وكتب المتخصص في الاقتصاد الايراني زياد ناصر الدّين في مقالة "للميادين نت" حول الاستراتيجيّة الايرانيّة للدفاع الاقتصادي وقال إن الولايات المتحدة الأميركية اعتمدت سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي، خياراً استراتيجياً في صراعها مع إيران ما بعد الثورة، ومنذ عهد كارتر- ريغان عملت الإدارات المتعاقبة في واشنطن على تطوير آليات الحصار والعقوبات الاقتصادية وبنودها وحتى امتداداتها الدولية، ويمكن القول بأن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد نشطت على هذا الصعيد أكثر من أية إدارة سابقة، فابتكرت أشكالاً جديدة من العقوبات وأساليب الحصار واستخدمتها كبديل “مريح” عن المواجهة العسكرية المباشرة وتكاليفها الباهظة.من جهتها سعت إيران إلى مواجهة هذه السياسة بخطط وبرامج اقتصادية وطنية، وبشبكة علاقات دولية بديلة، مستفيدة من موقعها الجغرافي وثروتها النفطية ومن إمكانيات مواطنيها في كافة المجالات، خاصة تلك المرتبطة بشكل مباشر بالقطاعات المستهدفة بالعقوبات والحصار.وواجه الاقتصاد الإيرانيّ الذي صُنِّف عام 2010 كثالثَ أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، والتاسع والعشرين في العالم بحجم أعمال بلغ 337.9 مليار دولار، العقوبات، بسلسلة تدابير وإجراءات لحماية صادراته النفطية والاستفادة من عائداتها المالية، في بلد يشكّل النفط والغاز ما نسبته 80% من صادراته ويحقّق ما نسبته 60% من دخله.ومن المهم الإشارة في هذا المجال إلى أن إيران التي تمتلك 10% من احتياطيّ النفط المؤكّد في العالم، و15% من الاحتياطيّ العالميّ من الغاز الطبيعيّ، تعتبر واحدة من الدول الزاخرة بالإمكانات الطبيعيّة والثروات الضخمة من الموادّ الأوّلية، غير المستثمرة أو المستنفذة.
تاريخ العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية في إيران
فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على الجمهورية الإسلامية في إيران منذ انتصار الثورة عام 1979وحتى يومنا هذا، وتنوّعت حزم العقوبات وتعدّدت أشكالها ومجالاتها، بحيث حفل سجلها الزمني بلائحة طويلة من القرارات أهمها:عام 1979 وعقب اقتحام الطلاب الإيرانيين سفارة الولايات المتحدة في طهران، منعت دخول الصادرات الإيرانية إلى أميركا باستثناء الهدايا الصغيرة ومواد المعلومات والأغذية وبعض أنواع السجّاد وقد بقيت هذه الحزمة من العقوبات مستمرة إلى عامنا الحالي.1.عام 1995 وفي ظل تنامي قدرات إيران وسعيها لدخول عالم الدول التي تمتلك الدورة النووية الكاملة، أصدر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أوامر تنفيذية تمنع الشركات الأميركية من الاستثمار في النفط والغاز والتجارة في إيران.2.عام 2007 فرضت واشنطن عقوبات أحادية على ثلاثة بنوك إيرانية، منها ما هو حكومي (بنك صادرات، بنك ملة إيران) ومنها ما هو قطاع خاص «بنك سباه» ووضعتها على اللائحة السوداء، ولأسباب سياسية، كشكل من أشكال الضغط الاقتصادي على حكومة الرئيس أحمدي نجاد في محاولة لعزلها دولياً.3.عام 2011 وصفت واشنطن إيران بأنها "منطقة رئيسية لغسل الأموال"، في خطوة كان الهدف منها حث البنوك غير الأميركية على عدم التعامل مع إيران، لأسباب منها أيضاً ما يتعلق بتقييد دعمها لحركات المقاومة في المنطقة.
عقوبات الأمم المتحدة على إيران
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الأحادية من جانبها، أو الثنائية بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى تسلحها بقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة لتمرير مزيد من العقوبات في محطات أخرى.
التأثيرات السلبية على الاقتصاد الإيراني
كان للعقوبات المفروضة على إيران تاثيرات سلبية في بداياتها منها:
1. ارتباك كبير في أسلوب "إدارة أزمة العقوبات" وسوء تقدير لكيفية التعاطي مع هذه الأنواع من العقوبات في السنة الأولى للحصار.2. ارتفاع كبير في معدلات التضخم وصل إلى 50% (التضخم هو ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب وقلة الإنتاج والعرض) مما أدى إلى ارتفاع سريع لأسعار المواد الأساسية والاستهلاكية بنسبة 40% بسبب قلة العرض وكثرة الطلب لا سيما من عام 2012 إلى منتصف عام2013.3. ارتفاع نسبة البطالة إلى 15% بسبب الحصار والعقوبات على النفط ومنع الاستثمارات في مجالي صناعة النفط والبتروكيمايات.4. ارتفاع سعر الخبز في المرحلة الأولى للحصار.5. منع إيران من الحصول على احتياطيات النقد الأجنبي الذي تحتاجه لدعم عملتها (العائدات النفطية).6. تراجع إنتاج السيارات في السنة الأولى من الحصار بعد انسحاب شركة بيجو من الأسواق الإيرانية.
مراحل مواجهة العقوبات:
بدأت خطوات الترابط بين الأبعاد السياسية والاقتصادية للمواجهة المباشرة مع تأثيرات العقوبات والحصار، باعتماد خطين(اقتصادي وسياسي) متوازيين لإبطال الجدوى السياسية لهذا الحصار وامتصاص الصدمة الهائلة اقتصادياً، ومن ثم الانتقال إلى المواجهة المباشرة على جبهتين، داخلية وخارجية :
المرحلة الأولى في مواجهة العقوبات الاستثمارية والتجارية:
سعت إيران إلى اعتماد سياسة اقتصادية قائمة على المواجهة الطويلة مع العقوبات المفروضة عليها فعلى صعيد مواجهة العقوبات الاستثمارية والتجارية قامت إيران بالخطوات التالية :
1. الحرمان من الاستيراد والتصدير: ساعد على حماية الإنتاج الصناعي والزراعي الوطني من دون الحاجة لفرض رسوم جمركية بفضل العقوبات، كما عمل الإيرانيون على رفع قيمة ونوعية إنتاجهم من خلال نشر ثقافة التوعية الاقتصادية الإنتاجية.
2. تقليص المعروض من السلع الأجنية في الأسواق الداخلية: ساعد على زيادة الثقة بالمنتجات الصناعية الإيرانية وزيادة الطلب عليها، وخلق فرص عمل ساعدت على خفض معدل البطالة من 15% إلى 10% خلال سنوات الحصار.
3. وقف المبادلات التجارجية وإضعاف حركة القطاعات الأساسية: هذا القرار لم يأخذ بالحسبان الموقع الجفرافي لإيران وامتلاك إيران المقومات الأساسية للصناعة من مواد أولية ويد عاملة إنتاجية ومخططات وطنية استطاعت تلبية حاجات الأسواق والانطلاق بفائض إنتاجها إلى الأسواق الآسيوية التي تحدها جغرافيا مثل : دول بحر قزوين، ولاحقاً أبعد من ذلك وصولاً إلى أسواق كل من روسيا والصين.
4. منع الاستثمارات في مجالي البتركيماويات: وهدف إلى تقليص فرص العمل ورفع معدلات البطالة، وعزل إيران عن النشاط التجاري الدولي في هذا المجال وتشجيع روؤس الأموال الإيرانية على الهجرة.
5. ولم يكن مفعول هذا البند بحسب توقعات واضعيه، لا على صعيد التجار ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الإيرانيين، إذ سرعان ما قامت الدولة بتقديم تسهيلات استثمارية لمواطنيها، سواء على صعيد دعم المواد الأولية لتلبية حاجة السوق الداخلي الكبير لها، أو على صعيد تنظيم حملات لرفع مستوى الثقة بها والتأكيد تمتعها بجودة عالية، كما ساهمت حاجة الأسواق المجاورة لهذه المنتجات، علماً أن الأسواق يبلغ عدد سكانها ما يقارب 350 مليون نسمة الأمر الذي ساعد إيران على الحد من الخسائر في هذا القطاع والمحافظة عليه.
6. فرض حصار نفطي وبحري لتقليص إيرادات الدولة من هذه القطاعات : كانت المعالجة الأساسية تعتمد بالدرجة الأولى على تشجيع الاستثمار الداخلي والوطني في مجالات تخزين النفط، لتقليل الخسائر في هذا القطاع بالدرجة الأولى ولمواصلة الإنتاج بكميات مناسبة، مع العلم أن الحصار النفطي على إيران كان قلص تصديرها للنفط من 3.2 مليون برميل نفط إلى 2 مليون برميل نفط ولكن الارتفاع الجنوني لأسعار النفط والذي كان الحصار أحد أسبابه ووصول سعر البرميل إلى 134 دولار تسبّب بمفعول معاكس للحصار وسمح لإيران بـ :
- توقيع اتفاقيات مع دول آسيوية لاستيراد النفط من إيران ولو بسعر أقل من قيمة بيعها الحقيقية وخاصة مع الصين والهند ومما سمح لإيران بالحصول على كتلة نقدية استطاعت من خلالها تقليص فرق صرف العملات الأجنبية وتجميع احتياطي نقدي لها لمرحلة ما بعد الحصار وصل إلى 500 مليار دولار على شكل إيداعات في البنوك، وبحسب تقرير وزارة المالية الإيرانية والمصرف المركزي بداية عام 2016
مواجهة العقوبات المالية
لم تكن العقوبات المالية في حالة مؤثرة بالقدر الذي تكون عليه عادة في حالات دول آخرى، إذ أن سعر النفط المرتفع منذ العام 2005 مكن طهران من تكوين احتياطات نقدية كبيرة ساعدتها على مواصلة برامجها النووية، المستهدفة الأولى بحزمة العقوبات الأميركية والدولية.لم تكن العقوبات المالية في حالة إيران مؤثرة بالقدر الذي تكون عليه عادة في حالات دول آخرى، إذ أن سعر النفط المرتفع منذ العام 2005 مكن طهران من تكوين احتياطات نقدية كبيرة ساعدتها على مواصلة برامجها النووية، المستهدفة الأولى بحزمة العقوبات الأميركية والدولية.
2- كان الانتاج الإيراني من النفط ما يعادل 3.2 مليون برميل نفط يومياً، وبمتوسط اسعار بلغ 100 الدولار للبرميل، ووتم تخفيض الانتاج إلى 2 مليون برميل يومياً، ومع بداية 2011 وخلال عام 2012 بدأ ارتفاع الاسعار الجنوني ولامس سعر البرميل الواحدة عتبة الـ 134 دولار، مما أدى الى تعويض الفارق في الانتاج بالنسبة لإيران بشكل غير مباشر للفرق.
3- ساعد الحصار النفطي على إيران على اعتماد «خطة تخزين» للانتاج النفطي للاستفاده منه في مراحل لاحقة، خاصة اذا ما علمنا أن النفط الإيراني يشكل 10% من الاحتياطي العالمي و15% من احتياط الغاز في العالم .
4- لم تكن طهران «زبوناً دائماً» على أبواب المؤسسات الدولية المانحة للقروض. وبالرغم من أن الدول الصناعية السبع الكبرى منعت البنك الدولي من تقديم أي قروض لإيران، إلا أن الحجم الصغير لهذه القروض جعل الأبعاد السياسية والاقتصادية في أضيق الحدود بحيث لم تتجاوز الدلالات الرمزية لهذا المنع. ومن المفيد في هذا السياق ملاحظة أن طهران لم تتقدم بأية طلبات للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، وحتى الآن اكتسبت إيران سمعة دولية جيدة كبلد مستورد وسوقاً لتصريف المنتجات الصناعية ذات الجودة العالية، وبالتالى فإن منع قروض التصدير عن الشركات الأوروبية الراغبة في التصدير لإيران سوف يمس هذه الشركات أولاً قبل أن يمس إيران.
وقد أدى كل ما تقدم شرحه، الى اصطدام «العقوبات المالية» بمناعة ايرانية عالية في وجهها، ساهم في تصديها ومواجهتها لها، فيما اعتبر الغرب من جهته انه في احسن الاحوال حقق انجاز متساوي لم يؤدي الى تنازل سياسي كبير من إيران.
كما ساهم الموقع الجيوإستراتيجى وكون ايران نقطة حيوية في غالبية مشاريع خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز من دول حوض بحر قزوين والشرق الأوسط إلى أوروبا إلى جانب الدور المحوري الذى يلعبه مضيق هرمز في هذا الصدد عبر تحكمه في نقل أكثر من 40% من مصادر الطاقة العالمية لا سيما من القارة الآسيوية إلى أوروبا، في اضعاف كل خطط ومشاريع الحصار والعقوبات ذات العلاقة بالنسبة للجمهورية الاسلامية في ايران.وتعتبر الأوساط المعنية في الجمهورية الاسلامية في ايران بخطة المواجهة الشاملة للحصار والعقوبات، انها حققت توازناً اقتصادياً وسياسياً مدعوماً بتأييد شعبي ساعدها على الانطلاق بنظرية جديدة قائمة على تجربة حقيقية لا نظرية ومبنية على الاكتفاء الذاتي، ساهمت في زيادة الناتج المحلي، تطوير وتنمية العقول البشرية، تحقيق العدالة الاجتماعية، مكافحة الفساد، الاستقلالية وعدم التبعية الاقتصادية الاستهلاكية، عدم ربط الاقتصاد بالنفط، الاستقرار السياسي والموقع الاستراتيجي، وكان الانجاز الاساسي والأهم لها، هو التوازن الاقتصادي في الاتفاقيات مع الغرب، وعرفت هذه الخطة الشاملة لاحقاً بنظرية «الاقتصاد المقاوم»./انتهی/
تعليقك