وكالة مهر للأنباء: خلال هذه الجولة، أظهر الشعب العراقي أنه على الرغم من كل الضغوط الأمنية والاقتصادية وضعف الكفاءة الإدارية، لا يزال يسعى إلى الحفاظ على الاستقرار وتعزيز هيكل الحكومة. وقد أظهر ارتفاع نسبة المشاركة مقارنةً بالسنوات السابقة لأول مرة أن رواية "انعدام ثقة الشعب التام بصناديق الاقتراع" لا يمكن أن تُقدّم تحليلًا شاملًا ودقيقًا للمجتمع العراقي.
ومن أهمّ نقاط هذه الانتخابات هزيمة مقتدى الصدر؛ الشخصية التي لعبت دورًا هامًا في الدورات السابقة، ولكن هذه المرة، بمقاطعته الانتخابات وانسحابه من المنافسة السياسية، تنازل فعليًا عن الساحة لتيارات أخرى. هزيمة الصدر مهمة ليس فقط من حيث عدد المقاعد، بل أيضًا من حيث شرعيته السياسية؛ لأن جزءًا كبيرًا من قاعدته الاجتماعية، التي عادةً ما تكون متقلبة ومتفاعلة، لم تمنحه وزن الماضي.
تكتسب هذه القضية أهمية خاصة في تحليل مستقبل السياسة العراقية، إذ سيتراجع وزن التيار الصدري في تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء وتوجيه السياسة الداخلية بشكل ملحوظ. من ناحية أخرى، يُعدّ حصول التيارات الشيعية على أكثر من 185 مقعدًا، رغم جميع خلافاتها الداخلية، رقمًا مهمًا.
فقد عزز هذا الترتيب الجديد دور الشيعة في عملية صنع القرار الداخلي، وغيّرَ ميزان القوى في البرلمان بشكل واضح لصالحهم. سيكون لهذه القضية أيضًا تأثيرٌ خطير على مستقبل الهيكل السياسي العراقي، وستدفع مسار تشكيل الحكومة نحو ائتلاف وطني شيعي. في ظل هذه الظروف، فإن رئيس الوزراء العراقي الحالي، محمد شياع السوداني، على الرغم من دوره في استقرار الأمن وتحسين العلاقات الإقليمية وإدارة بعض الأزمات، لديه فرصة ضئيلة للفوز بولاية ثانية كرئيس للوزراء.
إن التوافق الجديد للقوى، لا سيما مع تنامي نفوذ الكتل الشيعية المختلفة، قد عزز احتمال أن يكون رئيس الوزراء المقبل شخصية قادرة على خلق نوع من الانسجام والتقارب بين تيارات العائلة السياسية الواحدة، وإن اختلفت أحيانًا. وفي التحليل الهيكلي، تُعد مسألة الحشد الشعبي ومستقبله من أهم المسائل المطروحة. وبالنظر إلى نتائج هذه الانتخابات، فقد تم تهميش فكرة "حل الحشد الشعبي" أكثر من أي وقت مضى، بل يمكن القول إن تحقيقها يكاد يكون مستحيلًا.
ويُظهر فوز طيف واسع من الممثلين المقربين من محور المقاومة والتيارات الداعمة للحشد الشعبي أن هذه المؤسسة الأمنية لم تفقد مكانتها فحسب، بل ستتجه تدريجيًا نحو "التأسيس في هيكل الدولة". إن المسار المستقبلي للحشد الشعبي ليس حله، بل تنظيمه، وإضفاء طابع قانوني عليه، وتعزيز دوره كقوة دفاعية إقليمية إلى جانب الجيش العراقي. وعلى الصعيد الإقليمي، تدخل العلاقات الإيرانية العراقية مرحلة جديدة تحت تأثير هذه الانتخابات.
إن استعادة نفوذ القوى المتحالفة مع محور المقاومة تُهيئ مساحةً مناسبةً للتعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين البلدين. من ناحيةٍ أخرى، سيتضاءل دور الولايات المتحدة في التطورات الداخلية العراقية بشكلٍ ملحوظ. سيتراجع التدخل الأمريكي المباشر والعسكري، وستتجه واشنطن نحو الضغط الدبلوماسي والضغط السياسي والإدارة غير المباشرة لتوازن القوى.
وفي الختام، أدخلت هذه الانتخابات العراق إلى مرحلةٍ جديدةٍ في السياسة الداخلية والعلاقات الإقليمية؛ مرحلةٌ سيزداد فيها دور الشعب، وثقل الحركات الشيعية، ومستقبل الحشد الشعبي، والعلاقة الإيرانية - العراقية، وسيتجه الهيكل السياسي في بغداد تدريجيًا نحو الاستقرار والاستقلالية.
/انتهى/
تعليقك