ما يزيد عن ست سنوات منذ اندلاع الحرب في سوريا، والنتيجة باتت واضحة: انتصار دمشق وحلفائها. واقع ملموس، يترسخ يوماً بعد يوم، مع إقرار الجهات المهزومة بأن لا عودة إلى الوراء. وحدها إسرائيل، من بين المهزومين، تريد عكس وقائع الحرب. تطالب بتعديل النتيجة، وفي الموازاة تهدّد، إن لم تلبّ مطالبها، بأنها لن تتردد في تفعيل خياراتها العسكرية.
بإمكان إسرائيل أن تلجأ إلى مثل أساليب كهذه في مواجهة قطاع غزة، وتقدّر أنها ستصل إلى نتائج، علماً بأنها في الواقع أيضاً ترتدع في مواجهة القطاع والتسبب بالتصعيد. أما تجاه الساحة السورية، فالمهمة أصعب وأكثر تعذراً، وهي الساحة التي تعدّ تعقيداتها ومحاذيرها ومحدودية الخيارات فيها، كبيرة وواسعة وخطرة، إلى الحد الذي أجبر الجانب الأميركي على التنحي. ومن المتعذر على إسرائيل، وربطاً بالمحاذير نفسها، أن تلجأ إلى «خياراتها العسكرية». مشكلة إسرائيل أنها تدرك ذلك، وأيضاً أعداؤها.
نتيجة الحرب واضحة: أطراف مهزومة وأطراف منتصرة، وإسرائيل من بين المهزومين. هي حقيقة باتت مترسخة، لا رجعة فيها. إصرار تل أبيب على قلب الحقائق يجلب لها هزيمة مضاعفة: هزيمة في الحرب نفسها، وأخرى في مرحلة ما بعد الحرب. وكلتا الهزيمتين شبه متحققتين.
أمس، وفي إعادة تعليق على فشل زيارة رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو لموسكو، كتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» لتعيد التأكيد على الفشل، بل وترسّخه أيضاً، على خلفية ما ورد في صحيفة «برافدا» الروسية التي تعد الناطقة الرسمية بلسان الرئيس فلاديمير بوتين.
توقفت «يديعوت أحرونوت» أمام معطيين اثنين وردا في «برافدا»، وهما: «إسرائيل لا يمكنها أن تعلّم الكرملين، ما يجب على صناع السياسة الروس فعله ترسيخ سياستهم في الشرق الاوسط؛ وروسيا ستواصل تعزيز وتضخيم تأثير إيران في المنطقة، وذلك في مواجهة القصور الملكية العربية، التي تحاول بالاشتراك مع إسرائيل إنشاء تحالف عسكري على غرار حلف شمالي الأطلسي، الذي يخضع لهيمنة وتوجيهات الأميركيين».
ما ورد في «برافدا» حدث إعلامي استثنائي، رغم أن الطرفين اعتادا في الماضي أن يبقيا ما يختلفان عليه في الغرف المغلقة من دون تظهيره إلى العلن، لكن هذه المرة توجّه الروس واضح، ويهدف الى وضع حد لمطالب إسرائيل، التي باتت استفزازية وتطلب من موسكو ما لا تريد ولا تقوى عليه، وهو أيضاً خلاف مصلحتها الاستراتيجية في سوريا والمنطقة.
بحسب الصحيفة الروسية، يوجد اختلاف في توصيف العلاقة القائمة بين روسيا وإيران، وبينها وبين إسرائيل، إذ تنقل أن بوتين شدد أمام نتنياهو على أن «إيران هي حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط، بينما إسرائيل هي شريك مهم بالنسبة إليها، في المنطقة». بكلمات أكثر وضوحاً، عبّر بوتين أمام ضيفه، عن أن تثقيل موسكو للعلاقة مع طهران يزيد عما يجمعها من علاقة مع تل أبيب، كما أن العلاقة مع طهران تتجاوز الساحة السورية، وهي تتصل بالمنطقة، وتعدّ (إيران) من ناحية موسكو رافعة التوازن مع الأميركيين وحلفائهم، ومن بينهم إسرائيل نفسها.
توصيف «برافدا» سُمع جيداً في إسرائيل، وكان مدار تعليق و«استنتاج»، كما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي مطّلع على كل اتصالات نتنياهو ولقاءاته بالقيادة الروسية. بحسب المسؤول «الاستنتاج هو: رغم تهديدات نتنياهو بضرب الإيرانيين، فإننا سنكون خلال الفترة القريبة المقبلة شهوداً على ترسّخ إيران في سوريا، وعلى تعزز نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وكذلك على استمرار تزود حزب الله بالسلاح»، وهي المطالب الإسرائيلية الرئيسة، التي نقلها نتنياهو إلى الكرملين، بلا استجابة روسية.
بقلم يحيى دبوق : الأخبار
تعليقك