وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه كتب الامين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية علي اكبر ولايتي في رسالة الى ملتقى احياء ذكرى الشيخ صفي الدين الاردبيلي : ان الوحدة الوطنية والتلاحم القومي المتجذر في إيران مدين لجهود الصفويين.
ووجه الامين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية علي أكبر ولايتي رسالة الى ملتقى احياء ذكرى الشيخ صفي الدين الاردبيلي. فيما يلي نص هذه الرسالة:
لطالما وفرت أرض إيران منذ القدم أرضية مناسبة وموقعاً مناسباً للنمو الكمي والتطور الفكري والروحي للشيعة في أفرعها الثلاث الرئيسية: الزيديّة والإسماعيلية و الاثنا عشرية.
وأنتجت الشيعة الاثنا عشرية في القرن الثاني عشر أغنى النتاج الفكري بسبب تنظيمها الفكري والكلامي والعلمي والفقهي والثقافي. الشيعة الاثنا عشرية، والتي كانت لها تنظيم كامل منظم في إيران بفضل قدوم الإمام الرضا (ع)، وخاصة في الأجزاء الوسطى، ورغم كل هياكلها، قبلها أهل الفكر ودعمها التصوف الإيراني العميق، وبسبب الظروف التاريخية والاجتماعية لإيران، نمت وازدهرت وأصبحت قاعدة دفاعية لشعب إيران الأعزل ضد الخلفاء العباسيين الظالمين وعملائهم وظلم المغول وغيرهم من الظالمين. وعلى هذا النحو، نمت العقيدة الإسلامية للإيرانيين في ارتباط مع مختلف مراكز مناهضة الاستبداد والسعي لتحقيق العدالة، وايمانًا بالإمامة المحقة للأئمة الاثني عشر المعصومين (عليهم السلام) وفي انسجام اجتماعي مع باقي المذاهب، ارتقت إلى مكانة عابرة للمذاهب.
ظهرت هذه المكانة القوية العابرة للمذاهب أحيانا في البعد السياسي العسكري وأحيانا في العرفان وحكمة الاشراق وحب التوحيد. نقل الشيعة الملتزمون والمؤمنون هذه الآراء الثرية إلى الصين عبر آسيا الوسطى ومن المناطق الحدودية لإيران الشرقية الثقافية؛ أي، بامير وسند، إلى الهند ومناطق جنوب شرق آسيا، ومن أذربيجان وإيران إلى الجانب الآخر من جبال القوقاز، ومن آسيا الصغرى إلى البلقان والشواطئ الشرقية للبحر الأدرياتيكي.
في كل هذه الأراضي، ظهرت أفكار دينية شيعية مناهضة للظلم في سياق "اللغة الفارسية الشاعرية والصوفية" التي أصبحت لغة ديناميكية مناسبة للكتابة بسبب سماتها اللغوية المتأصلة ونموها في بيئة ثقافية خصبة لكتابة الكتب العلمية والعقائدية والذواقة، وقدمت مجالًا واسعًا لظهور إبداعات أدبية وفنية مستقلة وغير حكومية، وانتشرت الحوارات العلمية والفقهية عن الحب والمودة لأهل بيت الرسول (ص) المعصومين.
لقد بذلت الشيعة الاثنا عشرية، التي تتمتع بمفاهيم سامية للغاية، جهدا فريدا ورائعا لإحياء الهوية الإيرانية وإحياء الفتوة والمروءة في عهد الصفاريين من خلال الاستعانة بالتصوف الإسلامي الإيراني العميق وبوسائل تدريب جيش مخلص وشجاع. ومن بين هؤلاء الجنود الشيعة المخلصين والمضحين الذين لن تمحى ذاكرتهم التاريخية أبدا من أذهان شيعة العالم ومحبي الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وخاصة الإيرانيين، وسيظلون دائما خالدين في التاريخ، جنود القزلباش في العهد الصفوي، الذين كانوا في الحقيقة من الفتية الخواص للصفويين. كانت القزلباش مكونة من سبع قبائل تركمانية قزلباشية (أفشار، قاجار، تكلو، روملو، شاملو، ذو القدر، إستاجلو) وقد أظهروا شجاعة وجسارة خاصة في ساحات القتال. كانت إحدى خصائصهم المميزة ارتداء قبعة حمراء بها 12 شقاً. في الجزء الذي يغطي الرأس، كان الغطاء عريضا، وكان الطرف ضيقا وطويلا، وكدليل على الإيمان بالأئمة الاثني عشر المعصومين (ع) واتباعا لمذهب الاثني عشرية، كان يشاهد 12 خطاً مخططاً بشكل رمزي على القبعة، ومربوط حولها عمامة بيضاء. شجاعتهم في ساحات القتال بسبب إيمانهم الصادق بالتشيع أدت إلى تفوقهم الروحي على قوات العدو العثمانية والأوزبكية. حيث كان عدد القزلباشيين في المعارك مقارنة بالجنود العثمانيين 1 مقابل 5 أو 1 مقابل 3 ، ورغم كل ذلك لم يدع القزالباشيين الخوف من المعركة يعرف الطريق إلى قلوبهم وكانوا يطالبون بالنزال حتى ولو على حساب حياتهم.
في معركة تشالدران كان عدد القزلباش حوالي 30 ألف شخص وكان عدد الجنود العثمانيين والإنكشاريين 130 ألف شخص، ولولا الخطأ في تعيين قيادة القوات الإيرانية لما كان الإيرانيون هُزِموا. كان ذلك القائد غير الكفء دورميش خان شقيق زوجة الشاه إسماعيل وقد هُزم في منطقة تشالدران، المنطقة ذات السمات الجيوسياسية الخاصة.
في عهد الملوك الصفويين الثلاثة الأوائل، الشاه إسماعيل (930-907 هـ)، الشاه طهماسب (983-930 هـ) والشاه عباس (1038-996 هـ)، أي حوالي 131 عاما من حقبة قيّمة وقوية للغاية، لم يخسر الإيرانيون في أي حرب كبرى ماعدا تشالدران والمعركة مع البرتغاليين في ميناء جامبرون وجزيرة هرمز، وكلاهما تم تعويضهما فيما بعد.
بعد دخول الإسلام إلى إيران، لقي دين الإسلام ترحيباً واسعاً وعميقًا من قبل الإيرانيين، ولم يكن هناك فرق بين الناس في حب أهل البيت (عليهم السلام)، سواء أكانوا سنّة أم شيعة، وبالتالي كانت خلفيتهم الإيمان بأهل البيت.
كان سبب الحروب العثمانية والإيرانية توسع العثمانيين ورغبتهم في السلطة، وإلا كانت حكومة غوركانيان الهندية سنية، وأصبح محمد بابر أول ملك للهند بمساعدة الشاه إسماعيل صفوي وهمايون أصبح أول ملوك غوركاني على الهند بعد هجوم شير شاه سوري هزم ولجأ إلى بلاط الشاه طهماسب الصفوي، وبعد فترة أعاده الشاه طهماسب إلى الهند مع 12 ألف جندي إيراني وأعاد الحكومة الغركانية إليهم. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن مماليك مصر كانوا من السنة، إلا أن الملك العثماني هاجمهم، لذا فإن ما يقولونه عن الحرب بين الشيعة والسنة ليس صحيحا.
جد السلالة الصفوية، رجل عظيم في تاريخ إيران والمذهب الشيعي، اسمه الشيخ صفي الدين أبو الفتح إسحاق أردبيلي، كان حفيد فيروز شاه وأحد السادة الموسويين. يعود نسب صفي الدين إلى الإمام موسى الكاظم (ع)، الإمام السابع لشيعة الامامية عبر 19 شخصا.
لقد كان رجل الدين الأكثر فاعلية في تاريخ الشيعة في تشكيل الهوية الوطنية والدينية للإيرانيين وحاول كثيرا إحياء إيران وبهذه الطريقة حاول كثيرا وكان جهده بلا كلل ومثير للإعجاب. عُرف منذ شبابه بشخصية شيعية إيرانية يؤمن بالهوية الإيرانية الأصيلة. كان فقيهاً وصوفيًا وعالمًا ومجاهدًا شكل السلالة الصفوية.
في هذه السلالة، ولأول مرة في التاريخ، صدر حكم تعيين ملك، وهو الشاه طهماسب، ونفذ من قبل العالم الشيعي الكبير علي بن عبدل العال الكركي، المعروف باسم المحقق الثاني، والذي كان أول مظهر من مظاهر حكم ولاية الفقيه. كان الكركي استاذا للشيخ البهائي وميرداماد وميرفندرسكي، وأحد أعظم المحققين والعلماء في تاريخ الشيعة، الذين لعبوا دورا أساسيا في نشر التشيع وإرساء الأسس العلمية للشيعة كالمحقق الحلي.
بحث الشيخ صفي الدين الاردبيلي كثيرا بناءً على الأدلة التاريخية الموجودة لاكتشاف حقائق التاريخ المعقد والطويل للإيرانيين وسافر إلى أقصى نقاط إيران.
وبحسب بعض الروايات، فقد التقي وتحدث مع الشيخ مصلح الدين سعدي، الذي اعتاد أن يستقبل الضيوف والمحققين في "الخانقاه" خارج مدينة شيراز، لكنه لم يجد بعضا مما كان يبحث عنه هناك، ربما كان أهمها إحياء الهوية الإيرانية، وكان مؤشراً على يأس بعض كبارنا من التحقيق في مثل هذه المثالية، وبالتالي لم يذكر سعدي هذا الموضوع. وعلى الرغم من أن سعدي كان بلا شك شخصية عظيمة وشاملة، إلا أنه كان يائسًا من التوحد السياسي، لذلك واصل التوحد الثقافي لإيران بكل جدية.
بينما كان سعدي يعيش في شيراز تحت حماية أتابكان فارس، إلا أنه كانت تربطه علاقة ثقافية قوية جدًا مع خواجة شمس الدين صاحب الديوان، الذي كان وزيرا لإيلخانان (أباقا خان)، حتى أن خواجه شمس الدين كان يرسل له شهرية، لذلك في هذه الأبيات التالية التي تنقل عن سعدي. ستلاحظون أنه اعتبر اقليم فارس دولة، ويقول في القصيدة التي بقيت من أفصح المتكلمين في تاريخ الأدب الإيراني لسعدي الشيرازي (القصيدة رقم 58):
"ضقت ذرعاً من جور الضيق / فسافرت وقتاً طويلاً
وطويت الدنيا مثل الإسكندر / وجاوزت كيأجوج السد الصلد
خرجت من ضيق الأتراك لما رأيت الدنيا / قد اختلطت مثل شعر الزنجي
فلما عدت إلى موطني رأيته يعمه الأمن / وفارق الذئاب الضواري منها
وغدت خطوط القمريات الطلعة كالمسك التتاري / وشعر الحسان وضفائر هن كالدرع الفرنجي
وغدت بلدي عامرة وفاضت بالنعم باسم الله / وتخلى النمور عن ضراوتهم
فسألت متى عم الأمن البلاد / فأجابني أحدهم: ما أغرب قولك
كانت في العهد الأول كما رأيت / تمتلئ بالفتن والاضطراب والضيق
فصارت هكذا في أيام السلطان العادل / الأتابك أبي بكر سعد بن زنغي".
كان هذا في الوقت الذي عانت فيه إيران تحت حكم المغول ودمرت العديد من المدن، ولم تبقى سوى فارس في مأمن بسبب تسوية أتابكان مع المغول.
وفي مكان آخر (غزلية 371) ينفي صراحة حب الوطن ويقول:
"لقد نفر قلبي بالكامل من عشرة شيراز
حان الوقت لطلب الأخبار من بغداد
يا سعدي حب الوطن رغم أنه حديث صحيح
لا يمكن الموت بالشدة وأنا الذي ولدت هنا".
ونتيجة لذلك، فإن السعدي، على الرغم من الإشارة إلى صحة حديث حب الوطن من الأيمان، يوضح ضرورة نفيه، مما يعني أن كبارنا حافظوا على سلسلة الخلافة للحضارة الإسلامية والإيرانية بقدر استطاعتهم.
لذلك واصل الشيخ صفي الدين البحث عن كبير مسلم شيعي إيراني حتى وصل إلى الشيخ زاهد جيلاني ووجد فيه ما يطلبه وتبعه في سلوكه وأصبح صهره.
لمدة 25 سنة من 675 هـ إلى 700 هـ ، درس الشيخ صفي عند الشيخ زاهد، وعندما أظهر أهليته في مراتب العلم والتهذيب، خلف الشيخ زاهد الذي كان قد أصيب بالعمى، وخلال حياة الشيخ زاهد. واختير رئيساً للطريقة الزاهدية، التي سُميت فيما بعد باسم الشيخ صفي الطريقة الصفوية.
لطالما كان الشيخ صفي الدين أردبيلي، منذ صغره، من أشهر المتصوفة والمشاهير. نقل تلامذة الشيخ زاهد عنه حديثا حول الشيخ صفي الدين قبل أن يراه:
"أيها التلاميذ، الخبر السار هو أن الشيخ صفي الدين إسحاق الموسوي الشيخ المعصوم والعارف في علم أسرار رب العالمين أشفق وإنه يأتي إلي. قسم بالله إن هذا الشاب محرم الحق ومختار من عند الله تعالى".
يتضح من هذا الكلام أن الشيخ صفي كان شيعياً، وكان معروفاً بين الناس بزهده وتقواه. بعد وفاة الشيخ صفي الدين الاردبيلي عام 735 هـ في أردبيل، خلفه ولده الشيخ صدر الدين حتى وفاته (794 هـ). كانا كلاهما من هداة لعرفاء منطقة واسعة من إيران وأذربيجان وجيلان وكردستان وأرضروم. ويظهر لقاءه مع أمير تيمور والأحداث التاريخية اللاحقة أهمية ومصداقية الشيخ صدر الدين كمرشد روحي للمذهب الشيعي في إيران.
بعده سار ابنه الشيخ إبراهيم (-851 هـ) على درب أبيه. هو الذي يُدعى المرشد الأول للطرق الصفوية، اجتذب العديد من الشيعة من القرى والقبائل. وتجمعت المجموعة نفسها بعد وفاة مرشدها عالي المقام حول ابنه الشيخ جنيد دون خوف أو تردد، وباحت بآرائها السياسية الشيعية، وسرعت من تعبئة قواها الشعبية. واصل الشيخ حيدر مسيرة الحركات الدينية والسياسية التي اتبعها أسلافه، وأنشأ تنظيمًا عسكريًا منظمًا فدائيا قائما على العقيدة يسمى قزلباشيين.
كانت إيران على عتبة تأسيس السلالة الصفوية المكونة من 15 دولة والتي ليس لها صلة ببعضها البعض وكانت في صراع مع بعضها البعض، وكانت تحصل على شرعية من الخلفاء الذين يظهرون أنهم مسلمون لكنهم كانوا جاهلين في الباطن. ونتيجة لذلك، لم يكن للهوية الوطنية أي معنى، وخيب أمل الشعب الإيراني، وخاصة المثقفون، من أن إيران ستوحد مرة أخرى. لذلك فإن سعدي الكبير (كما ذكر سابقا) كان يعتبر في أحاديثه أن بلاده هي منطقة فارس ومن الناحية السياسية لم يكن هناك ارتباط قوي بين مختلف مناطق إيران.
لكن بعد حوالي تسعة قرون من دخول الإسلام، عادت إيران خلال العصر الصفوي الى مكانتها وأصبحت إيران. بعد 900 عام، تم إعادة تحديد حدودها الجغرافية وإعادة تعريف الهوية الإيرانية. أصبح اسلام أهل البيت الدين الرسمي للبلاد ممزوجة بصبغة عرفانية. بالطبع ان شعب إيران، سواء أكانوا سنة أم شيعة، يكنون احتراما لأهل البيت (عليهم السلام) منذ القدم، ولا يوجد أي عداء لأهل البيت في تاريخ الإسلام في إيران.
اعتبر الصفويون، بذكاء جميع الأقوام التي تعيش في إيران، ذلك اليوم "إيرانيين" بكامل الواقعية وبغض النظر عن تاريخ الاستيطان وسلسلة النسب. هذا ما يجب أن نضعه في الاعتبار حتى اليوم ونسمي جميع القوميات التي تعيش في إيران بحق وصدق بـ"الإيرانيين". قلة من البلدان في العالم لديها هذه الوحدة الترابية العميقة الجذور والتلاحم الوطني.
بالإضافة إلى الوحدة الترابية، سعى الصفويون إلى الوحدة الدينية والانسجام المذهبي. من جهة، روجوا لزيارة العتبات وإقامة مجالس العزاء وإحياء ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين (ع)، ومن جهة أخرى إحياء ذكرى أبطال إيران وإقامة مراسم قراءة الشاهنامة. لقد أتقنوا الفن الإسلامي الإيراني في مجالات الرسم والخط والعمارة. عرفت عاشوراء والنوروز، بجانب بعضهما البعض، حدادا وطنيا واحتفالا وطنيا.
إن كيمياء الحقبة الصفوية لإعادة إعمار إيران الموحدة وإحياء الهوية الإيرانية في إعادة التعريف المثمرة والدائمة هذه لا يمكن أن يُنظر إليها على أنها نتيجة لجهود الحكومة الصفوية، بل كان دور علماء الشيعة وإيمان الناس الراسخ بالأئمة الأطهار (ع) في إعادة البناء التاريخي وجعل الشعب يواكب السياسة والاستراتيجية الصفوية أمرا مصيريا وحيويا.
بعد تسلسل الملوك الأقوياء والفهم الصحيح للحكم، يجب اعتبار ثلاثة ملوك هم الشاه إسماعيل صفوي والشاه طهماسب والشاه عباس الكبير، درة تاج الملوك بعد الإسلام وإيران. بغض النظر عن بعض الاشكالات، كان الشاه عباس بلا شك هو الأبرز والأكثر أهلية بعد الإسلام، وقبل الإسلام ، هناك قلة من الناس يمكن مقارنتهم بهذا الملك الحكيم القوي والمعماري بالمعنى الحقيقي للكلمة ومحب للوطن.
ضمنت السلالة الصفوية استمرار الحياة السياسية لإيران، وعمليا، تتمتع هذه الدولة القديمة بأطول تاريخ حضاري في العالم منذ أكثر من 10 آلاف عام (على سبيل المثال، في تل حجر تشخماق شاهرود، حضارة سيلك في كاشان، مدينة سيستان المحترقة، وكنار صندل جيرفت، وما إلى ذلك) وبقيت في حين أن منافسي إيران مثل اليونان وروما ومصر القديمة والهند والصين، لم يكن لدى أي منهم وليس لديهم الترابط والاستمرارية الثقافية التي كانت تتمتع بها إيران.
كانت قدرة الصفوية في تعزيز الصناعة والزراعة والقوة العسكرية نادرة في العالم، على سبيل المثال، في عهد الشاه عباس، استقدمت ايران مهرة صينيين، وعملت على انتاج الخزف الصيني المتقدم وأصبحت ثاني دولة منتجة للخزف الصيني بعد الصين. قبل ذلك ، كان الفخار والقيشاني في العصرين السلجوقي والإيلخاني يصنعان بأقصى درجات الفن والدقة، لكن الصفويين هم من وصلوا به إلى الكمال النهائي.
لم يقلد صانعو الخزف والخزف الصيني في العصر الصفوي بشكل أعمى أنماط أسلافهم، بل ابتكروا أنواعا جديدة من الفخار والخزف الصيني، كان أبرزها تلك التي تتميز بألوان جميلة وتصميمات دقيقة للغاية.
وتم رسم النقوش الزخرفية الأصلية أو التزويق، مثل الحلي الشبيهة بالنجوم، بدقة وأناقة ملحوظة. اذ أن تناسب الألوان، وبساطة اللون والتصميم، والتزجيج البسيط لهذه الأطباق يضفي عليها الكثير من التألق.
حاول الشاه عباس، الذي كان يتمتع بعبقرية ملحوظة في الاقتصاد، إنتاج خزف مشابه لتلك الموجودة في الصين في إيران من أجل زيادة دخل إيران من الحرف اليدوية. فتحت الخزف الصيني له موطىء قدم في السوق الأوروبية لعدة قرون، وكان يمكن لإيران أن تستفيد من سوقها المربح ذلك من خلال إنتاج الخزف الصيني على غرار الانتاج الصيني دون نفقات التسويق والإعلان. بالإضافة إلى ذلك، لو كانت إيران تنتج خزفا صينيا مماثلًا، لما رأى الأوروبيون أي سبب لشراء كل خزفهم الصيني الذي يحتاجونه من الصين؛ لأنهم كانوا يستطيعون شرائها من مسافة أقرب بآلاف الكيلومترات.
لتحقيق هذا الهدف، أحضر الشاه عباس 300 صانع خزف صيني من الصين مع عائلاتهم إلى إيران. استقر معظمهم في أصفهان. ظلت بعض الأساليب الخاصة للصينيين إلى الأبد سرا في قلوبهم، ولكن كالمعتاد، لم يتعلم الإيرانيون بسرعة المزيد من أساليب عمل هذه المجموعة فحسب، بل أضافوا إليها أيضا الأشكال التي ابتكروها.
مثال آخر هو أن عددا من أساتذة صناعة الساعات جاءوا إلى إيران من سويسرا وأصبحت إيران واحدة من أشهر صانعي الساعات في العالم.
كان الشاه عباس هو البادئ بتحول كبير في صناعة النسيج الإيرانية خلال العصر الصفوي، والذي أدى، بآرائه الخاصة حول تصدير الحرف اليدوية الإيرانية، إلى تطوير صناعة النسيج الإيرانية. كتب كروسنسكي في تقرير بعنوان "عن الملابس واللباس الملكي في إيران": "أدى بعد نظر الشاه عباس الكبير إلى إنشاء العديد من ورش العمل المتعددة الوظائف في العاصمة وأصفهان وكذلك في مناطق شيروان وقارباغ وجيلان وكاشان ومشهد وإستراباد، حيث تم إنتاج المنسوجات والعمامات الحريرية لتستخدمها العائلة المالكة والعامة بطريقة رائعة ومدهشة وتحت إشراف دقيق من المراقبين؛ في الوقت نفسه، يتم نسج السجاد وأنواع أخرى من منتجات النسيج للديوان الملكي. ومن أجل الحفاظ على الخصائص الفنية الخاصة لنسيج كل منطقة، أمر الشاه عباس أن تنسج كل ورشة على طريقتها الخاصة".
كانت ذروة العمارة الإيرانية في عهد الشاه عباس، حيث كان المثال البارز لذلك هو بناء مدينة جديدة بجوار مدينة أصفهان القديمة. ولهذه المدينة سمات ومميزات كانت فريدة من نوعها في العالم حتى ذلك الحين، ومن مميزاتها:
- لم تتعرض للبناء التاريخي لأصفهان بأي شكل من الأشكال وهي أفضل مثال على التطور العمراني حتى ذلك الوقت.
- الأحجام المتناسبة والهندسية بالكامل والجديدة تماما. والمكونات الرئيسية لهذه المدينة هي:
1- الساحة الرئيسية والتي هي ساحة نقش جهان
أبعادها مستطيلة وطولها وعرضها متناسبان تماما وهي نسبة ذهبية.
2- ارتفاع الساحة متناسب تماما مع مساحتها.
وبحسب بعض التقييمات، إن مجموعة مسجد الشيخ لطف الله هو أجمل مجموعة تاريخية في العالم.
كيفية دخول مسجد الشيخ لطف الله وعلاقته بالقبلة معجزة معمارية.
مدخل المسجد باتجاه الشرق، والممر الذي يربط هذا المدخل بالمحراب عبارة عن متاهة تقلب 135 درجة وتضعك أمام القبلة دون أن يشعر المارة بهذا المنحنى.
والنقطة الفريدة الأخرى هي أن نوافذ الإضاءة الخاصة بإضاءة المسجد هي من النوع الذي يضيء المسجد منذ شروق الشمس إلى غروبها، وإحدى نوافذ السقف هذه تظهر أشعة الشمس الساطعة على حجر معين عند الظهيرة في أي وقت من السنة.
في الطابق السادس من علي قابو يوجد نافورة مواسيرها من جبل الصفا، وسوق القيصرية ليس فقط للشؤون اليومية بل داخل هذا السوق توجد مدرسة صدر الكبيرة حيث كان الكسبة يدعون لمعرفة المكاسب المحرمة.
تتصل هذه المجموعة من طريق شارع جهار باغ حتى نهر زاينده رود بنيت على جسرين قويين للغاية.
مع بناء ضفاف النهر وإنشاء الجسور المناسبة ، فإن أجمل إطلالة على نهر زاينده رود هي الأجمل في الليالي المقمرة.
عمارة جهل ستون هي إحدى عجائب التاريخ المعماري، بجدران عالية مقيدة بأشجار الصنار العريضة للغاية. حيث تمكن الأناقة والفنية الأصفهانية في هذه العمارة عندما ينعكس الـ 20 عمودا في الماء ليظهروا 40 عمودا.
دليلنا على صحة هذا الادعاء هو حكم مسافر إيطالي سافر إلى أصفهان في عهد الشاه عباس الثاني وقال الجملة التاريخية:
مواطنونا في أوروبا يعتبرون ساحة نافانا في روما أجمل ميدان في العالم ، ولكن إذا سألوني، فسأقول إن نقش جهان.
أحاط الشاه عباس ساحة نقش جهان في أصفهان بورش النسيج كمعرض لسياح والمستشارين العسكريين الأجانب حول الصناعة الإيرانية المتنامية والقوة الاقتصادية للبلاد.
لقد صنع 500 مدفع و 60.000 بندقية، والتي كانت من بين أعلى مستويات الأسلحة في العالم بمعايير ذلك الوقت.
الشيء المهم الآخر الذي فعله الصفويون هو تثبيت وتقوية الهوية الأذرية الأصلية والمتأصلة كجزء مهم من الهوية الإيرانية الشاملة، وقد أثبتنا في مقالتين بعنوان "أنا أذربيجاني أيضًا" أن الإيرانيين كان لديهم نزعة توحيدية منذ زمن زرادشت، ووفقا لمعظم المؤرخين القدامى المعتبرين، كان زرادشت من شعب أذربيجان أو استقر في هذا المكان.
واستشهد بأحاديث ثقة عن الرسول الأكرم (ص) رداً على مشركين الحجاز الذين سألوا لماذا لا يأخذون الجزية منا مثل المجوس ، فأجاب النبي (ص) برسالة أن المجوس أهل الكتاب،وكان لهم نبي يدعوهم للتوحيد فقتلوه وأحرقوا كتابه. سبب آخر هو أن الإمام جعفر الصادق (ع) سأل عن شرعية الديانة الزرادشتية وأشار بالتحديد إلى إجابة النبي الكريم (ص) على المشركين وأكد أن الزرادشتيين هم أهل الكتاب.
لأنه قبل الإسلام، كان الإيرانيون يذهبون إلى الحج. كان شعب إيران يدعو إلى التوحيد. لذلك، لعبت أذربيجان دورا أساسيا في تعزيز الديانة التوحيدية الإبراهيمية.
أرسى الصفويون وعمقوا التشيع بين الإيرانيين باستخدام أدوات التعليم والدعاية الشعبية. كانت هذه الأدوات عبارة عن دروس وكتب وبناء مساجد جديدة ورائعة ومثيرة للإعجاب لتشجيع الناس على الحضور في هذه القواعد الدينية والسياسية المهمة؛ إقامة تجمعات متنوّعة من إقامة مجالس العزاء والمولد في مقامات الأئمة والتكايا وغيرها من الزيارات في مناسبات دينية مختلفة.
في غضون ذلك، كان كمال الدين حسين بن علي بيهقي سبزواري، المعروف باسم الملا حسين كاشفي أو واعظ كاشفي (-910 م)، قام ببراعته الخاصة وكشخصية دينية وخطيب وراوي وكاتب ومفسر بالحديث عن واقعة كربلاء في مدينة هرات خلال الحقبة التيمورية وقبيل تأسيس السلالة الصفوية في عهد السلطان حسين بايقرا، وألف الكتاب المهم "روضة الشهداء في مقاتل أهل البيت وفتوت نامه سلطاني".
يبدو الأمر كما لو أن هؤلاء الكتاب خططوا لأرضية العمل على إضفاء الطابع الرسمي على التشيع قبل العصر الصفوي. وهذا يشير إلى دليلين لإثبات استعداد الناس لقبول شرعية المذهب الشيعي: أولاً، مراسم عزاء شهداء كربلاء، وثانيا، الشجاعة والفروسية، وكلاهما كان الأسس النظري للسلالة الصفوية. مباشرة بعد نجاح السلالة الصفوية، لاقت هذه الأعمال مكان لها بين الناس، وعلى وجه الخصوص مجالس التعزية، حيث كانوا يوظفون التجربة الجماعية في قراءة القصص، وقراءة الشاهنامه، وما إلى ذلك ويقرؤونها لعامة الناس الذين يفتقرون إلى معرفة القراءة والكتابة.
و على هذا النحو، ظهرت وحدة وطنية ودينية بين الإيرانيين بفضل الإجراءات الفعالة والعميقة للغاية للسلالة الصفوية بقيادة شعب عريق وفعال في تشكيل الهوية الإيرانية، وهو الشعب الأذري، الأمر الذي كان غير مسبوق وقاد عمليا إلى الوحدة الدائمة لإيران. هذا الأمر عمليا ثبت مكانة الأذريين في المكانة التي يستحقونها. كان للأذريين في ذلك الوقت مهمتان: الأولى، ترسيخ مكانة الشيعة الإثنا عشرية كدين رسمي، والثانية تولي الأذريون الركن المهم من الشجاعة.
كل هذه كان بفضل التدابير القيمة للغاية وعمق الرؤية لدى الشيخ صفي الدين أردبيلي (رض) في العصر الذي سبق تأسيس المملكة الصفوية، والتي جرى متابعتها من قبل خلفاؤه بشكل جيد وصحيح وأتت ثمارها. كان لأداء الشيخ صفي الدين ثلاث ركائز: ترسيخ مكانة دروس الفقه في الحوزات العلمية الشيعية من قبل العلماء، والدعم الشعبي للعلماء، وترسيخ دور الشباب الشجعان كوسيط بين الناس ورجال الدين.
إيراننا اليوم العظيمة والشامخة، هي بلد متبرك بالإخلاص لأهل البيت (عليهم السلام) ويفتخر بانتظار صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء) ويفتخر بصدق ووحدة كلمته، ومدين لفكر الشيخ صفي الدين أردبيلي وهمته العالية ومن خلفه، الذين ستبقى ذكراهم حية دائما في تاريخ إيران الملئ بالفخر.
الدكتور علي أكبر ولايتي
/انتهى/
تعليقك