وكالة مهر للأنباء: سيُجري العراق انتخابات برلمانية في 11 نوفمبر المقبل، ومن أهمّ الأسئلة المطروحة حول هذه الانتخابات مستوى المشاركة الشعبية والعوامل المؤثرة فيها. تكتسب هذه الانتخابات، التي ستُجرى بعد نحو ثلاثة أسابيع، أهميتها من كون أعضاء البرلمان مسؤولين عن انتخاب الرئيس والموافقة على تعيين رئيس الوزراء، كما تُعدّ نتائجها معيارًا لقياس شرعية المؤسسات الحكومية وقدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب الشعب.
يُعدّ العراق، بعد نحو ثلاثة أسابيع، من الدول التي تُشارك في الانتخابات البرلمانية، حيث يُشارك فيها 1200 عضوًا، وتُشكّل نتائجها معيارًا لقياس شرعية المؤسسات الحكومية وقدرة الحكومة على تلبية مطالب الشعب. الشعارات الانتخابية والائتلافات والمرشحون المستقلون
في هذه الجولة من الانتخابات العراقية، يتنافس أكثر من 37 ائتلافًا و38 حزبًا على 329 مقعدًا برلمانيًا، ويشارك في الانتخابات 80 مرشحًا مستقلًا.
يُعد ائتلاف "الإعمار والتنمية"، بزعامة رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، أحد أبرز الائتلافات المشاركة في الانتخابات، وقد أعلن شعاره الإصلاحات الاقتصادية، ومحاربة الفساد، وتعزيز الاستقرار السياسي.
يندرج تحت ائتلاف "الإعمار والتنمية" كلٌ من "حركة الفراتين" بزعامة السوداني، و"ائتلاف الوطني" بزعامة فالح الفياض، و"ائتلاف الأجيال" بزعامة محمد السحيو، و"ائتلاف الحل" بزعامة محمد صاحب الدراجي.
من بين التحالفات الشيعية العراقية المشاركة في المنافسة الانتخابية، ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي وائتلاف "الفتح" بزعامة هادي العامري.
الانتخابات العراقية: اختبار صعب أم سهل؟
تشمل التحالفات الأخرى المتنافسة في الانتخابات العراقية تحالفات كردية مثل الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني.
الحملات الانتخابية
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية أواخر نوفمبر، شهدت مناطق متفرقة من العراق حملات انتخابية مكثفة، ونظم أنصار مختلف التيارات والشخصيات السياسية والاجتماعية تجمعات انتخابية. ولذلك، اكتست مدن مختلفة بألوان الانتخابات وروائحها من خلال لافتات إعلانية متنوعة.
ويعد غياب التيار الصدري عن هذه الفترة الانتخابية أحد أهم سمات هذه الفترة، وهو ما أدى في حد ذاته إلى التكهنات حول ما إذا كانت عملية تشكيل الحكومة ستكون أكثر صعوبة أو أسهل في أقرب وقت بعد انتهاء الانتخابات وإعلان النتائج وتحديد الفائزين في الانتخابات.
تحذير من العنف في الساحة الانتخابية
بعد اغتيال أحد المرشحين في تلك الفترة، حذّر بعض المحللين العراقيين من عودة العنف إلى العملية الانتخابية في العراق، مؤكدين على أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة ساحةً للتنافس السلمي لا للصراعات الدموية.
شهدت هذه الساحة مؤخرًا حادثة مؤسفة بين أطياف السنة، سُجّلت على إثرها أول ضحية في هذه الجولة الانتخابية، وهي "صفاء المشهداني"، المرشحة عن تحالف "السيادة" الانتخابي بزعامة "خميس الخنجر" من التحالفات السنية. لقيت مصرعها (22 تشرين الأول/أكتوبر) في منطقة الطارمية شمال بغداد بانفجار عبوة ناسفة. كما أصيب ثلاثة من أفراد فريقها الأمني بجروح بالغة. كذلك، بعد ثلاثة أيام من هذه الحادثة، أطلقت عناصر مسلحة مجهولة النار على مقر "مثنى العزاوي"، المرشح للانتخابات البرلمانية العراقية، في منطقة اليوسفية، 25 كيلومترًا جنوب بغداد، ما أدى إلى إصابة اثنين من عناصر قواته الأمنية. ولاذ المهاجمون المجهولون بالفرار.
وكتب العزاوي، عضو مجلس محافظة بغداد، على صفحته الشخصية على فيسبوك ردًا على الهجوم: "ندين ونستنكر بشدة الهجوم الجبان الذي استهدف مقرنا. هذه الأعمال المشينة والدنيئة لن تثنينا عن مواصلة خدمة شعبنا، لأننا نؤمن إيمانًا راسخًا بأن القانون فوق كل اعتبار، وأن مرتكبي هذا الهجوم سيدفعون ثمن أفعالهم عاجلًا أم آجلًا".
مثنى العزاوي عضو في ائتلاف العزم، الذي يرأسه مثنى السامرائي. صفاء المشهداني، مرشح عن ائتلاف السيادة الانتخابي.
بين الأكراد، من المتوقع أن يتكرر السيناريو نفسه لدى الشيعة، ولأول مرة، ستُسجّل الانتخابات البرلمانية في شمال العراق إقبالًا ضعيفًا. لم تتمكن التيارات السياسية البارزة في إقليم كردستان العراق حتى الآن من تشكيل حكومتها المحلية، بعد عام من إجراء الانتخابات المحلية، مما أدى إلى استياء شعبي في شمال العراق، لا سيما وأن أزمة تأخر دفع رواتب موظفي الحكومة لا تزال السبب الرئيسي للاحتجاجات الشعبية في هذه المنطقة من العراق.
بين الشيعة، أعلن التيار الصدري رسميًا عدم مشاركته في الانتخابات، ولن يشارك أنصاره فيها. في الوقت نفسه، تفاقمت موجة الاستياء هذه نتيجةً للاستياء العام، بما في ذلك بطء عملية إعادة إعمار البلاد وتحسين الوضع الاقتصادي، واتهامات بالفساد الإداري والمالي، الأمر الذي يرى بعض المراقبين أنه قد يؤثر سلبًا على مستوى المشاركة في الانتخابات.
في الوقت نفسه، دفع قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية، بدلًا من دوائر انتخابية متعددة كما في الفترة السابقة، التيارات السياسية الشيعية، في ظل غياب التيار الصدري، إلى دخول المعركة الانتخابية بسهولة كمجموعات انتخابية منفردة، كل منها سيختبر ثقله السياسي في المجتمع في الانتخابات. بينما تكهن بعض المحللين بإمكانية انخفاض نسبة المشاركة هذه المرة، يعتقد رئيس المركز العراقي للبحوث والتحليل السياسي "أفق" أن نسبة المشاركة الشعبية في الجولة السادسة من الانتخابات البرلمانية العراقية ستبلغ حوالي 40%، كما في الانتخابات السابقة.
إن القضية الرئيسية في الانتخابات العراقية ليست عدد المرشحين، بل نسبة إقبال الناخبين، لا سيما وأن لامبالاة الجمهور بالانتخابات تتزايد يومًا بعد يوم نتيجة الإحباط من ضعف الحكومة في مكافحة الفساد المستشري وحل المشاكل الأخرى.
ورغم أن قانون الانتخابات العراقي لا يذكر أرقامًا دقيقة عن نسبة المشاركة الشعبية كشرط لنجاح الانتخابات، إلا أن انخفاض نسبة المشاركة الشعبية من عام 2005 إلى عام 2025 يُمثل دلالةً مهمة، ويشير إلى عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات. وفقًا لتقارير إعلامية، انخفضت نسبة المشاركة في عام ٢٠٠٥ إلى ٧٦٪، ثم في أعوام ٢٠١٠ و٢٠١٤ و٢٠١٨ على التوالي إلى ٦٢ و٦٠ و٤٤٪، وفي عام ٢٠٢١، استمر هذا التراجع ليصل إلى ٤١٪.
لذلك، حذّر بعض المحللين، في ضوء هذه المعطيات والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العراق، من احتمال انخفاض نسبة المشاركة في هذه الدورة الانتخابية. في غضون ذلك، يرى رئيس المركز العراقي للبحوث والتحليل السياسي "أفق" أن نسبة المشاركة في الجولة السادسة من الانتخابات البرلمانية العراقية ستبلغ حوالي ٤٠٪، كما في الانتخابات السابقة. ومع ذلك، ووفقًا لهذا المحلل السياسي العراقي البارز، لن يكون لنسبة المشاركة تأثير كبير على عملية إجراء الانتخابات ونتائجها وتشكيل البرلمان والحكومة المقبلة. وقدّر "جمعة العطواني": من المؤكد أن الممثلين السياسيين للسياقات الاجتماعية الثلاثة في العراق (الشيعة والسنة والأكراد) لن يتغيروا كثيرًا في البرلمان المقبل، وإن كان من المتوقع أن يحصل السنة في هذه الدورة على أقل من 10 مقاعد إضافية نظرًا للمشاركة العالية المحتملة في المحافظات المختلطة كبغداد وديالى.
ووفقًا له، تنقسم المحافظات العراقية إلى ثلاثة أجزاء رئيسية من حيث السياقات العرقية والدينية، ومن المتوقع أن يحصل كل سياق من هذه السياقات الاجتماعية، كما في السابق، على الأصوات اللازمة للتواجد في البرلمان في المناطق الخاضعة لنفوذه، بحيث تكون المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق القاعدة الاجتماعية للشيعة، والمحافظات الغربية والشمالية لبغداد القاعدة الاجتماعية للسنة، وستكون المحافظات الكردية الثلاث في الشمال ساحة التنافس الحصري للأحزاب الكردية. وبحسب العطواني، فمن الممكن أن يكون هناك تحول في عدد محدود من المقاعد النيابية، مثل المحافظات المختلطة كركوك وديالى وبغداد وإلى حد ما محافظة بابل، وبالطبع في المناطق الثلاث المذكورة من حيث العرق والدين، ومن المرجح أن تكون النتائج متوقعة.
/انتهى/
تعليقك