وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه بينما تعيش دول المركز العربيّة، سواءً في المشرق والمغرب العربي حالةً من الخُمول الدبلوماسي والصّراعات، والفتن الداخليّة، والخارجيّة، تشهد منطقة الخليج الفارسي حِراكاً غير مسبوق هذه الأيّام تُشَكّل عودة العلاقات مع إيران.
هي زيارتان على درجة كبيرة من الأهميّة الاستراتيجيّة، يُمكن أن يُغيّرا شكل منطقة الخليج الفارسي ويرسمان ملامحها السياسيّة والاقتصاديّة في المُستقبل المنظور، بما في ذلك خريطة التّحالفات الأمنيّة والعسكريّة أيضًا:
الأولى: زيارة الشيخ طحنون بن زايد مُستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات إلى طِهران تلبيةً لدعوة الجِنرال علي شمخاني نظيره الإيراني. الزيارة الأولى؛ رجل المُصالحات، ومُترجم السّياسة الجديدة للإمارات، تستمد أهميّتها من كونها تعكس انفتاحا على الدولة الإيرانيّة بما يُؤدّي إلى خلق حالة من الثّقة المُتبادلة، وزيادة سُبل التّعاون السّياسي والاقتصادي.
دولة الإمارات تخلّت على ما يبدو عن سياساتها القديمة التي كانت تقوم على "المُناكفات" والمُواجهات السياسيّة والعسكريّة لخُصومها، وأصبحت تتبنّى سياسة جديدة عُنوانها الأبرز "تصفير المشاكل".
التّفسير الأبرز لهذا التحوّل الإماراتي يستند على تراجع قُوّة أمريكا، ونُفوذها، وانسِحابها التّدريجي من غرب اسيا والتّركيز على الخطرين الصيني في الشرق الأوسط، والروسي في وسط أوروبا (أوكرانيا)ولتعزيز سلاحها المالي، أيّ الإمارات التي تحتل المرتبة الثالثة بعد روسيا والسعوديّة في الصّادرات النفطيّة، تُخطّط حاليًّا لاستِثمار حواليّ 60 مِليار دولار في قِطاع الاستِكشافات والصّناعة النفطيّة لزيادة حصّتها إلى ما يَقرُب من أربعة ملايين برميل من الإنتاج يوميًّا لزيادة دخلها، وتسمين صندوقها السّيادي الذي يحتوي حاليًّا على 800 مِليار دولار أو أكثر، حسب آخر التّقديرات.
أمّا إذا انتقلنا إلى الزّيارة الثانية لعواصم دول مجلس التعاون الخليج الفارسي التي سيقوم بها ابن سلمان وللمرّة الأولى مُنذ انقِطاع عن السّفر لما يَقرُب من العامين، فإنّها تعكس ثقة، وانقلابًا في السّياسات السعوديّة، ومُحاولة لترميم النّفوذ السعودي المُتآكل في منطقة الخليج الفارسي والعالم، والبحث عن حُلولٍ ومخارج من الحرب اليمنيّة، ويُمكن ترجمة ذلك في النّقاط التالية:
اولا: التقارب من السّلطنة قد يكون مُقدّمة للتطلّع إلى دورٍ لها في المُصالحة لحلّ الخِلاف السعودي الإيراني، كبديلٍ للحِوار الإيراني السعودي الذي بدأ في بغداد، وإعجابًا بالسّياسة العُمانيّة الهادئة، وحرصها على المواقف الوسطيّة، وبُعدها عن سياسة المحاور والتطرّف في المواقف، سواءً في حرب اليمن، أو الخِلافات الإقليميّة، والعُلاقة مع إيران، ومن غير المُستبعد أن يتطوّر هذا الإعجاب من قِبَل بن سلمان إلى تطبيقٍ عمليّ جزئيّ أو كُلّي لهذا النّهج، والتخلّي عن سياسة المُواجهات والصّدامات الحاليّة التي أدّت إلى عُزلة المملكة.نُقطة التحوّل الرئيسيّة في خريطة التّحالفات يعود إلى هزيمتين؛ الأولى لأمريكا في أفغانستان، والثانية لإسرائيل في معركة "سيف القدس" الأخيرة في قطاع غزّة
ثانيا: من الواضح أن التحالف السعودي العُماني الجديد الذي يتجلّى في زيارة ابن سلمان، واختِيار سُلطان عُمان الجديد السيّد هيثم بن طارق آل سعيد الرياض كأوّل محطّة خارجيّة يزورها بعد تولّيه الحُكم، إن هذا التحالف يقوى ويترسّخ على شكل زيادة التعاون التجاري والمشاريع المُشتركة، وفي الخط البرّي الجديد الذي يربط البلدين ويمتدّ لأكثر من 800 كم عبر الرّبع الخالي، ويكسر عُزلة عُمان ويفتح أمامها المزيد من الحُريّة، فقبله كان هُناك طريق برّي وحيد أمام السّلطنة للتّواصل مع العواصم الخليجيّة ويمر عبر الإمارات، أمّا الطّريق الجديد فيلغي هذه القاعدة، ويُحَقِّق التّواصل المُباشر مع السعوديّة والدّول الأُخرى، إلى جانب ربط السّلطنة بسورية والعِراق ولبنان والأردن.
دول الخليج الفارسي وصلت إلى قناعةٍ راسخة مفادها أن لا الولايات المتحدة التي تتراجع كقُوّة عالميّة عُظمى، ولا إسرائيل، تستطيعان حِمايتها في السّنوات المُقبلة، ولهذا تتراجع عمليّة التّطبيع وسلام إبراهام، ويتقدّم الحِلف الإيراني العربي على الصُّعُد كافّة.. والأيّام بيننا.
/انتهى/
تعليقك