وقال الأسد في مقابلة مع قناة "ويون تي في" الهندية.. إن الوضع على الأرض بات أفضل بكثير مما كان ..من منظور عسكري.. لكن هذا لا يعكس الصورة كاملة لأن الأمر لا يقتصر على الصراع العسكري بل هناك أشياء مختلفة مثل الايديولوجيا التي يحاولون نشرها في منطقتنا والتي تشكل أخطر تحد يمكن أن نواجهه على المدى القريب وكذلك المدى البعيد.
وأضاف الرئيس الأسد.. نكن احتراما كبيرا للموقف الهندي لأنه يستند إلى القانون الدولي وإلى ميثاق الامم المتحدة والأخلاق العالمية وأخلاق الحضارات الإنسانية أولا والحضارة الهندية ثانيا أي لأخلاق الشعب الهندي مشيرا إلى أنه رغم كل الضغوط الغربية على جميع دول العالم بما فيها الهند للانضمام إلى الحصار المفروض على الشعب السوري فإن الهند لم تقلص علاقاتها مع سوريا.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة نقلا عن سانا:
سيادة الرئيس، طبقاً لكل التقديرات، فإن ما حدث في سوريا يشكل أكبر أزمة إنسانية في عصرنا، حيث قُتل مئات آلاف الأشخاص، بمن فيهم أشخاص أبرياء، في هذه الحرب أو في هذا الصراع. كيف تصفون التقدم الذي تحرزه الحملة التي تشنونها ضد المجموعات الإرهابية، مثل تنظيم داعش؟
قد أتت زيارتكم في وقت شهد فيه الوضع تحسناً كبيراً، لأن المجموعات الإرهابية، وبشكل أساسي داعش والنصرة ومثيلاتهما في سوريا، وهي مجموعات إرهابية وهّابية متطرفة، في حالة تراجع، أو لنقل إن المنطقة الواقعة تحت سيطرتها تتقلص. وبالتالي، فإن الوضع على الأرض بات أفضل بكثير مما كان، من منظور عسكري. لكن هذا لا يعكس الصورة كاملة، لأن الأمر لا يقتصر على الصراع العسكري، بل هناك أشياء مختلفة مثل الإيديولوجيا التي يحاولون نشرها في منطقتنا والتي تشكل أخطر تحدٍ يمكن أن نواجهه على المدى القريب وكذلك على المدى البعيد.
ثانياً، الأمر يعتمد على الدعم الذي تتلقاه تلك المجموعات الإرهابية من دول إقليمية مثل تركيا، وقطر، والسعودية، ومن دول أوروبية وغربية مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، بشكل رئيسي. وهذا يشكل سمة لحقبة جديدة في العالم يُستخدم فيها الإرهاب، أي نوع من الإرهاب، لتنفيذ أجندة سياسية. هذا أمر أكثر خطورة من أي خطر آخر يمكن أن نواجهه في العالم المعاصر.
سيادة الرئيس، ذكرتم أسماء بعض المجموعات الإرهابية، كما ذكرتم أسماء بعض الدول، بما فيها السعودية ودول أخرى. لكن هل يمكن لي أن أسألكم، سيادة الرئيس: ماهو برأيكم سبب هذه الأزمة ولمن تحملون مسؤوليتها؟
إذا أردت أن أكون موضوعياً، فإننا نقول دائماً إنه إذا لم يكن هناك عيوب في مجتمعك، أو في بلدك، فإن تأثير العامل الخارجي سيكون محدوداً. ولذلك فإننا نتحدث دائماً عن أخطائنا أو عن الثغرات أو العيوب الموجودة لدينا. لكن في المحصلة، لسنا نحن من أحضر الإرهابيين، ولسنا نحن من دعم الإرهابيين ولا من دعم هذه الإيديولوجيا. بشكل رئيسي، فإن من بدأ هذا الصراع كان قطر بإشراف ومباركة من الدول الغربية، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا. هذا ما كان في البداية. لكن لا نستطيع أن نتحدث عن فرنسا وبريطانيا بشكل منعزل لأنهما لا تجرؤان على فعل شيء دون إذن من الولايات المتحدة، كلنا نعرف أن الراعي الحقيقي هو الولايات المتحدة، لكنها تسمح لآخرين بلعب أدوار مختلفة. فإذا أردت أن تحمّل المسؤولية لمن دعم الإرهابيين ولمن بدأ بإراقة الدماء في سورية، فإن المسؤول هو الغرب وقطر، وفي وقت لاحق السعودية التي انضمت بعد عام من بداية الأزمة إلى هذا الجهد نفسه. ولا يسعنا بالطبع أن ننسى تركيا التي كانت اللاعب الرئيسي مع الإرهابيين في سورية منذ البداية.
سيادة الرئيس، تحدثتم عن كيفية وضع حدٍ لإراقة الدماء. هل أنتم مستعدون للدفع قُدماً بتسوية سياسية تفاوضية قد تتعهدها روسيا أو دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن؟
بالطبع. لقد انضممنا أصلاً إلى هذه الجهود منذ عقد مؤتمر جنيف في العام 2014. لكن الأمر لا يقتصر على الانضمام إلى ذلك الجهد لأن ثمة حاجة إلى جهدٍ حقيقي ومنهجي من شأنه أن يحقق شيئاً في الواقع ويمكن أن يكون مثمراً. حتى هذه اللحظة، لم نرَ أي مبادرة سياسية حقيقية من شأنها أن تنتج شيئاً، رغم أن أستانا حققت نتائج جزئية من خلال إقامة مناطق تخفيف التوتر في سورية، والتي شكلت تطوراً إيجابياً في هذا الصدد. لكن لا تستطيع أن تسمّي ذلك حلاً سياسياً حتى هذه اللحظة. إن الحل السياسي يتحقق عند معالجة جميع أوجه المشكلة في الوقت نفسه. نحن اتخذنا المبادرة في التعامل مباشرة مع الإرهابيين في بعض المناطق لتحقيق المصالحة، بحيث يمكنهم التخلي عن سلاحهم وبالمقابل نمنحهم العفو. وقد نجح ذلك بطريقة فاعلة في سورية.
سيادة الرئيس، لقد ذكرتم الولايات المتحدة. نحن نعلم أنه كان لديكم خلافات تاريخية مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة. الآن، أكمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول جولة له في غرب آسيا، أو في الشرق الأوسط. هل تعتقدون أن دونالد ترامب شخص تستطيعون التعامل معه؟
المشكلة في الولايات المتحدة تتعلق بالنظام السياسي برمته، وليس بشخص واحد فقط. بعد انتخاب ترامب ثبت لنا، مرة أخرى، أن الرئيس يؤدي دوراً وحسب، وليس صانع قرار. إنه جزء من مجموعات ضغط مختلفة ومن الدولة العميقة، أو النظام العميق، كما يمكن أن نسميه، الذي ينفذ أو يملي على الرئيس ما ينبغي عليه فعله. والدليل على ما أقول هو أن ترامب، بعد أن أصبح رئيساً، ابتلع معظم وعوده وكلماته التي كان يتبجح بها خلال حملته الانتخابية. لقد استدار بزاوية 180 درجة فيما يتعلق بجميع وعوده تقريباً. والسبب هو أن الدولة العميقة لن تسمح له بالمضي في اتجاه معين. لذلك فإن التعامل معه كشخص هو أمر ممكن بالنسبة لي، لكن هل يستطيع ذلك الشخص أن يحقق شيئاً؟ لا. في الولايات المتحدة، لا يستطيع الرئيس أن ينجز شيئاً. الدولة برمتها، أقصد الدولة العميقة، هي الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يحقق شيئاً. هذه هي المشكلة. والدولة العميقة لا تقبل بوجود شركاء لها في العالم. إنها تقبل فقط بالدُمى، والأتباع والوكلاء. هذا ما يقبلونه، ونحن لا ننتمي إلى أي من هذه الفئات.
سيادة الرئيس، أودّ أن ألفت انتباهكم إلى أحداث الرابع من نيسان، عندما أُخبر العالم عمّا سمّي هجوماً كيميائياً، أو حادثاً كيميائياً. لقد سئلتم عن هذا الموضوع عدة مرات من قبل. بتقديركم، ما هي الحقيقة وراء حادث 4 نيسان، ومن هي الجهة التي تعتقدون أنها تقف خلفه؟
كل سياسي يمكنه أن يقول: "لا، لم نفعل ذلك"، سواء أخلاقياً أو لأي سبب آخر.. والمشاهد يمكن أن يقول: "لا، إنه ليس صادقاً". لن أتحدث عن هذا بتلك الطريقة التقليدية. أقول دعونا نطرح السؤال الآتي: هل من المنطقي أن يتم استخدام تلك الأسلحة؟ – هذا إذا كنا نمتلكها – نحن لا نمتلك أسلحة كيميائية، لكن حتى لو امتلكناها وأردنا استخدامها، فلماذا نستخدمها في تلك الحالة؟ قبل أسبوع من ذلك الحادث المزعوم، كان الإرهابيون يتقدمون، ولم نستخدمها. لماذا نستخدمها عندما كان الجيش السوري يتقدم والإرهابيون يتراجعون؟ هذا أولاً. ثانياً، استخدمت تلك الأسلحة، كما قالوا، ونحن لا نعلم ما إذا كان ذلك صحيحاً أو لا، ضد المدنيين في إحدى المدن. لو أراد الجيش السوري أن يستخدم ذلك النوع من الأسلحة، فلماذا لا يستخدمها ضد الإرهابيين الذين كانوا في الميدان، ويستخدمه ضد المدنيين؟ وبالتالي، فإن هذه الرواية ليست منطقية ولا واقعية. إذاً، من يقف وراء ذلك الحادث؟ إنها ببساطة الاستخبارات الأمريكية والغربية العاملة مع الإرهابيين. لقد فبركوا هذه المسرحية فقط لتكون لديهم ذريعة لمهاجمة سورية، وهذا ما حدث بعد بضعة أيام عندما هاجموا أحد مطاراتنا. وقد كانوا يدعمون الإرهابيين فعلياً، لأن داعش شن هجوماً في اليوم نفسه الذي شُنّت فيه الهجمات الأمريكية على هذا المطار. لقد أرادوا مرة أخرى إعادة شيطنة الدولة السورية والرئيس السوري، وذلك كان العنوان الوحيد الذي من شأنه أن يستقطب الجمهور والرأي العام في سائر أنحاء العالم.
سيادة الرئيس، لقد طُرح عليكم هذا السؤال مرات عديدة، وسأعيد طرحه مرة أخرى لفائدة مشاهدينا الذين ربما يشاهدونكم الآن في جنوب آسيا وفي أنحاء أخرى من العالم: هل تمتلك سوريا اليوم أسلحة كيميائية؟ هل قامت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتدمير كل ما لديكم من الأسلحة الكيميائية؟ وهل تحتفظ سورية أو تخبئ بعض الأسلحة الكيميائية؟
في الواقع، فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أعلنت قبل بضع سنوات أن سوريا خالية تماماً من السلاح الكيميائي. حتى جون كيري أعلن أن سورية باتت خالية من أي أسلحة كيميائية. ما كانوا ليفعلوا ذلك لو لم يكونوا متأكدين من هذا. بكل الأحوال، لا، ليس لدينا أي أسلحة كيميائية، ولم تعد لدينا المنشآت اللازمة لها، حتى لو أردنا امتلاكها.
سيادة الرئيس، أود أن أحوّل انتباهكم من القضايا المحلية إلى العلاقات السورية-الهندية، ونحن نعلم أن العلاقات السورية-الهندية صمدت أمام اختبار الزمن، لقد تبنت الهند بوجه خاص موقفاً حيادياً ومستقلاً. إنها تعارض التدخل الخارجي في أي نوع من الأزمات المحلية في أي مكان من العالم. تؤمن الهند الحلول غير العنيفة للمشاكل. ما رأيكم بسياسات رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، وخصوصاً حيال سورية في السنوات الأخيرة؟
نحن نكنّ احتراماً كبيراً للموقف الهندي، وذلك لأنه يستند إلى القانون الدولي وإلى ميثاق الأمم المتحدة والأخلاق العالمية. وأخلاق الحضارات الإنسانية أولاً، والحضارة الهندية ثانياً، أي إلى أخلاق الشعب الهندي. وهذا أمر بالغ الأهمية ويشكل الاختلاف بين الدولة والنظام، حيث إن الدولة تبني كل شيء، رؤيتها وسياستها، على أخلاق شعبها. ونحن نحترم الموقف الهندي في هذا الصدد.
ثانياً، لقد ذكرت أمراً مهماً جداً يتعلق بالاستقلال. رغم كل الضغوط الغربية على جميع دول العالم، بما فيها الهند، للانضمام إلى الحصار المفروض على الشعب السوري، فإن الهند لم تقلص علاقاتها مع سورية، ولا تزال بعض الاستثمارات التي تشارك فيها الهند مستمرة في سورية وفي مختلف القطاعات بفضل ذلك الموقف المستقل.
سيادة الرئيس، لقد كانت سورية والهند محاطتين دائماً بقوى معادية أو بجوار معادٍ لهما. والهند تعرف أن سورية دعمتها فيما يتعلق بقضية جامو وكشمير، على سبيل المثال. الإرهاب أيضاً قضية مشتركة بين البلدين، ونحن ضحايا للإرهاب، كما نسميه. ما هي الدروس التي يمكن لسورية أن تتعلمها من التجربة الهندية في محاربة الإرهاب، والتطرف؟ وكذلك، كيف يمكن للهند أن تتعلم من تجربتكم في محاربة داعش، كما تسمّى هنا؟
أعتقد أننا حصلنا على استقلالنا في الوقت نفسه، في حقبة الأربعينيات. قد تكون الجغرافيا مختلفة، وقد يكون سبب مواجهتنا للإرهاب مختلفاً، لكن في المحصلة فإن الإرهاب واحد، والأيديولوجيا التي نواجهها هي ذاتها. والأمر الأكثر أهمية هو أن الإرهاب استُخدم في الهند لأسباب سياسية، أو لتحقيق أجندة سياسية، والأمر نفسه في سورية. إن دعم التنظيمات الإرهابية لتحقيق أجندات سياسية هو أمر في غاية الخطورة، وهو يتجاوز الهند ويتجاوز سورية. لو نظرت إلى خريطة العالم الآن، إلى ليبيا واليمن، وما حدث مؤخراً في مصر، وفي فرنسا وبريطانيا فإن ذلك يظهر أن الإرهاب ليست له حدود. وبالتالي، ما ينبغي أن نفعله ليس فقط التعلم من تجربتينا، إذا كنا نتحدث عن سورية والهند، سنجد أنهما متشابهتان جداً ويمكن أن نتعلم الكثير من بعضنا بعضاً، لكن الأمر أكبر من ذلك، علينا أن نشكل تحالفاً دولياً حقيقياً ضد الإرهاب، وأن نعمل ضد الإرهاب، وأن نتعلم من بعضنا وأن ندعم بعضنا في الحرب ضد الإرهاب. كما ذكرت، يمكننا أن نتعاون، لكن التعاون لا يتعلق فقط بالأمور الاستخباراتية، بل يتعلق بالأيديولوجيا وبالسياسات التي دأبت على دعم هؤلاء الإرهابيين وهذا الإرهاب. الأمر يتعلق بكيفية عملنا معاً سياسياً لمنع الإرهاب من الانتشار ومن أن يسود في العالم.
سيادة الرئيس، عندما نتحدث عن الإرهاب وأيديولوجيته، لا يسع المرء إلا أن يتحدث عن الوهّابية أو التدفق والنفوذ الوهّابي في سائر بلدان العالم، خصوصاً في غرب آسيا. الآن، عندما تتحدثون بشكل محدد عن دول مثل السعودية، يقول بعض المعلقين إن السعودية نجحت في تحاشي الانتقادات لأفعالها وتوجيه النقد لدول مجاورة مثل إيران. كيف تفسرون هذا؟
توخياً للدقة، فإن كلمة "تحاشي" ليست دقيقة لأنه عندما قامت أسرة آل سعود بتأسيس هذه المملكة، أسستها بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة الوهّابية، وبالتالي فهي مؤسسة واحدة. المؤسسة الوهّابية والتطرف، أو المتطرفون، في السعودية يدافعون عن الدولة لأنها دولتهم. فالدولة والمتطرفون كيان واحد. لا يمكنك الحديث عن الإرهاب وأسرة آل سعود بوصفهما كيانين مختلفين، بمنتهى الصراحة. ولهذا فإنهم لا يتحاشون ذلك، بل إنهم صدّروا الإرهاب، أو التطرف، أو الأيديولوجيا الوهّابية لباقي أنحاء العالم. إن كل "مدرسة" في آسيا وأوروبا، وكل مسجد، تلقى دعماً مالياً وأيديولوجياً عن طريق الكتب وبكل الوسائل الأخرى من المؤسسة الوهّابية. لهذا السبب أقول إنهم لم يتحاشوا الانتقاد، بل دأبوا على تصدير هذه المكونات.
سيادة الرئيس، بالحديث عن الوضع السائد اليوم في سوريا، هل ترون أي دور للهند في إعادة إعمار سورية؟ وهل ترون أي دور يمكن أن تلعبه الهند في عملية السلام أيضاً؟
بالتأكيد. أولاً، إذا أردت أن تتحدث عن الشقّ السياسي، فإن العامل الأكثر أهمية بالنسبة لأي لاعب يريد أن يلعب أي دور في صراع معقّد كهذا، هو أن يحظى بالمصداقية. وقد كانت الهند عبر التاريخ تتمتع بالمصداقية. لم نلاحظ أي تقلبات في السياسات الهندية في عهود مختلف الأحزاب التي تسلمت السلطة في الهند، لأنها تقوم على الأخلاق كما قلت. تشكل هذه المصداقية عاملاً بالغ الأهمية يمكّن الهند من لعب دور، ليس بالضرورة داخل سورية، لأن الصراع في سورية ليس صراعاً سورياً صرفاً؛ حيث إن العوامل الرئيسية فيه ذات طبيعة إقليمية ودولية. والجزء الأكثر أهمية يتمثل في كيفية حماية القانون الدولي. وبالتالي، فإن الهند، بوصفها إحدى الدول الرئيسة في الساحة السياسية اليوم، ينبغي أن تفعل كل ما بوسعها لحماية القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من خلال علاقاتها. للهند علاقات مع جميع دول العالم، ومن خلال جهودها وجهود حكومتها ومسؤوليها، يمكنها المساعدة في هذا المجال.
أما إذا أردت الحديث عن إعادة الإعمار، فكما تعرف أنه في أي بلد عندما يكون هناك حرب أدت إلى تدمير الكثير من بنيته التحتية، فإن القطاع الأكثر ربحية سيكون قطاع إعادة الإعمار، ونحن نرحب بالهند كي تلعب دوراً اقتصادياً في إعادة إعمار سورية، وهو الذي بدأنا به أصلاً. لقد بدأنا هذا المشروع في دمشق ونقوم بتوسعته الآن في معظم المدن السورية، هذا طبعاً بعد تحريرها من داعش والنصرة وتلك التنظيمات الإرهابية. إننا نرحب بالطبع بأي شركة هندية.
سيادة الرئيس، زرتم الهند في العام 2008، وفي تلك المناسبة زرتم أيضاً تاج محل في أغرا. متى تخططون لزيارة الهند مرة أخرى؟ هل ترغبون بجعل الهند مقصدكم الأول، إذ إنكم نادراً ما تسافرون إلى الخارج، فهل ترغبون بزيارة الهند قريباً؟
بالطبع. بالتأكيد، وأستطيع أن أصف طيف العلاقات بين سوريا والهند بأنه واسع، وتلك كانت خطتي عام 2008، وكانت هذه العلاقة في تصاعد مستمر. لكن بسبب الحرب، تغيرت الأمور وأخذت منحى مختلفاً. لكن بعد انتهاء هذه الحرب، فإن الهند ستكون إحدى أولى الدول التي سأزورها، ليس فقط في إطار العلاقات، بل لأن علينا في الواقع أن نكون مخلصين وأوفياء لكل دولة كانت موضوعية وأخلاقية في مواقفها حيال الحرب في سوريا.
بالحديث بشكل محدد عن الحملة الجارية حالياً ضد داعش، كم شهراً سيتطلب الأمر لإخراج داعش من أراضيكم ذات السيادة؟
إذا أردت التحدث عن حربنا، وبصرف النظر عن تأثير الحملة الخارجية، فإن داعش ليست قوية جداً، وسيتطلب الأمر بضعة أشهر، حتى مع وجود النصرة. المشكلة هي أن داعش تحظى بدعم الولايات المتحدة. لقد هاجمت الولايات المتحدة جيشنا الذي يحارب داعش ثلاث مرات خلال الأشهر الستة الماضية. وفي كل مرة هاجمت الولايات المتحدة قواتنا في منطقة ما، كانت داعش تهاجم قواتنا في الوقت نفسه وتستولي على تلك المنطقة. وبالتالي فإن الجواب الواقعي هو أن ذلك يعتمد على مدى الدعم الدولي الذي ستتلقاه داعش.
سيادة الرئيس، أريد الآن التحدث عن الرئيس الأسد الإنسان ورجل العائلة. أنتم في السلطة منذ سبعة عشر عاماً. كيف أثرت هذه المرحلة من الأزمة عليكم وعلى أسرتكم، على أطفالكم؟ ما هو نوع الأحاديث التي يمكن أن تتبادلوها حول الوضع الذي تراه أسرتكم من حولها اليوم؟
يمكن لأي شخص عندما يسمع سؤالك أن يفكر بالجانب الأمني. لكن الواقع غير ذلك، حيث إننا نعيش في وسط المدينة، أو في وسط دمشق، وبيتي ليس بعيداً من هنا. نحن كجميع السوريين، تعرضنا لكل أنواع التهديدات، بما في ذلك قذائف الهاون وغيرها من الوسائل، وبالتالي فهذه ليست قضية أساسية بالنسبة لأسرتي. بالنسبة لنا كأسرة سورية، فإن ما أثّر فينا أكثر من أي شيء آخر هو الألم، والمعاناة بسبب إراقة الدماء التي أثرت في كل أسرة تقريباً في سورية. هذا هو الأمر الأكثر أهمية. عدا عن ذلك، فإن هناك ذاك النوع من الحوار الذي يجري في أسرة نشأ أطفالها في مشهد غريب جداً وليس عادياً ولا طبيعياً. إنها ليست سورية التي اعتدنا على رؤيتها قبل الحرب. وبالتالي، فإن السؤال يكون: لماذا؟ ما الذي يحدث؟ لماذا ليس لدينا…
سيادة الرئيس، أنتم في السلطة منذ العام 2000، وقد مضى على وجودكم فيها 17 عاماً. العديد من قادة العالم أتوا وذهبوا: الرئيس أوباما في الولايات المتحدة، والرئيس ساركوزي، والرئيس هولاند في فرنسا، وفي العديد من دول العالم. أنتم تمكنتم من البقاء في السلطة وتابعتم في نهجكم. ما هو سر نجاحكم؟
إنه ليس سرّي أنا بل هو السر السوري الذي يتمثل في الدعم الشعبي. عندما تتمتع بالدعم الشعبي تستطيع أن تقف في وجه أي عاصفة. هذه حقيقة بسيطة جداً. لو لم تكن تتمتع بذلك الدعم، كنت ستصمد ربما لبضعة أسابيع أو أشهر، ولكن ليس لبضع سنوات. إن المعركة ليست معركة الرئيس كما تحاول الصحافة الغربية تصويرها. هذه ليست معركتي، وأنا لا أُحارب من أجل منصبي. إني لا أكترث للمنصب. ما يعنيني هو الدعم الشعبي. بالنسبة لنا كسوريين، هذه حرب وطنية، والجميع يحارب من أجل بلده وليس من أجل الرئيس. هذا هو السر ربما والذي لم يكتشفه الغرب. لقد كانوا سطحيين جداً في تحليل الوضع في سورية. في الواقع، هذا ليس سراً، بل إنه شيء لم يتمكنوا من رؤيته، لكنه ليس سراً.
سيادة الرئيس، لو عاد بكم الزمن إلى الوراء، هل كنتم سترغبون بفعل أشياء بطريقة مختلفة ربما؟
إذا كنت تتحدث عن الأشياء اليومية، هناك دائماً زوايا مختلفة تنظر إلى الأشياء من خلالها، وعندها يمكن القول إني كنت سأفعل الأمور بطريقة مختلفة. لكن إذا أردت الحديث عن العناوين الاستراتيجية الرئيسية، مثل محاربة الإرهاب، فإننا كنا بالطبع سنحارب الإرهاب. هذا أمرٌ يفرضه الدستور ويفرضه القانون، وهذا واجبنا كحكومة في الدفاع عن الشعب. وبالتالي فإن هذا الأمر لا يخضع للنقاش. وكذلك الحوار مع الجميع، بما في ذلك الإرهابيين. هذه استراتيجية نعتقد أنها أحدثت آثاراً إيجابية. أما كيفية تغيير أو تعديل هذه الاستراتيجية، فهذه قضية أخرى. يمكنك تعديلها، لكن كعنوان، أعتقد أنها كانت صحيحة. استراتيجية الانفتاح على دول أخرى، كالدول الغربية التي تزعم أنها أرادت مساعدة سورية، كانت صحيحة لكنها لم تثمر. أعتقد أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبناه هو أننا صدقنا أن الغرب يمتلك قيماً. كان هذا أحد الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي. كما أننا اعتقدنا أن بعض الدول، مثل السعودية، يمكن أن يكون لديها قيم، لكن تبين أن القيمة الوحيدة لديهم هي الوهّابية.
سيادة الرئيس، هناك العديد من الروايات حول صورتك في وسائل الإعلام الغربية، على الصعيد الشخصي. لقد رأينا القضية أو الزاوية الإنسانية من الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر الأطفال الذين عانوا في هذا الصراع. رأينا حالة آلان الكردي الذي رمته الأمواج ميتاً على الشاطئ في تركيا، وعمران دقنيش، الصبي الذي كان جالساً في سيارة الإسعاف، وحتى بانة العابد التي انتشرت تغريداتها على وسائل التواصل الاجتماعي. هل تفكرون أحياناً في أن هذا الصراع طال أكثر مما ينبغي، ومضى أبعد مما ينبغي، وأن على الجميع، وأقصد الجميع أن يتراجعوا عن حافة الهاوية؟
إذا تحدثنا عن الغرب بشكل رئيسي، لا، لا يستطيعون القيام بذلك، لأنهم إذا تراجعوا عن مواقفهم، فإن الرأي العام عندهم سيقول لهم:"لقد كنتم تكذبون علينا. كنتم تتحدثون عن هذا الشخص السيء وهذه الحكومة السيئة وعن القتل الذي استمر سبع سنوات، والآن تريدون أن تخبرونا بالحقيقة؟". لا يستطيعون قول الحقيقة، ولذلك عليهم أن يستمروا بأكاذيبهم حتى النهاية وإلى أن يتمكن الرأي العام في بلادهم من تفنيد هذه الأكاذيب.
سيادة الرئيس، هل فكرتم يوماً بالحياة خارج سورية، أو ربما التنحي والعيش خارج سوريا؟
نظراً لأن الرئيس يأتي من خلال الانتخابات، فإن التنحي يكون من خلال الانتخابات أيضاً، أو عندما تلاحظ أن الشعب السوري لن يدعمك لأنك دون ذلك الدعم لا تستطيع أن تنجز أو تحقق شيئاً. عندها ينبغي أن ترحل. ولأن الوضع ليس على هذا النحو، وأنت في وسط العاصفة، وسوريا في عين العاصفة، لا أستطيع القول إني سأستسلم وأُغادر. سيكون ذلك أنانياً جداً وغير وطني على الإطلاق. عندما تكون في وسط العاصفة، عليك أن تقوم بعملك كرئيس إلى أن يقول لك الشعب:"اذهب، ارحل، فإنك لا تستطيع أن تساعد بلدك". عندها ينبغي أن ترحل. هذا فيما يتعلق بمغادرة سورية، لكن بالنسبة لي شخصياً، فإن مغادرة سورية ليست خياراً. مذ كنت شاباً، تربيت ونشأت كشخص لا يمكن أن يعيش إلا في بلده، وليس في أي بلد آخر.
في الختام، سيادة الرئيس، سؤالان آخران. في اللحظات التي تجلس فيها مع نفسك، هل تفكر في الكيفية التي كان الرئيس حافظ الأسد سيعالج فيها وضعاً ما لو كان موجوداً اليوم؟ هل تفتقد مشورته ربما؟
لا، لأن هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها الإرهاب. نحن نواجه الإرهاب منذ ما قبل الرئيس حافظ الأسد. واجهناه في الخمسينيات عندما أتى الإخوان المسلمون إلى سوريا. ومنذ ذلك الحين، بدأت الصراعات في سوريا، بطريقة مشابهة، وإنما على نطاق مختلف. وبالتالي، فإن مبدأ الصراع هو نفسه: الإرهاب هو الإرهاب، والتطرّف هو التطرف، بصرف النظر عن الأسماء التي تعطيها لمختلف التنظيمات. المنهجية التي يتبعها كل أولئك الإرهابيين هي نفسها. الرئيس حافظ الأسد حارب أولئك الإرهابيين في السبعينيات والثمانينات، ونحن علينا محاربتهم اليوم. وإذا واجهناهم بعد خمسين عاماً، وبجيل آخر، علينا أن نحاربهم. لهذا أعتقد أن الاستجابة واحدة والمنهجية واحدة. مرة أخرى، الأمر يتعلق بالتفاصيل. قد تكون التفاصيل مختلفة بين مرحلتين ورئيسين، وقد تختلف من يوم إلى آخر، لأنه في حالة حرب كهذه، يمكن للأمور أن تتقلب أو تتغير بإيقاع سريع جداً.
في الختام، سيادة الرئيس، قلة من الناس يعرفون أنك درست الطب وأنك طبيب عيون. هل تفتقد أيام لندن، وهل تشعر بالرغبة بأن يعود بك الزمن إلى الوراء؟
في الواقع، أنا كنت طبيب عيون في سوريا قبل أن أذهب إلى لندن. عملت ثلاث سنوات ونصف السنة في سوريا، ومن ثم ذهبت إلى لندن لمدة عامين تقريباً. وبالتالي، إذا أردت الحديث عن أني أفتقد العمل كطبيب، بالطبع، فإن هذا شيء تشعر بالشغف حياله دائماً. لكن هذا لا يعني أنك لا تحب العمل الذي تقوم به الآن. أنت تعمل اليوم على نطاق أكبر عندما تساعد الشعب السوري، وهذا شيء ينبغي أن تحبه. إذا كنت لا تحبه ولا تفعله بشغف، لا تستطيع النجاح. لديّ بالطبع شغف قوي جداً لهذا العمل، لكن المجال العلمي بشكل عام هو شغفي الثاني مذ كنت شاباً، ليس فقط طب العيون، بل المجالات العلمية بشكل عام. لديك دائماً هذا الشغف، وتشعر بالرغبة بمعرفة أحدث التطورات والاتجاهات الجديدة في هذا المجال.
سيادة الرئيس، هل باتت المرحلة الأسوأ وراءكم؟
آمل ذلك. أعني بالنظر إلى أن الأمور تتحرك الآن في الاتجاه الصحيح، وهو اتجاه أفضل، لأننا نلحق الهزيمة بالإرهابيين، وإذا لم يقدم الغرب والدول الأخرى وحلفاؤهم والدمى التابعة لهم دعماً هائلاً لأولئك المتطرفين، فأنا متأكد أن الأسوأ بات وراءنا./انتهى/
تعليقك