وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: في احدى الصحف العبرية قال رونين بيرغمان: لقد توصلت سلسلة من المحادثات مع كبار الشخصيات في المؤسسة الأمنية والجيش وأجهزة الاستخبارات، على مدى الأسبوعين الماضيين، إلى استنتاجات قاتمة، إن الجيش "الإسرائيلي" يخوض حملة يعرف أنها لا يمكن أن تحقق أحد أهدافه المتمثل في إطلاق سراح الأسرى، ونظراً للثمن الباهظ المتمثل في السيطرة العسكرية والحكم في قطاع غزة لسنوات، هناك من بين قياداته يشكك في جدوى تحقيق الهدف الثاني وهو هزيمة حماس.
والعنوان الرئيس هو ان نتنياهو "يعود إلى نقطة الصفر"، وبأن نهاية الحكومات في" إسرائيل" تبدأ بالتفكك الداخلي. هذه حقيقة تعلمناها على مدى 77 عاماً.
حول هذه العناوين وغيرها، أجرت مراسلتنا الاستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع، المتخصص في الشؤون الصهيونية، الكاتب الاستاذ علي حيدر، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
حظي الوضع الداخلي في كيان الاحتلال بالكثير من الاهتمام الاعلامي والسياسي في الاشهر الماضية.. ومع ذلك فهو لا يزال رهن الأسئلة والتساؤلات، وفي مقدمة ذلك عن طبيعة هذا التوحش والتمادي في خرق القوانين واستسهال القتل والابادة الجماعية، فما سبب ذلك برأيكم وهل هو الخوف والقلق الوجودي كما يشيع نتنياهو ام هي استراتيجية تعتمد على مفاهيم استعمارية قديمة؟
ينبغي التمييز بين عدة عناوين، الصراعات الداخلية ومنابعها ومفاعيلها، ومساحة الاجماع ازاء السياسة الاجرامية تجاه الفلسطينيين، وايضا مساحة التداخل بين الامرين المشار اليهما.
على المستوى الداخلي، تتعدد منابع الانقسامات والخلافات الداخلية بين ايديولوجية وبين الموقف من شخص نتنياهو المتهم بالفساد الذي يمارس عمليا التفرد في الحكم. لذلك هناك خلافات تتمحور حول الصراع على هوية المجتمع والدولة، ومعها وبشكل مستقل عنها ايضا، الموقف من استمرار حكم نتنياهو. رغم ذلك، هناك ما يشبه الاجماع على سياسة الجرائم تجاه الفلسطينيين. بل نجد من المعارضين من يزايد على نتنياهو في العديد من القضايا بما فيها الفلسطينية.
لكن في الاشهر الاخيرة، تبين أن استمرار الحرب أصبح مرهونا بمصالح نتنياهو الشخصية أكثر من كونها تجسيد لمصالح اسرائيلية. خاصة وأن جيش العدو استنفذ الرهان على تحقيق اهدافه المؤملة. وانطلاقاً من ذلك تنبع معارضة بعض المعارضين لاستمرار الحرب.
في الخلاصة هناك مستوى من التعقيد بفعل تعدد المساحات وتداخلها بين السياسات العملياتية العدوانية وبين الحسابات الشخصية الداخلية. وفي الداخل هناك مساحات خلاف ايديولوجية بالمعنى المشار اليه اعلاه، ومساحات تقاطع وتطابق.
من اللافت ايضا في الاشهر الماضية التركيز على صراع القوى السياسية داخل كيان الاحتلال، وبلوغه حد الاتهامات الشخصية وخصوصا ضد نتنياهو وبعض رموز القوى الدينية الصهيونية المتعصبة، فهل هذا الصراع هو خلاف على مقاربة الازمة والحرب على الشعب الفلسطيني، ام انها مجرد تنافس لاستغلال اللحظة من اجل الوصول الى السلطة؟ بمعنى هل ترى اختلافا حقيقيا حول مقاربة الشأن الفلسطيني بين القوى السياسية داخل الكيان ؟
من الجيد التمييز في السؤال بين الصراعات الناتجة عن التنافس على السلطة، وبين الصراعات الايديولوجية والسياسية. خاصة أن الخلافات هي نتيجة الامرين معاً. ويختلف منسوب كل منها بحسب الطرف المعني. ولكن فيما يتعلق بالموقف من الشعب الفلسطيني، هناك تقديرات متباينة حول مصالح اسرائيل وما إن كانت تتحقق بالسيطرة على الضفة والقطاع، أم بالانفصال عنهم، بشكل يكرس الهيمنة الصهيونية. خاصة وأن جميع التيارات الصهيونية يتفقون على أن فلسطين هي حق لليهود، وفق مسمى أرض اسرائيل. وهو أمر ورد ايضا في قانون القومية اليهودية الذي يؤكد على حق السيادة على كل ارض اسرائيل بحسب زعمهم. والتعامل مع الفلسطينيين كما لو أنها جالية متواجدة على ارض اسرائيل.
من جهة أخرى، هناك صراعات ليست إلا بفعل التنافس على السلطة، بمعنى أنه لو وصل فلان أو فلان الى السلطة لكان يمكن أن ينفذ سياسة نتنياهو. وكمثال عملي، يبرز حاليا منافس جدي لنتنياهو من خارج الليكود، نفتالي بينت. وهو شخصية يمينية تطالب بضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية منذ سنوات، وتحديدا مناطق ج التي تشكل 60% من الضفة.
ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين العصابات الصهيونية التي تحتل فلسطين والنخب الاميركية التي تتحكم بأمريكا والعالم؟ ولماذا لا تزال الصهيونية المتوحشة قادرة على التحكم بمفاصل الادارة الاميركية ومجمل المؤسسات في الولايات المتحدة، رغم انها خسرت الكثير من التعاطف على مستوى الرأي العام والنخب الشبابية في الجامعات الاميركية ؟
تتسم العلاقات بين الولايات المتحدة والعدو الاسرائيلي بخصوصية لا تشبه العلاقات بين أي دولتين في العالم. رغم أن الاولى دولة عظمى بحجم الهيمنة على العالم. والثانية ليست إلا كيان اقليمي. ومع ذلك هناك قدر من تأثير الثانية على خيارات وسياسات واشنطن. وهو أمر يتم نتيجة تركيبة الولايات المتحدة التي يتمتع فيها اللوبي الاسرائيلي بهامش من الحرية والتأثير.
لكن ما يحاول هذا اللوبي الترويج له هو أن مصالح الولايات المتحدة تتساوق بالمطلق، تقريبا، مع دعم اسرائيل ومن خلال تحقيق المصالح والسياسات الاسرائيلية.
في المقابل، ينبغي عدم اغفال أن ذلك يتم بارادة اميركية وضمن الهامش المسموح لهم. أضف أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ترتكز الى وجود اسرائيل وتفوقها وسياساتها. والاهم ينبغي عدم السقوط في فخ الاعتقاد كما لو أن اسرائيل هي التي تحكم الولايات المتحدة وأن الاخيرة تابعة للأولى. ومما يؤشر على هذا الاتجاه الان، هو مواقف ترامب وسياساته التي لا تتوافق مع اراء نتنياهو إن لجهة المفاوضات مع ايران أو امكانية التوصل الى اتفاق معها.
الى اي حد يبدو لكم الصراع المكشوف بين نتنياهو والقيادات العسكرية والامنية في كيان الاحتلال، جديا وعميقًا، ولماذا يظهر عدد من السياسيين الصهاينة اكثر تطرفا ورغبة بالحرب من العسكريين، وهل يريد نتنياهو اعادة تشكيل الدولة مستفيدا من انزياح المجتمع الصهيوني نحو التطرف والعنصرية ؟
على المستوى القانوني تلعب المنظومة الامنية والعسكرية دور التقدير وتقديم المشورة والسيناريوهات أمام المستوى السياسي اضافة الى توصياتها في القضية المطروحة. لكن القرار النهائي هو بيد المستوى السياسي. ومن الطبيعي أن نشهد تباينا في الاراء والتقديرات. خاصة وأن القيادات العسكرية والاستخبارية تنطلق في مواقفها من زاوية أمنية وعسكرية فيما اعتبارات القيادة السياسية أوسع ويدخل فيها ايضا العامل الايديولوجي.
في المقابل، للقيادات العسكرية قدر من التأثير تتفاوت بحسب القضية المطروحة والقيادات السياسية الماثلة أمامها. وما نشهده اليوم في كيان العدو قد يكون غير مسبوق لجهة فرض القيادات السياسية قراراتها وتوجهاتها على المستوى العسكري. الى حد خوض حرب اعلامية ضدهم على خلفية تقاذف المسؤوليات بينهما ازاء ما حصل في السابع من اكتوبر 2023.
من جهة أخرى، تتقاطع أحزاب الحكومة الحالية حول ضرورة احداث تغيير في مؤسسات الكيان الادارية والقضائية. وتهدف من خلال ذلك الى السيطرة على المحكمة العليا وعلى الجهاز الاداري للدولة، من أجل اعادة بناء الدولة وفق ايديولوجيتهم اليمينية والدينية ايضا."
لا شك ان طوفان الاقصى فجر الكثير من الخفايا في المجتمع الصهيوني وكشف العمق المتوحش لهذا المجتمع.. هل ترى انه يمكن ضبط هذا الانفلات وتحويله فقط ضد الاخر الفلسطيني والعربي من خلال استمرار الحرب وتصعيدها؟ ام ان هناك امكانية لانفجار هذا العنف والتوحش على شكلٍ حرب اهلية بين الصهاينة انفسهم؟
حتى الان لا يزال الاندفاع الاجرامي موجها نحو الفلسطينيين، ويعمل نتنياهو على اطالة أمد الحرب بأقصى ما يستطيع لحسابات متعددة من ضمنها حساباته الذاتية والسياسية الداخلية. لكن هذا الامر سيتوقف في محطة ما... وعندها ستعود الانقسامات الداخلية للظهور مجدداً بمستويات أشد خطورة مما عليه الان. وفي التقدير العام، فإن هذا الصراع مفتوح على سيناريوهات متعددة من ضمنها احتدامه الى مستويات خطرة، بما فيها الحرب الاهلية. لكن هذا السيناريو واحد من ضمن سيناريوهات مرتبطة بالعديد من المتغيرات وعلى مدى زمني أبعد. لكن الامور غير محصورة بين الحرب الاهلية أو لا شيء. إذ أن هناك مستويات من الصراع خطرة ايضا هي دون ذلك.
لم يكن عندنا شك على الاطلاق في ما يقوله سماحة القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله)، وما كان يردده شهيد الامة المقدس سماحة السيد حسن نصرالله من حتمية زوال هذا الكيان .. بل ان كيان الاحتلال المؤقت هو في حال انحدار سريع نحو الزوال القريب باذن الله، كيف نقرأ حقيقة هذا الكيان الهش رغم ما يظهر به من مظاهر القوة والسيطرة؟ وما علامات الانهيار في واقعه الفعلي التي يتستر عليها بهذا التوحش والتمادي بارتكاب المجازر؟
إن حتمية زوال هذا الكيان تقتضيها السنن التاريخية. ولذلك لا مفر منها. وانما يمكن للشعوب أن تقصر عمره أو تطيله، بحسب مدى استجابتها وتلبيتها لواجبها. بالتوازي إن هشاشة هذا الكيان تنبع من تركيبة مجتمعه ومن كونه كيان محتل. ولا يتعارض ذلك مع امتلاكه القدرات العسكرية والتكنولوجية المتطورة.
مع ذلك، فإن مستقبل هذا الكيان مرهون بظروفه الذاتية والخارجية المرتبطة بموقف وخيارات الشعوب العربية والاسلامية وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني. اضافة الى عوامل دولية واقليمية. وبالمقارنة مع ما كان عليه الواقع قبل عشرات السنين الواضح أن هناك تقدم ملحوظ باتجاه تحرير فلسطين. ولا يغير في الاتجاه العام تحقيق هذا الكيان انجازات في جولات محددة. وهو أمر لا يخرج عن السنن الحاكمة لهذا المسار. واما بخصوص المؤشرات فهي مرتبطة بالتحولات التي شهدتها البيئات المتعددة، الداخلية الاسرائيلية والفلسطينية العربية والاسلامية والدولية اضافة الى البيئة العملياتية التي تشهد تطورات في عناصر القوة التي في حال تكاملت وتطورت سيكون لها الكلمة الفصل في هذا الاتجاه.
/انتهى/
تعليقك