وکالة مهر للأنباء- جواد فراهاني: انه خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت المنطقة تطورات هامة وكثيرة مترابطة بعضهما البعض، بدءا من استمرار الإبادة الجماعية في غزة، وانتهاك وقف إطلاق النار في لبنان، مرورا بشن الحرب العدوانية الصهيونية الأميركية على إيران، وصولا الى يومنا هذا الذي قامت فيه الترويكا الأوروبية بتفعيل آلية الزناد أو السنابك ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وفي هذا الإطار و بهدف مناقشة التطورات الاخيرة خاصة قيام الدول الاروبية بتفيعل آلية الزناد ضد ايران بهدف اعادة العقوبات الاممية عليها، اجرينا مقابلة مصورا مع الاستاذ الدكتور غسان ملحم، استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، نقدم فيما يلي تفاصيل المقابلة:
ما هي رأيك بشأن الالية السنابك من قبل الاوروبيين؟ هل كان يحق لهذه الدول تنفيذ هذه الالية؟
ربما علينا في البداية الإشارة إلى أن سياسة العقوبات في الأساس هي في القانون الدولي عبارة عن إجراءات والتدابير زجرية أحادية الجانب، وهي بالتالي جائرة وظالمة لأنها تؤدي إلى إلحاق الأذى بالشعوب. من هنا لا بد من أن نبدأ بأن نؤكد على أن سياسة العقوبات هي بالتأكيد مخالفة ومناقضة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، بمعنى أنها إجراءات والتدابير غير قانونية، غير شرعية وغير مشروعة في العلاقات الدولية. هذا لا يجوز في الأساس التسليم بهذا المنطق الذي يقوم على أساس اللجوء والركود إلى العقوبات والحصار على إيران وعلى الشعب في إيران لأسباب ولأغراض سياسية.
اما بالنسبة لألية الزناد، فعلينا أن نقول التالي: إيران بعد العدوان الغادر الذي تعرضت له من قبل أمريكا وإسرائيل، هي صراحة ظلت منفتحة على الأوروبيين، حتى عندما بدأ الأمريكيون، وإن كان ذلك ضمن إطار الخداع الإستراتيجي، حتى عندما قام الأمريكيون بالتفاوض مع الإيرانيين خارج إطار التنسيق مع الأوروبيين، طهران من جانبها جانبه لم تتوانى عن التواصل والتنسيق مع الأوروبيين كما بقية القوى الدولية والإقليمية، لا سيما أيضا موسكو وبكين. إذن إيران قامت بما عليها حيال الجانب الأوروبي، وهي لم تربط علاقتها بالأوروبيين، وكذلك مفاوضاتها مع الأوروبيين بمسار ومصير المفاوضات مع الأميركيين. كان يفترض في المقابل للأوروبيين أن يتعاملوا وأن يتعاطوا مع طهران بذات هذه الروح الإيجابية لإيجاد حلول تكون معقولة ومقبولة للطرفين. إذا، من هنا، نحن نقول بالفم المليان أنه لا يحق للأوروبيين على الإطلاق اللجوء إلى اتخاذ مثل هذا القرار ومثل هذه الخطوة، لانها لا تسيء فقط الى العلاقات البينية الاوروبية الايرانية، بل انها ايضا ترتد سلبا على صورة اوروبا بالدرجة الاولى، وكذلك مصالح أوروبا، سواء كانت المصالح المشتركة والمتبادلة مع ايران او بقية مصالحها في المنطقة. لذلك أختم بأن أقول لدى الرد على هذا السؤال بأنه من جديد تخطئ اوروبا في خياراتها ورهاناتها، وهو الأمر الذي يجعلني أعيد التأكيد على أنه على ما يبدو الموقف الأوروبي وبات يتبع بالكامل، وربما ملحقا بالإرادة الأميركية والموقف العملي.
ما هي أهم الإجراءات التي يجب على إيران اتخاذها خلال هذه الأيام الثلاثين المقبلة التي امامها لمنع تفعيل الى الية الزناد وعودة السريعة للعقوبات؟!
.
سأجيب على هذا السؤال على النحو التالي. على ما يبدو أن الامريكيين، وكذلك ايضا الاوروبيين، لا يأخذون بعين الاعتبار المرونة والانفتاح في الموقف الايراني والتوجه الإيراني بالتوازي مع الثبات وكذلك التماسك من قبل طهران. يعني إيران هي حاسمة وحازمة فيما يتعلق بحقوقهم وطموحاتها المشروعة، ولكن بذات الوقت حقيقة من خلال الملاحظة العلمية, ليست متعنتة وليست متصلبة أو متشددة في الموقف بطريقة دعني أقول أنها عبثية على الإطلاق. الآن بعد أن قامت أوروبا من جديد بإتخاذ خطوة تصعيدية إتجاه إيران، وهي على ما يبدو معطوفة على العدوان الغادر لأمريكا وإسرائيل على إيران أيضا. أعتقد أنه في السياسة الدولية وكذلك في القانون الدولي بات من حق إيران، وهي ربما بدأت بذلك سابقا بإجراء مراجعة لسياستها الخارجية فيما يتعلق بهذه الجزئية، بمعنى كيفية التعامل والتعاطي مع القوى الغربية لدى الإدارة من قبل، ليس فقط الخارجية الإيرانية بل كل الحكومة الإيرانية وكذلك المرجعية العليا كيفية الإدارة لهذا الملف.
نحن نقول أنه في القانون الدولي. من حق إيران ربما تعليق المفاوضات الأن مع الأوروبيين لحين التراجع عن هذه الخطوة على اعتبار أنها غير مسؤولة. أنا لا أقول بأنها غير مدروسة وغير مسؤولة، ولكن قيام الاوروبيين بمثل هذه الخطوة الان هو تصرف غير مسؤول وهو لا يليق بالتعاملات الدولية والعلاقات الدولية. إيران تبدي استعدادا للتفاوض مع الاوروبيين، فأغلبهم يتصرفون بهذه الطريقة التي تسيء إلى أوروبا قبل أن تسيء إلى أي أحد أخر. ثانيا أعتقد أن اليوم هناك جلسة للبرلمان الإيراني، مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للبحث في مسألة تعليق مشاركة طهران في أو الانسحاب من معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
أيضا هنا أنا أتحدث بلغة القانون الدولي وأقول انه بحال سوف يستمر التعامل والتعاطي من قبل القوى الغربية الأوروبيين والأميركيين على السواء على هذا المنوال مع الإيرانيين، حقيقة علينا أن نقول بالفم الملئان أنه بات من حق طهران إذن أن تنسحب من هذه المعاهدة الدولية التي لم تكفل لها بحسب مبادئ القانون الدولي وأحكام القانون الدولي، الحد الأدنى من حقوقها في الاستمرار في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية ومدنية غير عسكرية. ما هو جدوى حين ذاك؟ ما هو جدوى بقاء في هذه المعاهدة، والاستمرار في التفاوض مع الاوروبيين، أو حتى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالذات، او حتى مع الاميركيين بطريقة غير مباشرة، طالما أن الجانب الاخر، الجانب الغربي العربي لا يتصرف بذات الروحية من المسؤولية لدى مقاربة هذا الملف الحساس والدقيق.
إذا تقررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية انسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما هي تداعياتها السلبية وأثرها الإيجابي لكلا الجانبين؟
سأتحدث هنا كخبير في العلاقات الدولية وكذلك في القانون الدولي. لا بد من القول بالبداية أنه حقيقة وللإنصاف بات من حق إيران أقل التفكير في الخروج من هذه المعاهدة، وكذلك ربما تعليق التعاون بالكامل مع الوكالة الدولية، لأنها أبدت إيران، بما لديها من خلال الشواهد الحية السابقة، أنها مستعدة للتواصل والتعاون والتنسيق مع هذه الهيئات والمرجعيات الدولية، وكذلك القوى الدولية الوازنة والفاعلة..اليوم بات من حقها قانونا أن تنسحب. هذا أولا، علينا تثبيت هذا الحق، ولو من الناحية المبدئية والنظرية، بصرف النظر عما إذا اتخذت القيادة السياسية الإيرانية القيادة العليا، وكذلك البرلمان وبقية أركان السلطة والحكم في تركيبة النظام في إيران، بصرف النظر عما إذا قامت باتخاذ هذه الخطوة أو بالإقدام على هذه الخطوة، لكن تثبيت هذا الحق هو لا بد منه في هذا التوقيت وفي هذه اللحظة..يعني لا يستطيع أي أحد في المنطقة وفي العالم وكذلك في الغالب أن يأخذ على إيران مثلا أن يصدر لاحقا أو قريبا قرار يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية، ومن ثم الانسحاب من معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
يبقى الشق الثاني من السؤال طيب إلى ما قد يؤدي ذلك؟ هنا علينا أن نقول التالي أيضا وأن مصالح الناس.. العدوان الغادر الذي قامت به كل من تل أبيب وواشنطن سابقا على طهران هو غير مقبول، وهو يندرج كما كتبنا في أكثر من منصة بأنه يندرج في خانة الخداع الاستراتيجي، وهي نظرية في العلاقات الدولية، وكذلك التضليل الاستراتيجي، وهي أيضا نظرية في العلاقات الدولية.
واشنطن خدعت طهران وكذلك تل أبيب وكانتا تحضران لهذه الحرب ولهذا العدوان. إذن علينا بالعودة إلى هذه التجربة وطالما أن النوايا المبيتة والمضمرة باتت مكشوفة ومعلنة، أن لا نستبعد أن يقوم أحد ما، لست أدري ما إذا كانت إسرائيل أو إسرائيل وأمريكا، الذهاب بالجديد نحو جولة جديدة من العنف غير المبرر وغير المقبول، لا قانونيا ولا حتى إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا. ولكنني أؤكد على الناحية القانونية لا يجوز لأي كان لا إسرائيل ولا أمريكا ولا حتى أوروبا معهما التفكير بالذهاب نحو العدوان من جديد، وجولة جديدة من الحرب لأسباب سياسية، لأنه في الأساس لا للولايات المتحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لإسرائيل بالتبعية في التصرف بهذه الطريقة مع إيران، وكأن هذه القوى الدولية والإقليمية هي المعنية بمعاقبة بقية الفاعلين الدوليين، في حين أن هم ليسوا في هذا الموقع لا يحق لهم ذلك. هذا أولا.
ثانيا إيران لم ترتكب أي خطأ سياسي أو أية جريمة في مخالفة للقانون الدولي كي يتصدى أيا كان لإيران ويقول بأنها تخالف القانون الدولي أو ما إلى ذلك. إذا علينا هنا أن نتنبه إلى الأدبيات السياسية، وكذلك الخطاب السياسي للقوى الغربية، لأنه يكتنفه الكثير الكثير من الأضاليل والأباطيل والمزاعم الكاذبة والأكاذيب مع الأسف. إذا بحال إيران ذهبت نحو وهي حقيقة -ربما أختم الإجابة على هذا السؤال بهذه الجزئية- إيران طيلة الفترة السابقة كانت صامدة وكانت متماسكة، وكانت ثابتة على مواقفها وعلى ثوابتها، وهي في كل ذلك محقة شاء من شاء وأبى من أبى..نحن نقول الحقيقة كما هي..إيران أيضا تستمر في هذا الصمود والثبات والتماسك، وهي تدفع الثمن في كل يوم، في خياراتها، في رهاناتها، في الدفاع عن حقوق ومصالح شعبها، وكذلك في الوقوف إلى جانب القضايا المنصفة لشعوب المنطقة، فمن البديهي أن ندعو إيران بالتالي إلى أن تأخذ بعين الاعتبار على محمل الجد التهديدات الإسرائيلية.
هل ترى حضرتك احتمالية لاندلاع حرب جديدة من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد إيران؟!
نحن في العلاقات الدولية عادة نتعامل مع الوقائع والحقائق، ونحاول قدر الإمكان الابتعاد عن التكهن أو حتى مجرد التنبؤ ولذلك نقول التالي: هذا الاحتمال، أو هذه الفرضية هما بالتأكيد هما بالتأكيد بلغة الواقعية السياسية، قائمتان أقل من الناحية النظرية أن هناك احتمال جدي في أن تقوم إسرائيل ومعها أمريكا بجولة ثانية من العدوان كما أقول الغادر وغير المبرر، وكذلك المدان والمستنكر على إيران..لا أحد يستطيع أن يجزم بحتمية وقوع هذه الحرب لأنه ثمة تعقيدات وكذلك قيود والصعوبات قد تجعل اتخاذ مثل هذا القرار ليس فقط متهور وغير مدروس وغير محسوب، بل ربما يؤدي أيضا إلى نتائج وخيمة. ولكن بحال، هنا لا بد من التأكيد على المعادلة التالية في حال قامت كل من اسرائيل وأميركا بالاعتداء من جديد وللمرة الثانية على إيران بطريقة غادرة وسافرة ومخالفة ومناقضة للقانون الدولي، فعلينا من الان أن نؤكد أن هذا العدوان هو كذلك هو عدوان موصوف بحسب القانون الدولي الجنائي، هو مدان وهو مستنكر، وأن نؤكد بالتالي أنه من حق إيران بحسب ميثاق هيئة الأمم المتحدة في المادة 61 أن تدافع عن نفسها، إذن نحن نتحدث عن الحق المشروع في الدفاع عن النفس وكذلك الحق الطبيعي في القانون الدولي، نحن نقول الحق الطبيعي بمعنى أنه حق أصيل ومتأصل في مواجهة العدوان الأجنبي من قبل دول أجنبية.
أنا أحيل المشاهدين والمستمعين على نص المادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، لأنه لا يجوز لقادة الرأي من أساتذة الجامعات وكذلك الصحفيين والإعلاميين التهاون في التعامل والتعاطي مع مثل هذا التطور فيما لو حدث بصورة طارئة لا بد من ادانته واستنكاره وعدم التسليم بانه بامكان امريكا واسرائيل دون سواهما في العالم والمنطقة القيام بأية حرب أو القيام بأي عدوان لمجرد انهما قوتان متغطرسة، في حين انهما قوتان نوويتان بخلاف معاهدة حظر انتشار اسلحة الدمار الشامل.
برأيكم هل لهذه العقوبات التي ستعود على ايران العقوبات الأممية وفق اليات السنابك، اثار سلبية وجدية على الاقتصاد الايراني والشعب الايراني، ام اكثر من ان تكون لها اثار حقيقية تكون اثارها نفسية؟
يعني الإجابة على هذا السؤال ربما تتضمن شقين..الشق الأول لا بد من القول بكل صراحة بلغة الواقعية السياسية كما أسلفت منذ بعض الوقت، بأنه بطبيعة الحال من المنطقي ومن البديهي التسليم بأن من شأن هذه العقوبات الجائرة والظالمة أن تؤدي إلى إلحاق الأذى بإيران وبالشعب الإيراني، وكذلك الاقتصاد في إيران من الناحية الاقتصادية على المصالح الاقتصادية للشعب الإيراني، وكذلك من الناحية النفسية، أنا أعتقد من معرفتي بالاطلاع على هذه التجربة، سواء كانت تجربة الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية في إيران أو التجربة الإيرانية ككل، هذه التجربة الوطنية والقومية الإيرانية، حتى وإن أدى ذلك إلى ارتدادات سلبية من ناحية السيكولوجيا السياسية، بمعنى زيادة الضغوط على كل إيران، القيادة، والحكومة والجيش والقوات المسلحة، والشعب والرأي العام، عامة الناس، ولكن مع ذلك الشعب الإيراني أثبت طيلة العقود الماضية وكذلك إبان العدوان الأخير بأنه شعب نحن نقول عنه بأنه جدير بالحياة، بمعنى أنه يتمسك بما يسمى في العلوم السياسية بالكرامة الوطنية، وبالتالي هو لن ينصاع لمثل هذه العقوبات، وعلى القوى الغربية أن تتوقع في المقابل المزيد من الصلابة في الموقف الإيراني تحت وطأة هذه الضغوط التي تزداد مجددا على الإيرانيين.
ويبقى حين أختم بأن أقول بأنه لا يجوز لا من قريب ولا من بعيد، طالما أننا نتحدث عن الاثار السلبية لهذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني والشعب الإيراني، وكذلك الجبهة الداخلية الإيرانية والجبهة المعنوية الإيرانية، كما نقول في العلاقات الدولية، لا يجوز على الإطلاق إغفال أنها جريمة ترتكب بحق الشعب في إيران، وهي جريمة موصوفة. هو اعتداء موصوف لأنها في الأساس تخالف القانون الدولي، وهي سوف تقود إلى نتائج عكسية كما في كل مرة الى نتائج عكسية لناحية صلابة وتماسك وصمود الموقف الإيراني في مقابل هذه الضغوط والاعتداءات وهذه الانتهاكات الفاضحة والصريحة لكل المواثيق الدولية من ضمن القانون الدولي.
/انتهى/
تعليقك