وكالة مهر للأنباء: فقد تصدّر تحالف الإعمار والتنمية المشهد بـ 46 مقعداً، تلاه ائتلاف دولة القانون بـ 29 مقعداً، ثم كتلة الصادقون بـ 28 مقعداً، فيما حصدت تقدم عدد 27 مقعداً، وحقق الحزب الديمقراطي الكردستاني حضوراً قوياً بـ 26 مقعداً. أما منظمة بدر فقد حصلت على 21 مقعداً، تلتها قوى الدولة بـ 18 مقعداً، في حين سجّل تحالف عزم والاتحاد الوطني الكردستاني حضوراً متقارباً بواقع 15 مقعداً لكل منهما، وجاء تحالف السيادة بـ 9 مقاعد، وفي الشريحة المتوسطة والصغيرة، برز حزب الأساس بـ 8 مقاعد، ثم أشراقة كانون بـ 7 مقاعد، بينما حصل كل من حقوق وتصميم على 6 مقاعد. كما نالت أحزاب الحسم وخدمات وتيار الموقف والاتحاد الإسلامي 5 مقاعد لكل منها، في حين سجّل واسط الأجمل وإبشر يا عراق 4 مقاعد لكل قائمة.
وعلى الرغم من التنافس داخل الساحة الشيعية، إلا أنّ مجموع هذه القوى بات يشكّل ثقلاً استراتيجياً يضعها في موقع الكتلة الأكثر قدرة على رسم ملامح المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تراجع تأثير القوى المعارضة عن الإطار التنسيقي وغياب التيار الصدري عن المنافسة.
هذه الخريطة البرلمانية تشير بوضوح إلى أن مركز الثقل السياسي في العراق عاد إلى الفضاء الشيعي المنظّم، والذي بات يمتلك القدرة على تشكيل حكومة مستقرة، وإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة، وفتح صفحة جديدة من العمل السياسي المنسجم مع تطلعات جمهور الأغلبية الشيعية.
أولاً: تحركات ما قبل إعلان النتائج: اصطفاف مبكر وقراءة دقيقة للمشهد
قبل ساعات من إعلان النتائج النهائية، ومع ترسّخ مؤشرات الانتصار الشيعي، تحرّكت القيادات السنية باتجاه إعادة التموضع السياسي، إذ شهدت بغداد اجتماعاً بارزاً لقيادات سنية عديدة مثل محمد الحلبوسي، ومثنى السامرائي مع السيد نوري المالكي.
هذه اللقاءات لم يكن تحركاً عابراً، بل كان قراءة مبكرة لعودة القرار الشيعي بقوة إلى قلب العملية السياسية. وقد عُدّ الاجتماع خطوة استباقية لفتح قنوات التفاوض وتجنّب خسارة موقع التأثير داخل المرحلة الجديدة التي بدأت مع تفوق القوى الشيعية.
ثانياً: تشكّل الكتلة الأكبر: ولادة "ائتلاف النصر"
ما إن أعلنت المفوضية النتائج رسمياً، حتى تحرك الإطار التنسيقي الشيعي بسرعة وفاعلية، مؤكداً نفسه بوصفه الكتلة الأكبر داخل البرلمان.
هنا جرى الإعلان عن تشكيل تحالف جديد حمل اسم:
«ائتلاف النصر»
وهو الائتلاف الأوسع داخل الفضاء الشيعي، ويضم القوى التي حققت أعلى الأصوات، ليكون الذراع السياسي الموحّد القادر على إدارة مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة.
ثالثاً: الهندسة السياسية داخل الإطار : لجنتان لرسم المرحلة المقبلة
في خطوة تدل على نضج سياسي وتنظيمي، شكّل الإطار لجنتين مركزيتين لإدارة المرحلة الانتقالية:
1- لجنة استقبال وتقييم المرشحين لمنصب رئيس الوزراء مهمتها:
دراسة السير الذاتية للمرشحين
تقييم الكفاءة والخبرة والقبول السياسي
ضمان توافق المرشح مع المشروع الوطني الشيعي
تقليل الهزّات السياسية التي رافقت تجارب سابقة
2- لجنة التفاوض مع الأحزاب السنية والكردية وهي المسؤولة عن:
فتح حوارات رسمية مع القوى السنية
التفاهم مع الحزبين الكرديين الرئيسيين
رسم خطوط شراكة واضحة في الحكومة المقبلة
منع أي توترات قد تعيق تشكيل السلطة التنفيذية
وجود هاتين اللجنتين يعكس انتقال الإطار من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة بناء الدولة بصورة واعية ومنظمة.
رابعاً: دلالات «اكتساح الشيعة»
تثبيت الهوية السياسية الشيعية
على مستوى الشارع، لم تؤدّ المقاطعة إلى فراغ، بل إلى إعادة توزيع الأصوات بين قوى الإطار وقوى شيعية مستقلة.
تعزيز مركز القرار الشيعي
مع امتلاك القوائم الشيعية الكتلة الاكثر عدداً بالمقاعد، فإنّ القرار الحكومي والسياسي سيبقى بيد الكتلة الشيعية، خصوصاً في:
تشكيل الحكومة
اختيار رئيس الوزراء
حسم الملفات الأمنية والاقتصادية
انكشاف حجم الصدر الحقيقي داخل العملية
نتائج المشاركة بيّنت أنّ جمهور التيار الصدري لم يعد كتلة انتخابية مطاعة بالكامل، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة ترتيب التحالفات داخل البيت الشيعي بعيداً عن منطق الصدام.
خامساً: التوقعات السياسية
حكومة شيعية بامتياز
لن يكون بالإمكان تشكيل أي حكومة دون موافقة ومشاركة القوى الشيعية وعلى رأسها الإطار التنسيقي.
صعود دور السوداني وتحالف الإعمار
مع حصوله على 46 مقعداً، سيصبح السوداني نقطة توازن بين قوى الإطار وحلفاء آخرين رغم الخلافات.
تأثير إقليمي محسوب
القوى الإقليمية ستتعامل مع حقيقة أنّ الشيعة هم الكتلة الأكثر استقراراً في البرلمان، ما يُقوّي الموقف التفاوضي السياسي للحكومة القادمة.
الخاتمة
تؤكد نتائج انتخابات 2025 أنّ البيت الشيعي خرج أكثر قوةً وتماسكاً رغم مقاطعة التيار الصدري، وأنّ الجمهور الشيعي أثبت استقلالية قراره عبر مشاركة واسعة عكست ثقةً بالمسار الانتخابي ورغبةً في حماية الاستقرار، ولقد أظهرت الأرقام أنّ الهوية السياسية الشيعية لا تتوقف على فصيل واحد، بل هي بنية راسخة قادرة على إعادة إنتاج حضورها كلما تغيرت الظروف.
كما برز الإطار التنسيقي بوصفه أكبر قوة منظمة داخل الساحة الشيعية، قادراً على تحويل ثقله الشعبي إلى تمثيل برلماني مؤثر، فيما أثبتت القوى الشيعية الأخرى، ومنها تحالف السوداني، أنّها جزء فاعل من مشروع سياسي موحّد في أهدافه العامة وإن تعددت مساراته.
وتدل هذه النتائج على أنّ القرار الحكومي في المرحلة المقبلة سيظل مرهوناً بالإرادة الشيعية، وأنّ أي تشكيل حكومي لن يستقر دون توافق مكوّنات هذا البيت.
وهكذا، فإنّ انتخابات 2025 لم تكن مجرد عملية اقتراع، بل تثبيتٌ جديد لوزن المكوّن الشيعي في الدولة، ورسالة واضحة بأنّ استقرار العراق يبدأ من وحدة إرادة الأكثرية التي تحمّلت عبء الدفاع عن الوطن، وستستمر بحمل مسؤولية قيادته.
"بقلم: يوسف الكاظمي – محلّل في الشؤون السياسية والدولية"
تعليقك