٢٥‏/١١‏/٢٠١٩، ١٢:٥١ م

من أبدع ما خلق الله وأجمل..طيرة حيفا الفلسطينية

من أبدع ما خلق الله وأجمل..طيرة حيفا الفلسطينية

كهدهد سليمان باسط جناحيه تربعت على المنحدرات الغربية السفلى لجبل الكرمل تلك القرية، مشرفة على السهل الساحلي، مرتفعةً عزاً وشموخاً قرابة ال75متراً عن سطح البحر. تلك طيرة حيفا أو المعروفة بطيرة الكرمل او طيرة اللوز، كثرت أساميها والجمال واحدُ.

وكالة مهر للأنباء: عبادة عزت أمين

طيرة حيفا

هي أكبر قرى مدينة حيفا الفلسطينية، تمتد القرية على المنحدرات الغربية السفلى لجبل الكرمل, مشرفة على السهل الساحلي وترتفع 75 متراً عن سطح البحر.

كانت الطيرة من أهم قرى قضاء حيفا وأكبرها من حيث عدد السكان. فقد وصل عدد سكانها عام 1948 إلى 6,113 نسمة، وعام 1945 إلى 5,270 نسمة (5240 مسلما و 30 مسيحيا)، وعام 1931 إلى 3,191 وكان لهم حينها 624 مسكناً.

في سنة 1596 كانت الطيرة قرية في لواء اللجون وعدد سكانها 286 نسمة, يؤدون الضرائب على عدد من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل وكروم العنب. أخذ اقتصاد القرية يتدهور بعد سنة 1872, إثر التجنيد الإجباريالذي فرضه العثمانيون. لكن القرية عادت فازدهرت لاحقاً، وقد بنى سكانها منازلهم من الحجر. وكان شكل القرية مصلباً. اشتملت أراضيها على بضعة ينابيع, منها "عين السريس" في الجنوب الغربي، والعين الشرقية وعين "أم قصب" في الشرق، وعين "عبد الله" في الشمال الشرقي. يمر في أراضي الطيرة ثمانية أودية هي: وادي كفر السامر أو كفر سْمير _يسميها الغزاة اليوم "كفار سَمير"_، وادي ريشة، وادي عمرو، وادي عبد الله، وادي العين، وادي أبو الجاع أو الجع، وادي مِسلية، وادي فلاح (اليوم حيث بيت أورن).

بلغت مساحة أراضي الطيرة 45,272 دونماً، كان لليهود فيها حوالي 15% من هذه الأراضي، وكانت ثاني أكبر قرى حيفا مساحة بعد إجزم. اعتمد اقتصادها على الحبوب والخضروات والفاكهة والأشجار المثمرة. في سنة 1943, فاق إنتاج "الطيرة" من الزيتون والزيت ما أنتجت أي قرية أخرى في قضاء حيفا, فقد بلغت مساحة الأرض المزروعة زيتوناً حوالي 4600 دونم في الأرض السهلية الواقعة بين القرية والبحر، وكان في الطيرة أربع معاصر، واحدة قديمة هي معصرة أبو شقرا، وثلاث معاصر زيتون آلية هي معصرة أبناء عبد الحفيظ الأحمد في الحارة القبلية، ومعصرة الحلبي في الحارة الشمالية، ومعصرة توفيق الزبن.

وكانت مساحة أراضي القرية على طول الساحل حوالي 20 ألف دونم.

وبالإضافة إلى الزيتون كثرت في القرية أشجار الخروب والتين والعنب والصبر، وبعض أشجار اللوز والتفاح والمشمش والرمان والتوت. وزرع أهالي الطيرة القمح والذرة والعدس والسمسم، وكذلك الخضروات على أنواعها والشمام والبطيخ.

سبب التسمية

لعل أجمل ما يميز هذه القرية هو أن لها جذوراً يمنية، فأحد أسباب تسميتها بهذا الإسم يعود إلى قبائل الطيري اليمنية التي سكنت تلك القرية وغيرها من القرى الفلسطينية،

فبعودتنا الى الهجرات السامية العربية الى فلسطين نجد ان القبائل اليمنية القادمة من شبه الجزيرة العربية كان لها مستقر في فلسطين . وقد حملت هذه القبائل تسمية قبائلها ومناطقها الى المناطق التي استقرت بها، فنجد ان اسم الطيرة ورد في معجم واصول واسماء المدن والقرى الفلسطينية (اليمن هي الاصل) ضمن خمس قرى تحمل نفس الاسم في فلسطين موزعة في اقضية المدن التالية حيفا – بيسان – رام ا الله- الرملة – طولكرم- . وتتصف هذه القرى من حيث الموقع الجغرافي وطبيعة اراضيها بصفات مشتركة كموقعها الجبلي . واذا اردنا معرفة هذه التسمية لغوياً وجدنا في المعجم "الطيرة من الطير وارتباطها اليمني جاء من وجود قبيلة تسمى "الطيري" وهذه القبيلة بطن من بطون قبائل{ حاشد} اليمنية كما يوجد قبيلة اخرى هي قبيلة الطيور وهي من{ الشمر الطائية}.

ومنهم من قال ان أصل تسميتها كنعاني ومنهم من قال أن لاسمها جذور إغريقية يونانية أو لاتينية أاو انها من اثار سريانية.

وعن سبب تسميتها الجغرافي، يروي اهل القرية ان التسمية جاءت من طبيعة القرية فيقولون ان القادم الى القريه يحس بشكلها كجناحي الطير. "وكأنها هدهد سليمان عائد بنبأ من سبأ.

احتلال الطيرة

استبسل أهل الطيرة في الدفاع عن قريتهم فهم المعروفون "بيباسة الرأس" فقد دافع مجاهدوها عنها حتى آخر رمق.

ففي 12 كانون الأول\ ديسمبر 1947, أغارت عصابة الإرجون (الإيتسل) بالقنابل على الطيرة, في أثناء الجولة الأولى من القتال. وقد تم ذلك في عيد الحانوكاه عند اليهود, واقترن بست هجمات إرهابية أخرى شنتها العصابة نفسها في أماكن عدة من فلسطين. ويذكر "تاريخ الهجناه" أن الغارة أدت إلى مقتل 13 شخصا في الطيرة, وكشفت صحيفة "فلسطين" عن وجود أطفال وشيوخ في جملة الضحايا. وجاء في تقرير الصحيفة أن الجماعة المغيرة كانت مؤلفة من 20 رجلاً تقريباً, وأنها اقتربت من منزل منفرد في طرف القرية وقذفته بالقنابل. ثم إن المهاجمين أطلقوا نيرانهم على المنازل قبل أن ينسلوا عائدين عبر بساتين الزيتون, إلى حيث كانت شاحنة في انتظارهم. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" وقوع عشرة جرحى فضلا عن مقتل ثلاثة عشر شخصاً وتدمير منزل واحد وإصابة عدة منازل أخرى بأضرار.  وتذكر مصادر أخرى أن المهاجمين نسفوا بيتاً مؤلفاً من طابقين في الحارة الشمالية، تابع لعائلة حجير، وبلغ عدد الضحايا 17 شخصاً بينهم رجال ونساء وأطفال، وسلم طفل رضيع وجد بين الأنقاض.

استعد أهل الطيرة للمواجهات فاشتروا سلاحاً واستدعوا متطوعين مسلحين من خارج القرية لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم. وقد خرجت بعثة من القرية ضمت يوسف أبو الحاج وحافظ النجم وعبد الله سلمان إلى مصر لطلب السلاح من الهيئة العربية العليا، وجاء السلاح بعد ذلك فاسداً.

وخلال الأسابيع اللاحقة, تعرضت القرية لهجمات عدة، وقام مسلحون من القرية بمهاجمة أهداف يهودية حول الطيرة. في 5 شباط\ فبراير 1948, شنت القوات الصهيونية هجوماً استمر ساعة وثلاثين دقيقة, ولم يسفر عن وقوع ضحايا, استناداً إلى بلاغ رسمي بريطاني جاء فيه أنه لم يصدر عن القرية أية ردة فعل .

في 28 آذار 1948 شن المسلحون من الطيرة هجوماً على قافلة صهيونية وكبدوها خسائر كبيرة، إلى حين جاءت نجدة بريطانية فتوقفت المعركة.

في 20 نيسان حاول المقاتلون من الطيرة كذلك الوصول إلى حيفا للمساعدة في الدفاع عنها إلا أنهم لم يستطيعوا لأن الجيش البريطاني كان قد أحكم الطوق على المدينة، وفي نفس اليوم قصف مسلحون يهود القرية لعدة ساعات فاضطرت العائلات إلى الخروج من المنازل والاختباء في منطقة عراء عند باب النهر. 

وفي الصباح الباكر من 22 نيسان \ أبريل, يوم سقوط حيفا، شن هجوم كبير على الطيرة, ترافق مع هجوم الهجناه على حيفا. وكان هدف الهجوم, كما يبدو منع التعزيزات العربية من الوصول إلى حيفا.

في هذه الأيام عرض جيش الإنقاذ نقل العائلات إلى الأردن، وظهرت يوم 23 نيسان زوارق في البحر تعرض نقل الناس إلى السواحل اللبنانية، فأخذت الزوارق عدداً قليلاً بينما غادر أغلب الناس بسيارات جيش الإنقاذ، وعند العفولة انقسمت القافلة على اثنتين، فغادر نصفها إلى الأردن وتوجه النصف الآخر إلى منطقة جنين ومن هناك إلى بغداد بسيارات الجيش العراقي.

في هذه الأثناء بقي المسلحون في الطيرة للدفاع عنها، واحتل اليهود التلال المحيطة بالقرية ومنها الكبابير التابعة لقرية الطيرة. 

المحاولة الأولى للاستيلاء على القرية تمت بعد أيام قليلة من سقوط حيفا. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس أن الهجوم وقع في الساعة الواحدة والدقيقة الأربعين من صباح 25 نيسان\ أبريل, وأن مدافع الهاون والرشاشات استخدمت فيه. لكن سرعان ما حضرت وحدة بريطانية إلى مكان الاشتباك, وتوقف إطلاق النار. وفي زعم موريس أن البريطانيين ساعدوا في إجلاء بعض النساء والأطفال, وفي إيصالهم إلى مأمنهم. ويضيف موريس أن الهجوم استؤنف صباح اليوم التالي بعد أن غادر البريطانيون, واستمر إلى أن وصلت وحدة بريطانية أخرى في وقت لاحق من النهار, ونظمت عملية إجلاء أخرى. وجاء في صحيفة "نيورك تايمز" أن القرية قصفت قصفاً شديداً بمدافع الهاون. ونقلت الصحيفة ادعاء الهجناه أن الطيرة كانت قاعدة عربية رئيسية. وفي 5 أيار \ مايو, بذل مسعى ثالث لنقل مزيد من السكان إلى أماكن آمنة, فنقل نحو 600 شخص إلى جنين ونابلس, استنادا إلى موريس.

استمرت الهجمات نحو أسبوع. وفي 13 أيار\ مايو, شن لواء ألكسندروني التابع للهجناه هجوماً مني بالفشل. ويذكر "تاريخ الهجناه" أن المحاولة باءت بالفشل, والسبب الأساسي كان عدم توفر معلومات دقيقة عن نظام العدو الدفاعي في القرية.

يذكر عبد الصمد يوسف أبو راشد في كتابه أنه لما رأى الإسرائيليون أن الطيرة لا تسقط بعثوا برسالة مع أحد الأسرى يطلبون التفاوض مع المسلحين في الطيرة وحددوا الاجتماع يوم 14.7.1948 على أطراف الطيرة الجنوبية، فتوجه من الطيرة يوسف أبو راشد وأحمد أبو غيدا ونايف عبد المحمود وحسن علّوه وأحمد سليمان الصادق وسليمان حجير وكرم الفهد حامل الرسالة، واجتمعوا مع ممثلين إسرائيليين هم رئيس بلدية حيفا شبتاي ليفي وسبكتر مختار أحوزه وكريستين ضابط في الهجناه. كان الاجتماع متوتراً وفهم منه الفلسطينيون أنه مطالبون بالاستسلام. وسمعوا كلاماً من شبتاي ليفي معناه أنه من الأفضل أن يستسلموا بعد أن سقطت حيفا وأن يسلموا لهم سلاحهم ويخرجوا الغرباء من بينهم وهو يتعهد ألا يمسهم أحد بأذى. قال الوفد العربي أنهم لا يثقون بهذا الكلام ويرفضون الاستسلام. أعطى شبتاي ليفي الوفد العربي مدة ساعتين للرد على اقتراحه إلا أن مسلحي الطيرة لم يرسلوا أي جواب. عند الساعة 14:05 أي بعد انتهاء الساعتين بدأت تنهال القذائف على الطيرة من الشرق والشمال والجنوب، وقصفت طائرات من الجو. فقتل سبعة رجال وثلاثة أطفال واضطر المقاتلون والعائلات إلى النزوح عن الطيرة، وظلت القرية محاصرة لمدة يومين دخلت بعدها القوات الإسرائيلية القرية في 17.7.1948.

سقطت القرية, بحسب ما جاء في "تاريخ الهجناه", في 16 تموز\ يوليو خلال معارك الأيام العشرة التي فصلت بين هدنتي الحرب. ويشير كلام هذا المصدر إلى أن احتلال الطيرة وغيرها من القرى في قضاء حيفا, مثل كفر لام والصرفند كان بليغ الدلالة إذ استعين فيه لأول مرة بنيران القوات البحرية لمساندة القوات البرية. وكان الهجوم على الطيرة جزءاً من عملية بحرية أوسع نطاقاً, أسفرت عن احتلال كفر لام والصرفند في الوقت نفسه. فقد قصفت السفينة الحربية، إيلات، القرية قبل أن تتحرك القوات البرية لاحتلالها. أما السكان الذين كانوا لا يزالون فيها, والذين صمدوا تحت الحصار مدة تزيد على الشهرين, فقد طردوا في معظمهم إلى مثلث جنين، نابلس، طولكرم, أو احتجزوا في مخيمات أسرى الحرب.

وإلى يومنا هذا لازالت طيرة حيفا حاضراً في قلوب أهلها، شامخة على منحدرات جبل الكرمل، إلاّ أنها مستثقلة من نجس طهرها، ترتقب فرسان الفتح القريب.

المصادر 
عبد الصمد الحاج يوسف أبو راشد، طيرة الكرمل - الأرض والإنسان، الأردن، 1993
עבד אלסמד אלחאג' יוסף אבו ראשד, טירת אלכרמל – האדמה והאדם, ירדן, 1993. (ערבית)
مصطفى كبها، من دفاتر النكبة (18): طيرة الكرمل: حكاية نضال وصمود وتهجير، في الموقع الإلكتروني 
محمد عقل، طيرة الكرمل:حكاية كفاح ورحلة عذاب وتهجير، في الموقع

مقال على موقع "فلسطين في الذاكرة" نشره أبو عبدالله الطيراوي في تاريخ 8 كانون ثاني، 2011/

رمز الخبر 1899455

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha