وكالة مهر للأنباء نقلاً عن رأي اليوم: لم تتبنّ أيّ مُنظّمة عمليّة إطلاق النّار التي أقدمَ عليها المُلازم السعودي محمد سعيد الشمراني في قاعدة تدريب أمريكيّة في فلوريدا، وأدّت إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة 8 آخرين يوم الجمعة، حتى كتابة هذه السّطور، ولكن ما يُمكِن استنتاجه من المعلومات القليلة المُتوفّرة أنّه، أيّ المُلازم الشمراني، أقرب إلى التيّار السعوديّ المُتشدِّد، وأبرز عناوينه تنظيم “القاعدة”، فالتّغريدات التي نشَرها على حِسابه “التويتري” تُؤكّد تأثُّره بأدبيّات هذا التّنظيم، وزعيمه، أسامة بن لادن.
فالتّغريدة التي نشَرها قبل إطلاقه النّار على الجُنود الأمريكيين في قاعدة بنساكولا البحريّة تقتبس بعض ما قاله الشيخ بن لادن في آخِر الفيديوهات التي بثّها قبل اغتياله مِثل “أنا لست ضدّك لأنّك أمريكي ولا أكرهك بسبب الحُريّات التي تتمتّع بها، لكنّني أكرهك لأنّك تدعم وتُموّل يَوميًّا جرائم لا تُرتَكب ضِد المسلمين فحَسب بل ضد الإنسانيّة جمعاء”، وأضاف “أنا ضِد الشّر، وأمريكا دولة الشّر”، وندّد بالدّعم الأمريكيّ لدولة الاحتِلال الإسرائيلي.
هذه المُقتَطفات هي أقرب إلى لغة تنظيم “القاعدة” الأمر الذي يجعلنا لا نَستبعِد أن يكون المُلازم الشمراني الذي انتقلت روحه إلى خالقها، ولا يزيد عُمره عن 21 عامًا، من أبناء الجيل الجديد للتّنظيم المَذكور آنِفًا، ويعتقد كثيرون داخل السعوديّة أو في الولايات المتحدة أنّه انتهى أو في ذروة ضعفه بعد اغتيال زعيمه، ونجله حمزة، على أيدي قوّات أمريكيّة خاصّة، واختِفاء الدكتور أيمن الظواهري، وعدم إصداره أيّ أشرطة مُصوّرة في الأعوام القليلة الماضية.
لا شَك أنّ هذه العمليّة التي جاءت في وَقتٍ تُحاول فيه السّلطات السعوديّة بقِيادة وليّ العهد محمد بن سلمان نفِي صفَة التطرّف عنها، وتحسين صُورتها بتبنّي سياسات “انفتاحيّة” و”ترفيهيّة”، وتصفية آثار نُفوذ المذهب الوهّابي، وفك الارتِباط مع إرثِه المُتطرّف، ستُشَكِّل إحراجًا لها، وتطرَح العديد من التّساؤلات حول احتِمالات عودة “النّهج الإصلاحي” المُتشَدِّد في أوساط الشّباب.
صحيح أنّ العمليّة ربّما تكون فرديّة، ولم تَكشِف التّحقيقات الأمريكيّة عن أيّ معلومات تُفيد بوجود أيّ ارتباط تنظيمي لمُنفّذها، ولكن كون المُلازم الشمراني عُنصر في سِلاح الجو السعودي الذي يُعتَبر أهم الأذرع “تَدقيقًا” في هُويّة وخلفيّة من يتقدّم للالتِحاق بها، فإنّ هذا قد يُشكِّل اختِراقًا أمنيًّا خَطيرًا للغاية، خاصّةً أنّ “تجنيد” الشمراني، وبحُكم صِغَر سنّه (21 عامًا)، جاء في زمن “التحوّلات” السياسيّة والاجتماعيّة والأمنيّة والعسكريّة التي قادَها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ عهده الحاكِم الفِعليّ للمملكة.
العاهل السعودي كان مُصيبًا عندما وصف العمليّة بـ”الشّنعاء” وأكّد أنّ مُنفّذها لا يُمثّل المملكة أثناء اتّصاله بالرئيس دونالد ترامب، ولكنّه قطعًا قد يُمثّل تيّارًا جديدًا من الشّباب السعودي الذي ينتمي إلى مرحلة ما قبل “التّرفيه” المُتشدّدة، وهو احتِمالٌ من الخَطأ استِبعاد وجوده في هذه المَرحلة التي تتّسم بالتّغيير عَقائِديًّا من النّقيض إلى النّقيض في وتيرةٍ سريعةٍ في بَلدٍ اتّسمت قراراته وتحوّلاته بالبُطءِ الشّديد. /انتهى/
تعليقك