وجاء في المقال انه من المحير ان المواقف الامريكية تأتي في اليوم الواحد في اتجاهين متناقضين وهناك من رافض لأي تطوير للوجود العسكري الأميركي في المنطقة او المعارض لأي حرب جديدة تخوضها اميركا بقواتها المباشرة والمتمسك بالحل السياسي للأزمة، الى قارع لطبول الحرب والمهدد بتدخل عسكري يزعم دعاته انه سيشكل الحل للمسألة السورية.
واشار الكاتب الى المواقف الأميركية التي صدرت في الاسبوع الأخير على لسان مسؤولين في الخارجية والدفاع والبيت الأبيض مضيفاً "ففي قول له ذكر مسؤول في الدفاع الأميركية ان لدى اميركا في العراق 3500 جندي وليست على استعداد لزياده العدد في المدى المنظور ، وان جل ما يمكن لأميركا فعله هو تكثيف الضربات الجوية، لكن وبعد 10 ساعات فقط ومن الوزارة ذاتها صدر موقف يتحدث عن إمكانية ارسال قوات عسكرية الى المنطقة ( العراق و سورية ) وان الإدارة تدرس بجدية ارسال قوات عسكرية برية الى سورية ، مناقضا ما كان اعلنه مسؤول أميركي رفيع من ان اميركا لن ترسل الى سورية والعراق قوات عسكرية برية قتالية وان "على حلفائنا ان يفوا بالتزاماتهم ويستفيدوا من الدعم الجوي الأميركي لقتال داعش " .
وتابع: ثم كان أخيرا موقف جوزيف بادين نائب الرئيس الأميركي الذي أطلق من تركيا تهديدا بالحل العسكري في سورية ان لم يكن ممكنا الحل السياسي، موقف وصفته روسيا بالهدام مما استدعى توضيحا غير مقنع من البيت الأبيض بعد ساعات زاعما بانه يعني داعش حصرا.
واعتبر الخبير السياسي اللبناني ان التقلب و التناقض الأميركي في المواقف من المنطقة وبخاصة من سورية واضح بشدة، فأميركا التي من المفترض ان تحترم توقيعها على قرارات دولية اعتمدت العمل السياسي للخروج من الازمة السورية ، تعود فتهدد بالعمل العسكري او تعرقل العملية السياسية عبر حلفائها و اتباعها متسائلاً: "ما هي حقيقة الموقف الأميركي من الازمة السورية وما هي خلفيات مواقفها المتناقضة ، وهل ان هذا التناقض في المواقف مقصود ضمن استراتيجية أميركية محددة ، ام انه ارتباك اميركي بعد الخيبات التي واجهتها حتى باتت غير مطمئنة بات شبه يائسة من الحصول في سورية على ما تبتغي سلما ام إرهابا و حربا "؟
ورأى حطيط ان اميركا التي فشلت في حربها على سورية، رغم التدمير والقتل والتهجير والتجويع الذي فرضته بالإرهاب الذي تستثمر فيه، اتضح لها بشكل ساطع منذ منتصف العام 2014 ان أهدافها لن تتحقق كما ارادت فقررت ان تكسب وقتا وتنتقم علها تعالج الفشل، فانقلبت الى حرب استنزاف تديرها بوجود عسكري جوي مباشر أعلنت عنه بإنشاء تحالف دولي بقيادتها واناطت به مهمة "احتواء داعش" وضبط عملياتها الإرهابية في الحدود التي ترسمها لها وقد تصورت اميركا ان عملا من هذا القبيل سيمكنها من تحقيق هدفها المركزي من الحرب كما أسلفنا.
واوضح ان واشنطن فوجئت في الميدان بان سورية وبتكامل كلي مع محور المقاومة الذي تنخرط فيه، اعتمدت استراتيجية مواجهة اجهضت حرب الاستنزاف، استراتيجية قامت في جوهرها على الاقتصاد بالقوى، والمواجهة وفقا لجدول اوليات محكم، واشراك الشعب السوري الى الحد الممكن في الحرب الدفاعية، معتبراً أن هذه الاستراتيجية مكنت سورية من التفلت من حرب الاستنزاف.
واضاف: ثم كانت المفاجأة الاستراتيجية عندما انضمت قوات جوية روسية الى سورية بناء لطلبها في حربها الدفاعية، انضمام أدى الى تطوير استراتيجية المواجهة بحيث اعتمدت "استراتيجية الحرب الشاملة والجبهات المتعددة والمحاور المتناغمة" ضد الإرهاب على كامل مساحة سورية، مشيرا الى انصدام اميركا مرة أخرى لسببين الأول ان المساعدة الروسية اسقطت نهائيا فكرة الاستنزاف والثاني فضحت حقيقة الموقف الأميركي المرائي من الحرب على الإرهاب حيث حملت اميركا على الاعتراف بان الميدان بات لصالح سورية وأكد الاعلام الأميركي علانية ذلك قائلا: "بشار الأسد انتصر" كما عنونت مؤخرا صحيفة الواشنطن بوست.
وتابع امين حطيط ان الميدان السوري قد شهد استراتيجيتين: أولى أميركية هدفت الى “احتواء داعش الإرهابية" وثانية سورية –روسية مع محور المقاومة تهدف الى " القضاء على الإرهاب على الأرض السورية" ورأى ان النجاح بات في الثانية مرجحا حتى ومؤكدا.
ولفت الى ان امريكا لجأت الى سياسة تحديد الخسائر واتجهت الى الحل السياسي الذي يحاكي ما في الميدان من رجحان مؤكد لصالح الحكومة السورية باعتراف أميركي، وبضغط من هذا الواقع وقعت اميركا على القرار 2254 الذي أرسي تصورا لحل سياسي او خطوط عريضة لعملية سياسية تخرج سورية من الازمة وفقا لمعاييرها الوطنية.
وتابع ان امريكا أوكلت الى دولتين تابعتين لها أمورا تحضيرية للعملية السياسية ومحاربة الإرهاب حيثث فوضت الأردن امر تنظيم لائحة بالمنظمات الإرهابية التي لا يجوز لها ان تشارك في التفاوض السياسي حول سورية، وأوكلت الى السعودية امر جمع المعارضة السورية وتشكيل وفدها الى المفاوضات، واعتبرت اميركا انها بذلك تستطيع ان تقصي من تشاء وتقرب من تشاء وتتحكم بمسار المفاوضات كما تصرفت في جنيف2.
وارتأى ان هذه المناورة لم تنطلي على القوى التي تحقق انتصارات مؤكدة في الميدان، فاضطرت اميركا الى اللجوء مناورة جديدة وزعت أدوارها بين مسؤوليها والدول التابعة لها، وفي هذا السياق جاءت مواقف التلويح بالحل العسكري او بأرسال قوى برية الى سورية.
واعتبر حطيط ان اميركا تقوم بكل ذلك مع انها تعرف ان الأيام التي كانت تهدد فيها بالعمل العسكري او تنفذه وترسل قوات برية للقتل والقتال هي أيام ولت، واميركا تعلم ان أيام الابتزاز والضغط على سورية أفلت شمسها، واميركا تعلم جيدا ان ما كان يصح قبل عامين أصبح خارج الصلاحية اليوم لا بل يثير استهزاء الاستراتيجيين، فالمنطقة في الأشهر الستة الأخيرة شهدت تحولا جذريا واميركا اليوم ان ذهبت للحرب فستذهب وحيدة او مع تابعين منهكين مثخنين بالوهن والعجز.
وذكر ان من يقود استراتيجية القضاء على الإرهاب لن يتوقف عند تهديد او ابتزاز ولن يتأثر سلوكه في الميدان بانطلاق العملية السياسية او جمودها كما ان اميركا تدرك بان الحل السياسي اليوم سيكون بكلفة اقل ويحقق مصالح أكثر لها، وهي تعلم ان خصومها يعلمون هذا.
ورأى ان كل ما ذكر من مواقف أميركية لا يعدو كونه ضغط او تهويل وتعزيز المواقف التفاوضية وابتزاز الخصم، لكن سورية ماضية مع حلفائها في المواجهة.
تعليقك