وكالة مهر للأنباء _ القسم العربي: قرابة السبع أعوام مضت على إعلان دول التحالف عدوانهم على اليمن من أمريكا، حربٌ همجيةٌ سُميت زوراً وبهتاناً ب"بعاصفة الحزم"، يبررونها بذرائع ليس لها أساس من الصحة، والهدف الأساسي هو ضرب وقتل هذا الشعب الكريم.
ونشهد في الفترة الأخيرة زيادة في كمية وحجم الغارات التي يشنها هذا التحالف، وأكبر تلك الغارات هي قضف السجن في صعدة الذي أسفر على استشهاد أكثر من 90 شخص وجرح المئآت، وأيضاً استهدفوا مركز الاتصالات في محافظة الحديدة غربي اليمن محاولين عزل اليمن عن العالم والانفراد به.
وعلى خلفية هذه الأحداث نظّم أبناء حركة الجهاد الإسلامي مظاهرة تندداً بالعدوان على اليمن مطالبين بوقف ما سُمي ب"عاصفة الحزم"، ووقف شلال الدماء اليمنية، تلك المظاهرة والدعوات التي لم تعجب من هم في فلك النظام الإماراتي والسعودي وغيرهم، وراحوا كعادتهم يتهمون حركة الجهاد الإسلامي بتهمٍ ما أنزل الله لها من سلطان.
وفي هذا الصدد نعرض لكم مقال أحد كوادر حركة الجهاد الإسلامي السيد "عرفات عبد الله أبو زايد" والذي أسهب في هذه القضية.
بهدوء.. ما هي مشكلتكم مع حركة الجهاد الإسلامي؟
جلست بالأمس في ساعة متأخرة من الليل، جلسة خاصة مع الذات، تجردت خلالها من انتمائي الحزبي والفكري، وراجعت مواقفي تجاه الأحداث التي جرت ولازالت تجري في محيطنا العربي والإسلامي خلال العقدين الأخيرين، وحاولت قدر الإمكان مراجعة الأحداث بكل دقة وموضوعية ووضعتها على الميزان، في الحقيقة لم أجد أي تباين جوهري في توجهاتي الذاتية وبين المواقف التي اتخذتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تجاه العديد من التطورات والأحداث التي جرت على المستوى المحلي والإقليمي.
موقفي هذا لم يكن موقف الفرد أو (الثُلة القليلة) فحسب، بل هو موقف يؤمن به الكثير من الشباب الغير منتمي بالأساس لحركة الجهاد الإسلامي والذين ألتقي بهم على مدار اليوم من كافة التيارات الفكرية المتنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولديهم إعجاب برؤية حركة الجهاد الإسلامي وبمواقفها الثابتة البعيدة عن المصالح أو ما يطلق عليه سياسياً البرغماتية.
تعتبر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين من أكثر الأحزاب تميزاً وثباتاً في أفكارها ومعتقداتها منذ نشأتها ولم يسجل عليها التاريخ القفز عن هذه الثوابت التي وضعتها لذاتها، وعلى الرغم من تحولات جمة عصفت بالقضية الفلسطينية والمنطقة إلا أن ذلك لم يفت بعضدها بل زادها قوة على التمسك بما تؤمن به، ولم تقم بالانقلاب على أفكارها ومبادئها، حيث أعلنت عبر وثيقتها السياسية في فبراير 2018 على أن فلسطين بالنسبة لها هي فلسطين التاريخية من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن رأس الناقورة شمالاً إلى خليج العقبة جنوباً، وحدة إقليمية واحدة لا تتجزأ، والحركة ذاتها رفضت المشاركة في الانتخابات العامة 1996-2006 باعتبار أن الانتخابات العامة جزء من افرازات أتفاق أوسلوا الذي ترفضه، كما يسجل للحركة النقطة المضيئة الأبرز وهي مبدأ حُرمة الدم الفلسطيني، وعلى الرغم من أن الحركة تُصنف بأنها من أكثر وأقوى القوى الفلسطينية امتلاكاً للسلاح على مستوى الكم والنوع بالإضافة للعديد من أبنائها المدربين عسكرياً بشكل لافت، بالإضافة إلى ابتعاد الحركة عن الانخراط بالخلافات الداخلية للدول العربية, باعتبار أن الأمة العربية والإسلامية هي عمق رئيس للقضية الفلسطينية لا يمكن التخلي عنه, فهي تؤمن بأن تحرير فلسطين لا يتحقق إلا عبر جهد من كافة مكونات الأمة، وسعت الحركة لاستمرار جذوة الصراع مشتعلة مع العدو الصهيوني للإبقاء على حالة الاستنزاف للعدو الصهيوني، ولهذا الجانب أعدت الحركة جيشاً من المجاهدين القادرين على تقديم الغالي والنفيس لأجل هذه الأرض المباركة، لا غاية لهم غير ذلك، فالحركة لا تطمح لمغنم سياسي ولا لجماهير تستخدمهم كأوراق توضع في صناديق الاقتراع لأي معركة سياسية قادمة, فأهداف الحركة واضحة جداً.
عززت الحركة مبدأ رئيس مبني على قاعدة "قربنا من الاخرين بمدى قربهم من فلسطين" والذي يمثل عنوان رئيس لسلسلة تحالفات الحركة بالمنطقة وعليه أصبحت علاقة الحركة مع حلفاءها أكثر متانة وقوة وتتميز بالاحترام والتقدير المتبادل، على قاعدة أنه فرض على الأمة أن تدعم المقاومة وتشارك بتحرير فلسطين، وليس على قاعدة ان تكون المقاومة في جيب أحد.
وعلى الرغم من المواقف المشرفة لحركة الجهاد الإسلامي على المستوى الوطني في قيادة المقاومة الفلسطينية وخوضها العديد من جولات القتال العسكرية مع العدو الصهيوني بشكل منفرد بهدف منع العدو من الاستفراد بجزء من الوطن أو بهدف تغيير قواعد الاشتباك، وسعي الحركة تجنيب القضية الفلسطينية التجاذبات والأزمات الداخلية للبلدان العربية، إلا أن هناك من يثير علامات استفهام كبيرة في تعاطيه مع الحركة ومواقفها، ولهذا يتشكل التساؤل الرئيس عن طبيعة مشكلتهم مع حركة الجهاد الإسلامي.
لم أستغرب كثيراً مواقف العديد من الأقلام التي برزت بشكل يبدو منظماً وممنهجاً ضد حركة الجهاد الإسلامي عقب تنظيمها مسيرة جماهيرية حاشدة في غزة دعماً لإنهاء حرب "التحالف العربي" على اليمن، باعتبار أن هذه الحرب هي عبثية ولا يستفيد منها سوى أعداء الأمة، وجاءت المسيرة عقب تقارير أممية تحدثت عن سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء في صنعاء وصعدة وعدد من المحافظات اليمنية، والحركة في بيانها الرسمي وكلمتها الرئيسية خلال المسيرة لم تخرج عن سياق الخطاب السياسي المتزن والواعي والذي طالب بضرورة وضع حد لما أسمته الحركة بالحرب العبثية, وهو ذات الخطاب الذي تنادي به بالأساس الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
في الواقع هناك أقلام مألوف عليها مهاجمة حركة الجهاد الإسلامي تجاه كل موقف تأخذه الحركة، وحتى أكون دقيقاً بشكل أعمق، هناك من يهاجم كل موقف يتناوله الأمين العام للحركة المجاهد القائد زياد النخالة، بداية من رؤيته لتكريس مبدأ المشاغلة مع العدو، أو الحديث عن الأوضاع الداخلية الفلسطينية، أو العلاقات الفلسطينية مع العالم الخارجي، أو موقفه من الأموال القطرية التي تأتي عبر المطارات الصهيونية ويتم توزيعها بقرار صهيوني، فهناك من ينبري لمهاجمة كل موقف يتبناه الرجل، وهذا لم يعد شيئاً مخفياً أو عشوائياً، بمعنى أن مشكلتهم الأولى تتعلق بصراحة ووضوح أمين عام الجهاد الإسلامي وشعورهم بالضيق من الرجل ومواقفه الجريئة التي تجاوزت حدود عقولهم التي تعتمد على تضليل المواطنين في كل ما يخص القضية، وجاء الرجل ليكون صريحاً في أدق التفاصيل مع أبناء شعبه على غير عادة نظرائه في القوى والفصائل الأخرى، وهذه تمثل المشكلة الأبرز والأكبر لهم مع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
موقف حركة الجهاد الإسلامي هو موقف الإسلام المحمدي الأصيل
والمثير هو بعض المواقف التي صدرت عقب المسيرة الجماهيرية الحاشدة بغزة للمطالبة بوقف الحرب العبثية على الشعب اليمني, حيث ظهر وأن البعض يريد بيع مواقف في مزايدة أقل ما يقال عنها بأنها سطحية, خاصة وأنه من باب الأخلاق والوفاء للشعب اليمني أن يتم الخروج في مسيرة ضد الظلم الواقع عليهم، بسبب الموقف اليمني الأصيل تجاه القضية الفلسطينية, فالشعب اليمني يخرج بالملايين دعماً للقضية الفلسطينية بشكل دائم، والشعب اليمني الذي تبرع بقوت أولاده وهم بأمس الحاجة له لدعم المقاومة الفلسطينية عقب معركة سيف القدس، ولا يمكن اغفال المبادرة التي أعلنها الجيش اليمني على السعودية وهي القيام بعملية تبادل يتم على إثرها الإفراج عن ضباط سعوديين لديهم مقابل افراج السعودية عن كوادر المقاومة المعتقلين لديها وعلى رأسهم الشيخ محمد الخضري، لذا فإن هذه المسيرة التي خرجت بغزة هي أقل الواجب تجاه المواقف الصادقة من شعب صادق يعشق فلسطين ومقاومتها.
وفي إطار المشاركة في بازار المصالح جاء بيان السفارة الفلسطينية في السعودية بطريقة أقل ما توصف بأنها مخزية وتعبر بشكل واضح عن درجة الانحدار الذي وصلت اليه تحديداً وزارة الخارجية الفلسطينية، حيث وصف البيان حركة الجهاد الإسلامي ومن خرجوا بالمسيرة بغزة بأنهم " مرتزقة – مثيري فتنة – حركة ولدت ميتة – عملاء – باعوا أنفسهم للشيطان -.. إلخ" من الألفاظ التي لا تليق أن تخرج في بيان من جهة تمثل رأس الدبلوماسية في أي حكومة، فهذه الجرأة والتخطي لكل حدود الأدب والأخلاق لم نراها يوماً ما في بيان ضد العدو الصهيوني الذي يمارس كافة أشكال القتل والبلطجة تجاه شعبنا في كل مكان، حتى هذه اللغة واللهجة المخزية لم نرى جزء منها تجاه دول التطبيع التي فتحت أبوابها أمام العدو الصهيوني، ولكن كما يبدو أن المصالح هي من تتحكم في العلاقات مع بعض الدول خاصة دول النفط التي تستطيع شراء ذمم الكثير من السياسيين والمسؤولين.
ومن الواضح أن مشكلة الأخرين مع حركة الجهاد الإسلامي تكمن في عدم انزلاقها في المستنقع الذي وقعوا به، فهي لازالت محافظة على كينونتها وذاتها على مستوى العمل المقاوم وتشكيلها صمام أمان داخلي, وكذلك ابتعادها عن التدخل والمشاركة بشكل فج وعبثي في خلافات الأمة الداخلية، وعلى الرغم من محاولة البعض القيام بعملية تشويه ممنهجة لأهداف حزبية بحتة، فإن حركة الجهاد الإسلامي تعلم تماماً بأن التاريخ ينصفها والشرفاء والعقلاء من هذه الأمة يقفوا بجوارها وخلفها، ويدعموا توجهات قيادتها بكل قوة، فالحركة ترفض الانسلاخ عن عمقها العربي والإسلامي، وترفض خلق عدو بديل للأمة عن العدو الصهيوني، وترفض إزهاق وتفتيت طاقة الأمة وما تمتلكه من مقومات ومقدرات في أتون حروب عبثية، وهذا الموقف إنما هو موقف الإسلام المحمدي الأصيل.
/انتهى/
تعليقك