وكالة مهر للأنباء، شيرين سمارة، اشار الاب جان يونس رئيس مدرسة قدموس صور، في حديث لوكالة مهر للأنباء، إلى أن الظروف تتشابه وتتشابك بين تلك التي عاشها سيدنا المسيح في مجتمعه، والتي عاشها الحسين بين أهله وقومه. فالمسيح أتى من العلاء مخلصاً وحاملاً موضوع الخلاص كي يجدده ويحييه بين البشر فينجيهم من الخطيئة المميتة وينقلهم من عهدهم القديم إلى عهد جديد.
وفي مايلي نص الحوار:
س: نظرة المسیحیین الللبنانیین الى حادثة عاشوارء نظراً الى اختلاط المسيحيين مع الملسمین في لبنان ؟
لا شك أن العيش الإسلامي المسيحي في لبنان هو سمة سماوية منحنا إياها الله سبحانه ليؤكد على وحدانية الخلق كما الخالق. لذلك ومنذ آلاف السنين نجد هذا العيش مترجماً بالمحبة والمودة على أساس أنه فريضة إلهية قبل أن يكون دافعاً وطنياً وانسانياً وثقافياً.ولقد بات العيش المشترك واقعاً يومياً على مساحات التلاقي وتبادل الواجبات والمشاركة في المناسبات لا سيما الدينية منها. من هنا ليس مستغرباً النظر إلى حادثة عاشوارء على أنها مناسبة جامعة اسلامية ومسيحية، ينظر إليها المسيحي مع شريكه المسلم باعتبارها مدرسة للإصلاح وتحقيق العدل، نُصرة المظلوم، ونشر كلمة الله، مدرسة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، تدعو إلى التواضع أمام الله لا الإستعلاء، الإستقامة مع الناس لا الفساد، إنها المدرسة الشاملة التي تتسع لكل الآفاق، تتساقط فيها الحواجز وتبنى جسور التواصل والحوار. لذلك فمشاركة المسيحي فيها هو من منطلق التفاعل مع الفكر النهضوي للإمام الحسين، والإضاءة أيضاً على الثورة الحسينية من منظور إنساني شمولي.
س: كيف اثر الإمام الحسين على اعمال المفكرين المسيحيين مثل ميخائيل نعيمة ولويس معلوف وغيرهم ؟
إذا انطلقنا من اعتبار ملحمة كربلاء ملحمة إنسانية بطولية تتخطى مساحات الأوطان والأزمان بما ترمز إليه من قيم وتعاليم تدخل في صميم حياة كل الناس على اختلاف مقاماتهم ودياناتهم واتجاهاتهم وثقافاتهم، فإن الأثر الكبير لهذه الحادثة وعظمة أبطالها لا بد من أن ينعكس حضواًر فاعلاً في فكر وكتابات العديد من المفكرين المسيحيين الذين تأثروا بالحسين كشخصية قيادية تاريخية، واعتبروا من بطولاته وتضحياته وصلابة ايمانه وتمسكه بقيم السماء. وفي طليعة من تأثر بالحسين نجد ميخائيل نعيمة الأديب اللبناني الكبير والذي قال: إنّ الحسين قد خاض معركة الحق والك ارمة ضد الباطل الذي ضرب بعرض الحائط كل الأخلاق العربية، وكذلك جبارن خليل جبارن القائل: لم أجد انساناً كالحسين سجّل مجد البشرية بدمائه.
أما المفكر المسيحي المعاصر أنطوان بار فتحدثّ في كتابه "الحسين في الفكر المسيحي" عن ثورة الإمام )ع( في كربلاء، معتبراً أن حادثة كربلاء تحمل من القيم الرفيعة ما لم تحمله أي قيمة من قبل، وعليه يُنظر إلى تلك الثورة الحسينية من ازوية انسانية شاملة.
وفي مشهد مسيحي آخر يستعرض الأديب سليمان كتاني حياة الإمام حتى شهادته بأسلوب ينمّ عن قوة التأثر بمواقف الحسين (ع) تلك المواقف التي حررت النفس وأطلقتها إلى حرية التفكير ببصيرة ووعي.
س: كيف تقارن بين رسالة سيدنا المسيح والامام الحسين عليهما السلام في تحرير العقل البشري؟
كم هي الظروف تتشابه وتتشابك بين تلك التي عاشها سيدنا المسيح في مجتمعه، والتي عاشها الحسين بين أهله وقومه. فالمسيح أتى من العلاء مخلصاً وحاملاً موضوع الخلاص كي يجدده ويحييه بين البشر فينجيهم من الخطيئة المميتة وينقلهم من عهدهم القديم إلى عهد جديد. أعطاهم المسيح الحرية ودعاهم إلى معرفة الحق والعمل به، إلى العدالة والمحبة والرحمة، وعلمهم أنّ الفداء هو الرسالة التي يلتزم بها الإنسان في عبوره إلى الحياة الجديدة.
وعلى منوال سيدنا المسيح كانت خطى الحسين شهادة تاريخية عظيمة فيها من التعاليم والمفاهيم التي تدكّ حصون التخلف الفكري وتدفع الإنسان إلى حياة حضارية متقدمة تعاكس ثقافاتها واتجاهاتها السابقة، حياة تمحو فيها شمس العدل ظلمة الظلم ويسود فيها الحق على الباطل، والخير على الشر، والحب على الكراهية والحقد.
س: شهدنا في السنوات الماضية بعض المسيحيين يشاركون في مسيرات عاشوارء ما هو تعليقكم على ذلك هل هناك مشاعر مشتركة بين المسيحيين والمسلمين بسبب مظلومية الحسين؟
إنّ مشاركة المسيحيين في اعتلاء المنابر العاشوارئية وفي مسيرات عاشوارء ليس من قبيل العلاقة الإنسانية وتبادل الواجبات الإجتماعية كما في الأضحى والفصح والميلاد والإفطار الرمضاني المشترك فقط، بل تأتي هذه المشاركة من منطلق اعتبار الثورة الحسينية حاجة ضرورية يستلهمها الجميع طالما قيمها انسانية اجتماعية شاملة.
فإحياء المراسم العاشوارئية ومشاركة المسيحيين فيها رسالة تأكيد على التلاحم الوجودي الإسلامي المسيحي وعلى العلاقة التاريخية بين مكونات العائلات الروحية اللبنانية، كما تثبت المشاركة في هذه الذكرى وحدانية النظرة إلى مظلومية الحسين التي يراها المسيحيون صورة واضحة عن مظلومية السيد المسيح الذي افتدى شعبه، وعانى من الإضطهاد وحُكم عليه بالصلب وهو الرافع لواء الحق والعدل والإصلاح مثلما عانى الإمام الحسين وسفكت دماؤه لتبقى القضية الإنسانية حية في النفوس نتذكرها كما نتذكر آلام السيد المسيح. فما يجمعنا، مسيحيين ومسلمين، هو أشرف قضية وأطهر رسالة وأسمى تاريخ.
/انتهى/
تعليقك