وكالة مهر للأنباء: في الأحياء المدمّرة المطلة على البحر، يتسلل الهواء البارد عبر الخيام البالية، فيما يتردد صدى خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب كصوت بعيد من الضفة الأخرى للمحيط.
الخطة المؤلفة من عشرين نقطة، أعلنها ترامب في 29 سبتمبر الماضي خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، متعهدا بتهدئة تدريجية، وانسحاب إسرائيلي من غزة، وإطلاق عملية إعادة إعمار بتمويل دولي. لكنها، بحسب مراقبين، جاءت بلا جدول زمني أو آلية تنفيذ واضحة.
وعلى الرغم من ذلك أبدت حركة حماس مساء الثالث من أكتوبر الجاري، استعدادها لبدء مفاوضات فورية عبر وسطاء لتنفيذ الخطة والإفراج عن جميع أسرى إسرائيل وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب مع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل، بينما دعا ترامب عبر منصاته على وسائل التواصل إسرائيل إلى وقف القصف "فورا".
لكنّ الواقع على الأرض يسير في اتجاه آخر. فحسب مسؤولين فلسطينيين وشهود عيان، واصلت القوات الإسرائيلية هجماتها على عدة مناطق في غزة دون توقف رغم دعوة ترامب.

- "حبر على ورق"
بالنسبة لغالبية سكان القطاع، الذين عانوا عامين من الجوع والخوف وانعدام الأمان، تبقى الخطة الأمريكية "مجرد حبر على ورق".
ويقول محمد أبو طه من مدينة خان يونس لوكالة أنباء (شينخوا) "أنا معارض لحماس وسياساتها في غزة، لكن نتساءل: لماذا يتغافل ترامب عن الجرائم الإسرائيلية ويركّز فقط على إنهاء حماس؟ وحتى أنه لم يترك لنا خيار تقرير المصير".
ويضيف بمرارة "عن أي اتفاقية سلام يتحدث ترامب؟ لقد ألقى خطابا مبهما تجاوز نصف الساعة لكنه لم يقدم خططا واقعية بالتوقيت والمكان المناسبين. فقط يتحدث عن نفسه دون أن يساعدنا على النجاة".
ويتابع محمد "للأسف، نحن لا نرى مستقبلا. هل ستبقى خيمتنا غدا؟ هل سنجد طعاما؟ هل سنحصل على ماء عذب صالح للشرب؟".
- مأساة الماء والجوع
في غزة، ندرة المياه العذبة تفاقم المعاناة اليومية للسكان. ويصل سعر 10 لترات من المياه إلى نحو 30 شيكل (9 دولارات)، ما يدفع كثيرين إلى استخدام مياه غير نظيفة وأحيانا ملوثة، ومن ثم يضطر إلى غليها لتصبح صالحة للشرب كحل بدائي.
ويتساءل أبو طه متنهدا "لا أدري لماذا هذا الخراب والتدمير الذي يلاحقنا، ولماذا يُباد شعب بأكمله؟ لم يبق لنا سوى رماد المنازل (...) أين غزة التي كنا نعرفها؟ وأين ديارنا منها؟".
ووفق أحدث بيانات وزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 67 ألف فلسطيني وأُصيب أكثر من 169 ألفا منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 1.9 مليون شخص نزحوا مرارا، أي نحو 90 في المائة من سكان القطاع.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، في يوليو الماضي، من أن غزة "تعيش حالة مجاعة كاملة".
- "نزحنا 5 مرات"
في مخيم الشاطئ غرب غزة، تعيش أميرة أبو الخير (42 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال، في خيمة بلاستيكية تتسرّب منها المياه العادمة.
تقول أميرة التي كانت تعمل معلمة في مدرسة تابعة للأمم المتحدة قبل أن يُدمَّر منزلها أواخر عام 2023، لـ ((شينخوا)) "رأيت المذبحة بعيني، نزحت خمس مرات خلال عامين، وفي كل مرة كنا نبدأ من الصفر".
وتضيف "كنا نجمع الأعشاب والحشائش من الشارع ونغليها لنوهم أطفالنا أنها حساء"، مؤكدة أن "الخطة الأمريكية لا تقدم ضمانات حقيقية، ونحن نخشى أن ننتقل من وعد إلى وعد دون أن يتغير شيء".
ويقول غسان الغول (34 عاما)، مهندس كهربائي من جباليا نزح إلى دير البلح، إن أكثر ما يثير قلقه هو التناقض بين الخطاب والواقع.
وتابع قائلا إنه "في الوقت الذي يروّج فيه ترامب لمقترحه ويتحدث عن السلام، تواصل الطائرات الإسرائيلية قصف القطاع بلا توقف".
ويضيف الغول بصوت متعب "لقد نزحت عدة مرات من الشمال إلى الجنوب، خوفا من القصف، وكل مرة كنت أظن أنها الأخيرة".
وكان الغول قد نجا من غارة جوية قبل شهور أُصيب خلالها بشظايا، ويعيش اليوم في خيمة مكتظة وسط دير البلح مع مئات العائلات التي فقدت منازلها.
ويضيف بحزن "يتحدثون عن إعمار، ونحن نعيش على حافة الجوع والفقر غزة ظلت طوال سبعة عشر عاما سجنا كبيرا تحت الحصار الإسرائيلي. لا انسحاب واضح، ولا ضمانات حقيقية، ولا نملك شيئا نعيد به بناء حياتنا من جديد".

-- غياب الثقة والضمانات
ويرى محللون أن خطة ترامب تواجه رفضا واسعا في غزة بسبب غياب ضمانات واضحة لوقف العمليات العسكرية وإعادة الإعمار.
ويعتبر سكان محليون أن الخطة تركز على الجوانب الأمنية والسياسية أكثر من تقديم حلول عاجلة للواقع الإنساني الصعب.
ويقول الباحث الفلسطيني هاني المصري إن "أي مبادرة لا تضمن مشاركة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ستبقى ناقصة، لأن تركيزها على الأمن دون معالجة الجذور السياسية للصراع يعني استمرار الأزمة".
ومع اقتراب فصل الشتاء، ودخول الحرب عامها الثالث، تستعد وفود إسرائيلية وفلسطينية ومصرية لجولة مفاوضات جديدة في مصر اليوم.
لكن يبقى السؤال الذي يردده سكان القطاع: هل تحمل هذه الجولة بارقة أمل، أم ستكون خيبة أمل جديدة لسكان قطاع غزة الذين يتطلعون بلهفة نحو السلام؟
بقلم: براق تشاو (المصدر: وكالة شينخوا)
تعليقك