وكالة مهر للأنباء- منيرة الهاشمي: في محاولة لنقض الاتفاق النووي الايراني نسمع بعض التسريبات من هنا وهناك مما يدل على ان امريكا تلملم ما بقي لها لتحصل على اجماع لمخطط يحاكي المخطط الذي تم تنفيذه ضد العراق الا انها نسيت او تناست مفارقات عدة غالبا لا تفوت الاستراتيجيين الا في حالة واحدة وهي ان امريكا فقدت ثقتها في جميع مراكز البحث الاستراتيجي التي كانت تعتمدها في كل مخططاتها، ما قبل سقوط الاتحاد السوفياتي مرورا بالحرب على العراق.
هذا و كل البرامج والحروب التي شنت لدحر حزب الله وإنهاء دوره في لبنان ثم الحرب العالمية التي شنت في الشرق الاوسط ضد الجمهورية السورية باءت الى الفشل ، بالرغم من زخم الابحاث والدراسات الاستراتيجية والمختصة في المنطقة وفي جميع مكوناتها وكمائن تناقضاتها ونقاط ضعفها.
لقد اعدوا كل شيء بدقة متناهية وسخروا كل ما لديهم من وسائل استخباراتية واعلامية واسلحة مدمرة واموال البترو دولار وتحالفات عالمية والعشرات من الالاف من المرتزقة والمغرر بهم مع كل هذا منيت امريكا ومن معها بفشل ذريع. كل هذا انهى تزعمها للعالم وادعائها انها وحدها من يقود العالم. هذه تعتبر الثغرة الاولى من حيث انه ظهر بالملموس ان امريكا لم تعد وحدها من يقود العالم كما في حربها على العراق حيث حصلت على اجماع غربي وعربي واذ أن الحرب في الشرق الاوسط اسقطت ورقة التوت وكشفت ان هنالك اقطاب عدة على الساحة العالمية ممن يختلفون مع امريكا سياسيا واستراتيجيا .
الثغرة الثانية هي ان الادارة الامريكية هي ايضا لم يعد لديها اجماع في توصيف اولوياتها . هنالك بون سحيق بين ثلاثة اولويات حيث تنقسم الادارة الامريكية الى ثلاثة اقطاب تتصارع بين بعضها البعض لتمرير اولوياتها، الشق الاول والذي يساند اسرائيل من حيث توصيفها ان ايران هي الخطر الاكبر و يجب ان تكون اولوية الادارة الامريكية الحالية ، والشق الثاني ويتزعمه ترامب وهو متوجس خيفة من القوة التدميرية لكوريا الشمالية والصين وروسيا ويعتبر ان الخطر على الامن القومي الامريكي يكمن هناك ، بينما هنالك شق ثالث يرى الخطر كامن في صلب المجتمع الامريكي من تضخم الضرائب الذي يضغط يوما بعد يوم على الطبقة الوسطى وعلى الطبقة الاكثر فقرا والتي تمثل الاغلبية وهي من اللاتين والسود وتتكون من الكاثوليك غالبا كما ان تفاقم العنصرية ضد السود والكاثوليك يهدد بالانفجار والاقتتال في اية لحظة مع المتطرفين البروتستانت .
الثغرة الثالثة، هي القدرات الايرانية والتحالفات الجديدة للجمهورية الاسلامية مع عدة قوى اقليمية تجمعها معهم نفس المصالح. هنا تكمن الرؤية الضبابية او لنقل الانسياقية العاطفية خلف مخاوف اسرائيل اذ ان ايران صمدت في الحرب الشعواء والتي خاضتها امريكا وحلفاءها جميعا بما فيهم العرب عبر "صدام" وذلك على اثر الثورة الاسلامية في واقع لم يستقر بعد.
نحن نعلم هشاشة اي نظام واي دولة تأتي عقب ثورة اقتلعت جذور نظام مترسخ بكل آلياته وتحالفاته ودولته العميقة،اضف الى ذلك حصار عالمي قاس وغاشم وهو يعتبر غير انساني بكل المقاييس. مع كل هذه المؤشرات التي كانت تضمن سقوط ايران في خلال شهر واحد من الحرب، لم تسقط ايران وطالت الحرب حتى تراجع الغرب عن سياساته ومعه ماكينته الحربية والمالية والبشرية. فكيف الحال اليوم امام شعب اثبت انه قادر على التحدي وانه شعب مارس وعايش كل انواع الحروب الغذائية (وتحداها وحقق الاكتفاء الذاتي) والاقتصادية بتجميد امواله ومقاطعة منتوجاته العلمية، إذ اصبح ينافس الغرب في الابتكارات والبحوث والتقدم العلمي بكل فروعه واختصاصاته، شعب يؤمن بقادته و وحدته واستقلال قراراته، شعب يرفض الهيمنة الخارجية تحت اي مسمى.
مع كل هذه الثغرات ومع الواقع الداخلي الامريكي الهش مازال بعض القادة الامريكان ينظرون الى العالم بنظارات الثمانينات من القرن الماضي ومازالوا يظنون انهم يصنعون الانتصارات عبر الحرب الاعلامية ونسوا انه لكل زمان مفرداته وان التصريحات والتهديدات والاستعراضات لم تعد تمر حتى على العامة فما بالك بذوي الاختصاص./انتهى/
تعليقك