شهدت العلاقات بين مصر والسعودية في الاشهر الاخيرة تقلبات وتوترات عدة حيث اوقفت السعودية تزويد مصر مواد نفطية ما ادى الى ان تقوم مصر بالبحث عن بدائل استناداً الى تحليلات بعض وسائل الاعلام المصرية والعربية. ومن جهة اخرى يتضمن التباین بین مصر والسعودية عدة ملفات من اهمها ملف طعن اتفاق تسليم الجزيرتين تيران وصنافير للسيادة السعودية. الى اين ستؤول الامور على صعيد العلاقات المصرية- السعودية وكيف ستكون توجهات مصر في السياسة الخارجية تجاه ملف سوريا ومحور الممانعة. وفي هذا السياق اجرت وكالة مهر للأنباء حواراً مع الكاتب و الاعلامي اللبناني توفيق شومان:
*بدت في الأسابيع الأخيرة ملامح الخلاف السياسي بين مصر والسعودية حادة وتتسع لتشمل ملفات عدة سیما بعد قرار المحكمة العليا في طعن اتفاق تسليم الجزيرتين للسعودية. كيف ترى تداعيات هذا الامر على العلاقات الثنائية بين البلدين؟
ان قضية الجزيرتين تيران وصنافير بما فيها حكم المحكمة الإتحادية العليا المصرية هي مؤشر سلبي على العلاقات بين مصر والسعودية. بامكاني ان اقول قرار هذه المحكمة جاء بعد مجموعة من التباينات والخلافات التي حصلت بين القاهرة والرياض ، من ضمنها موقف مصر في مجلس الأمن الدولي بعدما عملت جاهدة مع البعض من الدول الاوربية و الآسيوية لإصدار قرار حول سوريا ، هذا جانب و جانب آخر ان الموقف المصري متميز الى حد كبير عن الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية. والجانب الثالث هي قضية اليمن. ان السعوديين كانوا يتوقعون من مصر مشاركة فاعلة على المستوى الأرضي والبحري وايضا الجوي ولكن المصريين ابو ان يفعلو ذلك. برأيي المسألة التي قسمت ظهر البعير هي ايقاف الصادرات النفطية والغازية السعودية لمصر ولذلك اتجهت مصر للبحث عن البدائل ومن هنا ذهب وزير الطاقة المصري الى العراق من اجل ابرام عقود جديدة ليتم تزويد مصر بالنفط والغاز عبر خط انابيب ممتد من العراق الي الأردن نحو خليج العقبة. اذن نحن امام مجموعة كبيرة من الخلافات التي تجلّت في الحكم التي اصدرته المحكمة الاتحادية العليا المصرية.
*حسب ما يري بعض الخبراء السياسيون فان مصر اخذت تغير دفة الابحار نحو سوريا وايران ، وخاصة اذا اخذنا العلاقات الطويلة الامد التي تربط مصر بموسكو بعين الاعتبار . بالنظر الى هذا التوجه كيف ترى مصير العلاقات السعودية المصريه؟ وما هي تداعيات تصويت مصر لصالح مشروع قرار الروسي المتعلق بسوريا ، الذي انتقده المبعوث السعودي للأمم المتحدة، ووصفه بالمؤلم؟
بنسبة للعلاقات المصرية الايرانية انا اعتقد انه لايوجد حتى هذه اللحظة قرار مصري للتطبيع مع ايران وإنها مازالت في مرحلة حرجة لأن الموقف المصري غير ظاهر وان السياسة الخارجية المصرية غير مبررة لغاية الآن. هناك تريث مصري بانتظار تبلور السياسة الخارجية الامريكية. واعتقد ان الامريكيين يسعون لتقريب وجهات النظر بين الثلاثي الاقليمي العربي والتركي واقصد بهذا الثلاثي مصر و السعودية و تركيا. وفي خصوص نجاح او عدم نجاح مثل هذه المحاولة اعتقد ان هذه المسألة متروكة للايام المقبلة.
بنسبة لموضوع سوريا فهناك تباين واضح بين الموقف المصري والسعودي. ولكن المصريين حتى هذه اللحظة غير مستعدين لبلورة سياسة واضحة تجاه سوريا برغم انهم يعلنون بين فترة واخرى بانهم مع البقاء الدولة السورية وبالتالي مع المحافظة على الجيش السوري. السعودية تريد من القاهرة ان تتبنى موقفاً موحداً تركياً سعودياً تجاه الأزمة السورية ، ولكن المصريين لا يذهبون الى تشريع او صياغة سياسة خارجية تركية جذرية تجاه سوريا، و هم يقفون في منزلة بين المنزلتين . فهذه الوقفة بين المنزلتين تقلق السعودية.
*قطعت السعودية امداداتها النفطية عن مصر. هل ترى ان مثل هذه الخطوة تمهد الطريق لتوجه مصر الى بناء تحالفات جديدة مع دول تنتمي لمحور الممانعة مثل العراق ما يؤدي الى تقاربها من ايران؟
لا اعتقد بأن المصريين بهذا الوارد. برأيي وكما ذكرت سابقاً ان المصريين يتريثون لصياغة العلاقات الخارجية ، فإنهم منتظرون بلورة الصياغة الجديدة للسياسة الخارجية الامريكية تجاه المنطقة. فانا اعتقد هناك نوعا من الود الان بين الرئيس المصري السيسي ونظيره الاميريكي دونالد ترامب ، لما له علاقة بتحول جذري لسياسة مصر ، بحيث يستبعد ان تنتمي او تكون عنصرا ضمن محور المقاومة.
*هل ترى أن السعودية تريد الانتقام من مصر بسبب علاقاتها بموسكو من خلال قطع امدادات البترول عليها؟
هناك عنصران اساسيان تسببا التباين والخلاف مابين مصر والسعودية وهذان العنصران هما؛ اولاً حيادية مصر في موقفها تجاة الازمة السورية وثانياً حيادية مواقفها تجاه ما يجري في اليمن خاصة ان اليمن تعتبر الحديقة الخلفية والخاصرة الرخوة للمملكة العربية السعودية. فبدون شك قطع الامدادت النفطية السعودية عن مصر هو ناتج عن الموقف المصري الحيادي تجاه قضية سوريا واليمن زائداً الى الموقف المصري في مجلس الأمن تجاه سوريا. وإنني علمت من مصادر مطلعة ، ان وزارة الطاقة المصرية اتصلت بشركة " ارامكو" التي قامت بقطع الامدادات النفطية السعودية وذلك لتطلع علي اسباب هذا القرار و الجاء الرد بأن هناك اوامر عليا لإصدار هذا القرار ومعروف من اين تأتي هذه الأوامر.
*بعد المكالمة الهاتفية التي اجراها ترامب مع العاهل السعودي والرئيس المصري السيسي، يرى المراقبون انها ستضع الحجر الاساس لعودة التحالف الاعتدال العربي المؤلف من دول الملكية الست بالاضافة لمصر ويتحدث بعض المراقبين ان السعودية بدأت بمغازلة مصر؟ هل ستنجح ادارة ترامب باحياء ما يسمى ب "دول الاعتدال العربي" المكون من دول الخليج الفارسي والاردن ومصر؟
هذا السؤال قد يشكل احد اهم الأسئلة التي تواجهها المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة. هناك مسعى امريكي لجمع الثلاثي الاقليمي السعودي المصري التركي مع الأردن. على سبيل المثال ترامب لم يمنع دخول مواطني السعودية ومصر والأردن وتركيا من الدخول للولايات المتحدة ضمن قراره لمنع دخول مواطني سبعة دول مسلمة من الدخول. والسبب ان ترامب يراهن على بناء علاقات جيدة مع هذه الدول خصوصا انه يطرح احتمال تشكيل جيش عربي اقليمي لإرساله الى سوريا وواضح ان الوحدات العسكرية التي يمكن ان يتشكل منها هذا الجيش قائمة بصورة اساسية على الجيش المصري المقبول عموماً في سوريا ان كان لدى الدولة السورية وايضاً المعارضة المسلحة وايضا قائمة على الجيش الأردني الذي مقبول في جنوب سوريا. وهنا يطرح سؤال بأن "هل هذا الرهان ينجح ام لاينجح؟" فهذا متروك على كيفية ابرام الصفقات مع دول الاقليم وبالتالي مع روسيا. وانا تكلمت مع اكثر من مستشار للرئيس ترامب وهم اكدوا على ذلك. ولكن بصورة عامة تشكيل مثل هذا الجيش الذي يمكن ان يحمي ما يسميه ترامب بالمنطقة الآمنة هو رهين بتوافق بين واشنطن و موسكو. وحسب تخميني ان هناك تعقيدات تؤدي الى عدم نجاح هذا الرهان.
*تقدّم السعودية الدعم للحكومة السودانية وتضغط عليها في المقابل من أجل توظيف قضية "سد النهضة" على مياه نهر النيل قرب الحدود الإثيوبية - السودانية لغرض ابتزاز مصر ودفعها إلى انسجام مواقفها مع السياسات السعودية، لاسيما في ما يتعلق بالأزمتين السورية واليمنية. كيف ترى تأثير هذه الضغوط على قرارات مصر؟ هل ستنجح السعودية بارغام مصر على تغيير توجهاتها السياسية في خصوص ما يتعلق بسوريا واليمن؟
هذه احد عناصر الضغط التي تم اعتمادها من قبل الرياض ودول الخليج الفارسي بشكل عام ، فمنها من زارت اثيوبيا. اعتبرت مصر ان هذه الزيارات عنصرا سلبيا وضاغطا على مصر لدفعها الى تغيير مواقها. الكل يعرف ان النيل هو هبة مصر وقد تم الاعلان عن مشاريع مائية ومشاريع سدود ضخمة وكبيرة في اثيوبيا وكل هذا يضيق الخناق المائي على مصر ، لكن هذه الضغوطات في الحقيقة استفزت المصريين ودفعتهم للإبتعاد اكثر عن دول الخليج الفارسي. ولكن السؤال المطروح هو هل سيستمر استخدام وتوظيف عنصر الضغط هذا؟ انا اعتقد ليس بامكان احد ان يستخدم مثل هذا العنصر السلبي الذى له علاقة مباشرة مع حياة اكثر من تسعين مليون نسمة في مصر ، لضغط على مصر. فنحن امام حجم سكاني ثقيل ولا يمكن ان يتم اللعب بمعادلته وغير مسموح تجويعه وتعطيشه.
اعتقد بما ان مصر ليست من الدول المتوسطة الحجم ولديها اوراق قوة كثيرة فلن تخضع لهكذا ضغوطات. عندما كانت مصر حليفة لقوى عظمى كروسيا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وايضا عندما كانت حليفة للولايات المتحدة ، فلن تكن لتخضع امام هذه القوى العظمى ابدا ، فكيف اذا كانت امام دول اصغر. وايضا اعتقد استخدام اوراق الضغط هذه لا تصب في صالح من يستخدمها. التحالف مع مصر هو مكسب وربح لمن يتحالف معها لأن مصر هي دولة كبيرة من حيث التاريخ والحضارة والثقل السكاني وايضامن حيث الاستراتيجي.
* هل ترى أن الإبتزاز السعودي الذي تمارسه السعودية على مصر هو نفس الإبتزاز الذي تمارسه مع لبنان بخصوص الهبة السعودية لهذا البلد؟
بصرف النظر عن احجام الدول فنستطيع القول بأن هذا شكل من اشكال الضغط السعودي التي يمارسها السعوديون على لبنان ومصر وربما ايضا على دول اخرى. المعروف ان الهبة السعودية للجيش اللبناني كانت ثلاثة مليارات دولار. رغم زيارة الرئيس العماد ميشل عون الى الرياض والكلام الذي جاء بعد هذه الزيارة عن احتمال الافراج عن الهبة العسكرية للجيش اللبناني ، فلغاية الأن لم نشهد اية معالم لقرار كهذا. واعتقد ان هذه الضغوط مستمرة من اجل ان تأخذ السياسة اللبنانية بصورة عامة موقفاً اكثر اقترباً من السياسة الأقليمية للمملكة العربية السعودية. ولكن برأيي هذه الورقة للضغط ايضا خاسرة كالاوراق الضغط الخاسرة تجاه مصر. لأن صناعة القرار السياسي في لبنان خصوصاً على المستوى الخارجي يتم بالتوافق وبالإجماع بين اللبنانيين ولا يمكن ان يسوقه او يحتكره طرف واحد. /انتهي/
أجرت الحوار: مريم معمار زاده
تعليقك