالاعلام الغربي ينظر إلى المسلمين في الغرب كعدو احتمالي كأن كل مسلم داعش وكل مسلم إرهابي وكل مسلم متطرف"، معتبراً إن الاجراءات التي يتخذها الاتحاد الاوروبي للحد من موجة النزوح سوف تؤثر فالعمليات الارهابية الأخيرة قام بها مسلمون مقيمون منذ سنوات في الغرب وليسوا نتاج الهجرة الجديدة. /انتهى/.
أجرى الحوار: محمد مظهري
تعليقك