وكالة مهر للأنباء_ سيامك صديقي: تزحف مدينة طهران نحو البساتين المحيطة بها لتحول الأشجار إلى أبنية اسمنتية هنا وهناك، يبقى صوت الطبيعة وحيداً مقاوماً ضد هذا التوسع المعماري، تختال بین حنايه مطاعم ومقاهي تمتلأ في أيام العطل، يشوب أكثرها دخان السجائر والنرجيلة إلا إن هذا الغزو لم يصل إلى منطقة "طرشت" إحدى أقدم المناطق في العاصمة.
يعود تاريخ مقهى"نرجيلة" في "طرشت" إلى 150 عاماً فهو عرزال الأحبة وملقى السهَارى منذ عهود تحفظ جدرانه ذكريات أجيال مضت تنعكس في ابتسامات زواره، على رفوفه تستند جرار الفخار القديم تعيد من جعبة الأغاني رباعية الخيام:
هلم حبيبي نترك الهم في غدو ونغتنم قصير العمر قبل فوات
سنزمع عن ذي الدار رحلتنا غداً بسبعة آلاف من السّنوات
مقهى "نرجيلة" بدون نرجيلة يشير إلى ملامح كثيرة من الثقافة الايرانية
تمتلأ مدينة طهران وضواحيها بالمقاهي الشعبية التي تزداد سنوياً ليتخطى عددها الآلاف إلا إنها لم تستطع أن تلغي زهوة الاماكن القديمة ولو امتازت عنها في العصرية، فمقهى "نرجيلة" في "طرشت" يعتبر أحد أقدم المقاهي في طهران ولازال يحافظ على شعبيته بين جميع الأجيال على الرغم من عدم تقديمه للأركيلة.
هذا التناقض بين الاسم والفعل لمقهى "نرجيلة" بدون نرجيلة يشير إلى ملامح كثيرة من الثقافة الايرانية التي تستخدم هذا التناقض اللفظي والمعنوي في بعض الأحيان كما في قصة "رستم بن زال" في أساطير الشاهنامة.
يقول صاحب مقهى "طرشت" حسينعلي حدادي (80 عاماً) إنه ورث المقهى عن أبيه وعمل فيه منذ كان في السابعة من عمره، كان أبوه صاحب طاحونة طرشت واشترى المقهى من أصحابه السابقين عندها.
أمضى حسينعلي حدادي ليالي عمره في هذا المقهى، شتاءات وليالي صيفية بين الزبائن، والشرط الوحيد لدخول المقهى عدم التدخين.
في شهر رمضان يقدم المقهى برامجاً خاصة أهمها "الحكواتي" الذي يروي القصص والأساطير كان مقهى "نرجيلة" في بدايته مجلساً لأهل منطقة "طرشت"، مع مرور الزمن اتسعت جدرانه الخشبية لتضم الزوار وعابري الطريق، فتظلل بأشجار بستانه المحيط المارة.
كأغلب المقاهي القديمة كانت تحتفل قهوة "نرجيلة" بشهر رمضان فتقدم برامجاً خاصة أهمها "الحكواتي" المعروف بالفارسية "نقالي خانه" كان الحكواتي يروي قصص الأساطير الفارسية القديمة وحكايا الأجداد ليمتع السهارى ويخفف عنهم الليل الطويل.
مع بداية ظهور التلفاز اقتنى الحاج حسينعلي حدادي تلفازاً ووضعه في المقهى مواكباً العصر الجديد إلا إنه حافظ على تقاليد المقهى الخاص ليحافظ على اسمه القديم فكان بذلك عرزالاً لكثير من الوجوه الثقافية في ايران على مرور السنوات.
يرغب مهدي ابن الحاج حسينعلي بإعادة ثقافة الحكواتي إلى المقهى، معتبراً إن الميراث الفكري الذي ابتعد عنه الشباب يحتاج إلى تقريب وتحديث عن طريق إحيائه.
يدرس مهدي الإخراج السينمائي ويرغب في توثيق المقاهي الشعبية عن طريق فيلم وثائقي، ويرسم أحلاماً مختلفة تعيد لمقهى "نرجيلة" لونها الأبيض والأسود بشكل معاصر.
مايجذب زائر قهوة "نرجيلة" هو الهدوء الطبيعي والابتعاد عن الاجهزة الالكترونية، فقلما ترى الزوار يمعنون النظر بأجهزتهم الخلوية، فهذا المكان يأخذك إلى حيث تنسى العالم الافتراضي.
هموم المجتمع والشارع الثقافي الايراني موضوع كل المجالس، هنا بعيداً عن الدخان يمكن الانطلاق نحو حلول أفضل بأجواء صحية. /انتهى/
ترجمة: ديانا محمود
اقرأ التقرير باللغة الفارسية
تعليقك