وكالة مهر للأنباء - ديانا محمود : لم تكن ايران على مدى التاريخ بمعزل عن واقعها الجغرافي المجاور للاتحاد السوفيتي سابقاً ولا بمعزل عن تاريخ القرن العشرين كبقية أقطار المنطقة حيث ظهرت الأحزاب اليسارية وتنظيماتها المختلفة في ايران وكان لها عصرها الزاهر كما وتنوعت في مطالبها بين العالمية والمحلية إلا إن هذه التنظيمات وقفت على حدود الثقافة المحلية .
انتشرت فی الأدبيات السياسية في ايران خلال عامي 1963 – 1979 مصطلاحات جديدة كالثورة والشهادة والإيثار ومناهضة الديكتاتورية والامامة والاشتراكية والحزب وطبقات المجتمع وغيرها من المفاهيم الجديدة التي انتقلت من الأوساط العالمية إلى الأوساط الداخلية.
في هذه الاجواء حاول بعض المفكرين الايرانيين كالدكتور علي شريعتي ومحمود طالقاني وحبيب بيمان تقديم شروح جديدة تظهر انطباق الدين على بعض هذه المفاهيم دون الوقوف على استيراد النصوص من الآخر وترجمتها فقط، الأمر الطبيعي المتوقع من المجتمع الايراني المحافظ على دينه وتقاليده والحذر في تقبل كل جديد.
اليسار الاسلامي:
ظهر اليسار الاسلامي قبالة اليسار التقليدي في عدد من الدول الاسلامية وكان منها ايران، يعتقد البعض إن التيار اليساري الاسلامي في ايران ظهر بعد انتصار الثورة الاسلامية فيما يرى الكثير من المفكرين إن هذا الفكر ظهر كعنصر جديد يحمل الفكر الثوري بروح اسلامية وانخرط في صفوف الثورة الاسلامية التي انتصرت عام 1979 ليعود ويظهر في إطار تيار سياسي له دوره في الجمهورية الاسلامية الايرانية.
قاد اليسار الاسلامي الجمهورية الاسلامية في العقد الأول بعد انتصار الثورة وكان له مناصب في السلطات التشريعية الايرانية حيث رفع التيار شعار حماية الطبقات الفقيرة واعتماد نظام الحصص للعمال والطبقات الدنيا، فيما حارب الخصصة التي كان يدعمها التيار المحافظ، کما ووقف اليسار الاسلامي ضد امريكا معتبراً إياها العدو الرئيسي للثورة الاسلامية معارضاً إقامة أي علاقات سياسية معها.
اختلف اليسار الاسلامي في ايران مع التيار اليميني حول انتخاب ولاية الفقيه، معتقدين إن الولي الفقيه يجب أن يكون منتخباً من قبل الناس فأساس الحكومة الاسلامية يقوم على أصوات الناس، فيما يرى المحافظون أن رجال الدين هم ورثة الائمة المعصومين وولاية الفقيه ليست أمراً انتخابياً.
اتسم التيار اليساري بالعمل على تنشيط الأحزاب والتشكيلات السياسية بين أبناء الشعب بمختلف فئاته، فضم على طول خطه الزمني عدداً من التشكيلات التي ازدهرت زمناً وتراجعت زمناً، منها "مجمع رجال الدين المقاتلين" (مجمع روحانيون مبارز)، "مجمع نيروهاي خط امام" (مجمع قوى خط الإمام)، "دفتر تحکیم وحدت" (مکتب تحکیم الوحدة)، "سازمان مجاهدين انقلاب اسلامي" (منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية)، "حزب مشاركت" (حزب المشاركة).
لم يمض التيار الاصلاحي على خط سياسي واحد فالمنهج الذي اتبعته التشكيلات الأولى اختلف بشكل عام عن العقد الثاني وما تلاه، يفسر البعض هذا التحول في التيار الاصلاحي إلى انشقاق بعض الشخصيات المحسوبة على المبدئيين والتحاقها بالمعسكر الاصلاحي من جهة وانهيار الاتحاد السوفيتي وتغيير التكتلات السياسية في العالم.
التيار الاصلاحي في عهد خاتمي:
عام 1997 شهدت الانتخابات الايرانية التي أقيمت في الثاني من خرداد ( 23 أيار 1997) مشاركة واسعة من الشعب الايراني الذي اتجه للصناديق، احتجاجا علی الاوضاع التی سادت البلاد وكان سببها الرئيسي اداء حكومة رفسنجاني في المجالين الاقتصادي والسياسي، ويبدو إن الخطاب الاصلاحي الذي قدمه التيار اليساري ووعوده الاجتماعية والاقتصادية دفعت الناس للمشاركة السياسية من جديد. مع هذه الانطلاقة الجديدة ولد التيار الاصلاحي من رحم التيار اليساري الاسلامي لتتضح معالمه حيث تختلف في بعض النقاط مع ميراث التيار اليساري وتتفق معه في نقاط أخرى، وأشهر معالم هذه المرحلة:
السياسية:
في السنوات الأخيرة لحكومة هاشمي رفسنجاني 1989 -1997 شن الغرب وامريكا حملةً على النظام في الجمهورية الاسلامية تحت ذريعة اتهام باغتيال شخصيات كردية في المانيا، مما زاد حدة التوتر الاقليمية والعالمية تجاه الجمهورية الاسلامية إلا إن وصول الاصلاحيين للسلطة غيّر الموازين والاحتمالات، فقد حمل الرئيس الأسبق محمد خاتمي شعار "إزالة التوتر" كدبلوماسية خاصة بحكومتها التي امتدت لمدة 8 سنوات غيرت فيها موقف الاتحاد الاوروبي من ايران، حيث جعلت عدد من الدول الغربية افتتاح سفارتها في ايران لتعود العلاقات بشكل غير متوقع في عدد من المجالات إلا إن هذا التفاؤول نحو الغرب لم يدم طويلاً فمع وصول جورج بوش الابن للسلطة وتغير السياسة الامريكية نحو الشرق الاوسط ظهر الملف النووي الايراني إلى الساحة العالمية ليعيد مستوى العلاقات إلى نقطة الصفر كما كانت في بداية استلام خاتمي.
ما يميز سياسة الاصلاحيين الداخلية في هذه السنوات الثمانية هو الدعوة إلى حرية التعبير وفتح الأبواب أمام المطبوعات وتراجع سلطة الرقابة على الصحافة ودور النشر.
الاقتصاد:
أهم ما يميز فترة الرئيس الاصلاحي خاتمي كان التوجه نحو سياسة الخصصة بالعكس تماما من النهج اليساري الأول ودعم التنمية الاقتصادية ومخالفة حصرها بيد الدولة، حيث شهدت ايران نمواً في المؤشرات الاقتصادية غيرت نظرة المجتمع الايراني نحو الخصصة التي رفضها في بداية حكومة خاتمي.
كان المعدل السنوي لصادرات النفط في هذه الفترة نحو 18 مليار و 500 مليون دولار، كما سجلت ايران معدلاً عالمياً في اكتشاف النفط عام 1999 وذلك عند اكتشاف حقلي "أزادكان".
وبالرغم من تحقيق توسع بالاقتصاد إلا إن البلاد شهدت عدم اهتمام بأجور العاملين والموظفين والمعلمين على حساب قطاعات أخرى حيث نرى افتتاح 4 بنوك خاصة في فترة حكم خاتمي.
الاجتماعي الثقافة:
رفع الرئيس خاتمي شعار "حوار الحضارات" وعمل على ترويج شعار التجديد الديني والتساهل والتسامح الديني ضمن قراءات متعددة، واتجه الاصلاحيون إلى الدعوة للحوار مع الحضارات الغربية ونقدها مع تعميق فكرة التبادل الثقافي وتصدير الثورة.
تعتبر فترة حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي فترة تساهل اجتماعي في عدد من المواضيع الاجتماعية كالتشدد في رعاية الزي الاسلامي ومنح تراخيص للجمعيات الأهلية والمدنية في عدد من الشؤون.
محطات مهمة في تاريخ اليسار والإصلاح في ايران خلال العقود الأربعة:
حصل التيار على نسبة الأكثرية في الدورة الثالثة لانتخابات مجلس الشورى الاسلامي عام 1988 .
حصل التيار على النسبة الأقل في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الرابع 1992
حصل التيار على النسبة في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الخامس 1996
عودة التيار بقوة إلى الساحة السياسية بوصول محمد خاتمي الى سدة الرئاسة عام 1997
حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجالس بلديات المدن والقرى عام 1999
حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي السادس 2000
حصل التيار على النسبة في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي السابع 2004
خسارة التيار الاصلاحي أمام التيار المبدئي بوصول مرشح الأخير إلى سدة الرئاسة بفوز محمود أحمدي نجاد2005
حصل التيار على النسبة الأقل في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الثامن 2008
خسارة التيار المعركة الانتخابية بعد انتصار التيار المبدئي وبقاء مرشحه محمود أحمدي نجاد في سدة الرئاسة2009
حصل التيار على النسبة الأقل في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي التاسع 2012
انتصار التيار الاصلاحي وحليفه تيار الاعتدال بفوز حسن روحاني في السباق الرئاسي عام 2013
/انتهى/.
تعليقك