وكالة مهر للأنباء : كتبت الإعلامية اللبنانية زينب عواضة مقالاً حول حادث نيوزلندا الإرهابي والتداعيات التي لحقت به، وجاء في المقال: في الشكل المشهد كان صادماً، في العادة كانت التغطية الإعلامية تبدأ بعد انتهاء الحدث الإرهابي وتنتقل من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الإلكتروني، أما هذه الجريمة فقد استخدمت الوسائل الذكية والنقل المباشر في نقل الجريمة من ألفها إلى يائها، وهذه المشاهد فعلت فعلها في النفوس، هو أسلوب بث الرعب الذي يشبه كثيراً شعار داعش "بالرعب جئناكم" لبثّ الخوف في النفوس، وهذا ما تُرجم لحظوياً وسيكون له ترجماته وتأثيراته النفسية والإجتماعية والتربوية فيما بعد، في أوروبا وخارجها.
أذكر أنني كنت في رحلة سابقة إلى اسبانيا وحان وقت الصلاة فاصطحبتني صديقتي إلى أحد المساجد في مدريد، لم تكن صدمتي بشكل المسجد مختلفة عن صدمتي بعدد المصلين فيه، المسجد كان عبارة عن محل تجاري أشبه بمستودع فارغ إلا من سجادة الصلاة ومستلزمات العبادة، أما عدد المصلين فلم يكن يتجاوز العشرة، سألت لماذا المكان هنا؟ولماذا لا يوجد مصلين؟ فأجابني أحدهم أنه بعد أحداث ١١ سبتمبر أصبحوا يخافون منا ونحن نحتاط من أي عمل إرهابي.
لم يكن الأمر مختلفاً عندما وصلنا إلى غرناطة سوى بالشكل، فالمسجد الذي دخلناه مزين بأجمل النقوش الإسلامية وواسع وجميل، بناه آل سعود على مقربة من قصر الحمراء، ومع كل ذلك في وقت الصلاة لم أجد سوى خمسة أشخاص داخله، طبعاً سألت عن السبب وكان نفس الجواب عن سؤالي الأول.
اليوم بعد ما شاهدته في مجزرة المسجدين في نيوزيلاندا أسأل نفسي هل سينقص عدد المصلين؟ هل سيبقى أم سينعدم؟ سؤال يطرح اليوم في كل مساجد أوروبا والإجابة لا تخفى على أحد، خصوصاً في العواصم الأوروبية التي فرضت طوقاً أمنياً حول المساجد، لقد أدخلت تلك المجزرة الرعب في نفوس المصلين هناك حتى إذا ما قرر المصلي الذهاب إلى المسجد سيقوم بألف حساب وحساب، هذا في أوروبا.
أما في دولنا العربية والإسلامية فالأمر عند الكبار لن يتخذ هذا المنحى المليء بالحذر والخوف، ففي لبنان مثلاً لطالما خبرنا خلال فترة التفجيرات الإنتحارية، كيف نتحدى هذا الحذر من خلال الذهاب بكثافة إلى المسجد حتى مع وجود بعض التهديدات للمساجد في مواسم مثل شهر رمضان وعاشوراء وصلاة الجمعة خلال فترات سابقة، إلا أن تحدي الجماعات التكفيرية آنذاك كان أكبر من أي حذر أو خوف قد يتسلل من وراء أعمالهم الإرهابية، لكن ذلك لن يعفي من تأثر بعض الفئات سابقاً واليوم من خلال الجريمة الإرهابية في نيوزلاندا، الأكثر تأثراً هم فئات الصغار والناشئة ممن لم يدركوا بعد منطق الإرادة والصمود، يتصرفون وفق مشاعرهم وتجاربهم، والعقل البشري يميل تلقائياً إلى التعميم واطلاق الأحكام، فمثلاً إذا سرق الشيخ أمامنا سنطلق حكماً في لاوعينا أن كل علماء الدين يسرقون، وقس على ذلك هنا، فسجادة الصلاة المدماة هناك هي ذاتها سجادة الصلاة التي نجدها في كل مساجد العالم، وبالتالي عندما سندخل إلى أي مسجد سنذكرها جيداً، سنذكر كيف قال ذلك الجد السبعيني للإرهابي "تفضل يا أخي"، وكيف رد عليه موتاً برصاص حي، سنذكر الكثير وستتفاوت ذاكرتنا، لكننا لن نتفاوت في الترحم والتعاطف مع الشهداء، أما الأطفال فلن يكونوا بنفس المستوى من التذكر والتقبل، تسألني ابنتي" ممكن يجي إرهابي متل هيدا ويقوص علينا بالجامع شي يوم؟!"وكم طفل سيسأل ذات السؤال ومجرد طرح السؤال يعني أن ذلك الإرهابي أدخل خوفاً ما من زيارة المسجد الى نفوس هؤلاء الصغار، ومعهم إلى كل من يقف موقفاً رمادياً من الحضور إلى المسجد!! والسبب يعود إلى ١٧ دقيقة من بث الرعب عبر الفايسبوك الذي سارع إلى إلغاء صفحة الإرهابي بعد أن نشرت المشاهد في كل العالم وعند الكبير والصغير، تكرار هذه المشاهد يرسخ فكرة "البطل القوي الذي هزم المصلين في المسجد" وهنا الفكرة الأكثر فتكاً في عقول الصغار والناشئة وحتى في لاوعي بعض الكبار، أضف إلى ذلك شعور بالذنب لدى الكثير من الكبار والصغار لأنهم يشاركون المجرم نفس لعبة الpubg علماً أن هذا غير موضوعي لكنه ظهر عند كثيرين بسبب الإحساس الكبير بالخوف من هذا المجرم وأدواته.
لقد نجح إرهابي نيوزيلاندا أن يرتكب إضافة إلى جريمته داخل المسجدين جريمة أخرى مستمرة في نفوس كثيرين داخل المساجد من حول العالم، فقد نحتاج الى الكثير من الوقت لمحو هذه ال١٧ دقيقة وعلينا أن نتيقظ جيداً وأن نسارع إلى المحاولة لمحو أي بذور للخوف في نفوس الصغار باصطحابهم إلى المساجد بطريقة متكررة، لكي لا يخافوا من الشبح الذي قد يغزو بيت الله، وقد لا نستطيع التخلص من تلك المشاهد إلا بكسرها وترسيخ الصورة الجميلة في نفوس قد لا تتمكن من فهم المفاهيم العقائدية المجردة وقد لا يعنيها كل حروب هذا العالم. /انتهى/.
يظن البعض أن مجزرة مسجدي نيوزلاندا إنتهت بتقديم المجرم إلى العدالة وبحصيلة أسفرت عن ٤٩ شهيداً وعشرات الجرحى.. ولكي نعرف إذا ما انتهت هذه المجزرة فعلاً علينا أن نعيد قراءة المشهد من جديد لنرصد تأثيراتها الآنية والمستقبلية.
رمز الخبر 1893274
تعليقك