وكالة مهر للأنباء - في ظلّ وصول مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى طريق مسدود، وتفاقم أزمة الجوع الناجمة عن الحصار يومًا بعد يوم، عاد مسؤولون إسرائيليون، وخاصة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، للحديث في الساعات الأخيرة عن إمكانية احتلال كامل لقطاع غزة. وفي هذا الصدد، سألت الجزيرة عددًا من المحللين عن مدى واقعية هذا التهديد.
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن التابع للحكومة الإسرائيلية، المعروف باسم "الكابينت"، اجتماعًا مساء اليوم (الثلاثاء)، حيث من المرجح اتخاذ قرار نهائي بشأن توسيع نطاق الهجمات العسكرية في غزة، خاصة بعد ورود تقارير تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منح نتنياهو الضوء الأخضر للتحرك نحو احتلال كامل لغزة، رغم معارضة أجهزة الأمن الإسرائيلية لذلك.
وأفادت صحيفة "إسرائيل اليوم"، نقلًا عن مسؤول سياسي رفيع، أن نتنياهو لم يصدر بعد أمرًا رسميًا بشن هجوم عسكري واسع النطاق على ما تبقى من غزة، لكن وتيرة التحرك في هذا الاتجاه تتسارع.
ومع ذلك، أفادت مصادر بأنه في حال تنفيذ خطة احتلال غزة بالكامل، فقد يستقيل إيال زامير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
في المقابل، دعا إيتامار بن غوير، وزير الأمن الداخلي وأحد السياسيين الإسرائيليين المتشددين، زامير يوم الثلاثاء إلى التصريح بوضوح بأنه سيطيع أوامر نتنياهو تحت أي ظرف من الظروف، حتى لو اتُخذ قرار إعادة احتلال غزة.

تهديد أم أداة ضغط؟
في مقابلة مع قناة الجزيرة، قال مهند مصطفى، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن التهديد باحتلال غزة ليس مجرد تكتيك نفسي، وقد يتحول إلى عمل فعلي إذا لم تقبل حماس شروط إسرائيل. وأضاف: "إسرائيل مستعدة لقبول اتفاق مؤقت، شريطة أن تقبل حماس بشروطها لوقف إطلاق النار. وإلا، فلن يكون التهديد باحتلال غزة مجرد كلام".
يعتقد أسامة خالد، المحلل العسكري والأمني، أن نتنياهو جاد تمامًا في تنفيذ عملية أوسع في غزة، لأن المسار العسكري لم يُسفر عن نتائج، والمفاوضات لم تصل إلى أي نقطة. في الوقت نفسه، تتزايد الضغوط الدولية والإقليمية على إسرائيل بسبب سياستها في تجويع غزة وتسببها في كارثة إنسانية.
قال للجزيرة عبر الهاتف: "بهذا التصعيد، يسعى نتنياهو إلى فرض واقع جديد في غزة، واقع تكون فيه المقاومة منزوعة السلاح، ولا وجود لحكم حماس". وأضاف: "هدفه هو تحقيق صورة النصر الحاسم، وإرساء الأمن على الحدود الجنوبية لإسرائيل".
في غضون ذلك، يرى المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن نتنياهو لا يسعى إلى إنهاء الحرب، بل يرى استمرارها رافعة سياسية في الداخل، لا سيما في ظل الأجواء المتوترة والثنائية القطبية السائدة في المجتمع الإسرائيلي.
وأكد أن نتنياهو يعلم أن أي تسوية في المفاوضات ستؤدي إلى مزيد من المطالب من الطرف الآخر، ولذلك يفضل خيار تصعيد التوترات على خيار وقف إطلاق النار الذي لا يحقق له نتائج ملموسة. وقال المدهون للجزيرة: "وصلت المفاوضات إلى مرحلة من الشلل الوظيفي، وبينما أبدت حماس بعض المرونة، يبقى الرد الإسرائيلي لفظيًا وغامضًا وخاليًا من أي التزام؛ في إشارة واضحة إلى نية إسرائيل قتل الوقت والخداع".

وانتقد أيضًا دور الولايات المتحدة، قائلاً: "لم تعد الولايات المتحدة تمارس الضغط، بل أصبحت هي نفسها مصدر إرباك في عملية المفاوضات. وحسب قوله، فإن تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ياتكوف، أظهرت أن واشنطن هي الشريك الحقيقي لإسرائيل في استراتيجية الإبادة الجماعية".
ومن وجهة نظر المدهون، أضعف هذا التحيز عملية المفاوضات وأعادها فعليًا إلى نقطة الصفر.
وأخيرًا، قال أسامة خالد: "من المرجح أن تستمر المفاوضات، ولكن بوتيرة أبطأ وتحت وطأة ضغط عسكري وإنساني أشد. فإما أن يذعن أحد الجانبين لمطالب الجانب الآخر، أو أن تبقى المفاوضات دون نتيجة إلى أجل غير مسمى". بحسب خالد، لا يهتم نتنياهو بوقف الحرب ليس فقط لأسباب سياسية، بل أيضًا لمعتقداته الأيديولوجية والشخصية. لديه أهداف أكثر طموحًا في ذهنه، بما في ذلك مشاريع لتغيير وجه المناطق الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وغزة.
هل احتلال غزة ممكن حقًا؟
ردًا على سؤال ما إذا كان تهديد إسرائيل باحتلال قطاع غزة بالكامل ممكنًا أم لا، يرى مهند مصطفى، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن هناك عقبات رئيسية أمام هذا القرار، أهمها معارضة الجيش الإسرائيلي نفسه للاحتلال الكامل لغزة.
ووفقًا له، يواجه الجيش استنزافًا شديدًا لقواته، ويخشى من الخسائر البشرية الكبيرة، ويعاني من أزمة شرعية شعبية لمواصلة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، ستكون حياة الأسرى الإسرائيليين في خطر أيضًا إذا تقدم أكثر.
وأكد مصطفى أن أسوأ سيناريو للجيش هو فرض حكم عسكري مباشر على غزة بعد احتلالها؛ وهو وضع قد يغرق إسرائيل أكثر في مستنقع غزة، بتكلفة بشرية واقتصادية باهظة. كما حذّر من أن دخول المناطق المكتظة بالسكان، مثل مدينة غزة والمخيمات المركزية، لن يُكثّف رد فعل الرأي العام العالمي فحسب، بل سيزيد الضغط على الولايات المتحدة نفسها.
يتفق المحلل السياسي إبراهيم المدهون مع هذا الرأي. ويعتقد أن تقييمات الجيش أكثر واقعية، فهم يُدركون أن كل تقدم جديد يعني الدخول في دوامة من التآكل العميق، واحتمالية تسريب معلومات سرية أو المزيد من الخسائر في صفوف القوات.
ووفقًا للمدهون، فإن أي هجوم بري واسع النطاق سيُقابل بمقاومة شرسة، مما سيؤدي إلى خسائر بشرية لإسرائيل وعواقب قانونية ودولية؛ خاصةً وأن إسرائيل لم تنجح بعد في كسر شوكة المقاومة بعد عامين من الحرب.

هل ستتعرض حكومة نتنياهو لضغوط من عائلات الأسرى؟
فيما يتعلق بتحركات عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، يرى المدهون أنه على الرغم من أن هذه الاحتجاجات تحمل بُعدًا رمزيًا ومعنويًا قويًا، خاصة بعد نشر صور للأوضاع الصحية المزرية لبعض الأسرى، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لا تُعرها اهتمامًا حاليًا، بل تستخدم هذا الوضع كوسيلة ضغط إضافية.
كما حذّر مهند مصطفى من أنه في حال تزايدت الإصابات بين الجنود أو الأسرى، فقد تتحول الاحتجاجات الحالية في إسرائيل إلى "انفجار اجتماعي" لن تتمكن حكومة نتنياهو من احتوائه.
مع ذلك، يرى أسامة خالد، المحلل الأمني، أن قوة الاحتجاجات الشعبية قد تراجعت مقارنةً بالماضي، وأن نتنياهو تمكن من تحييد هذه الضغوط باستخدام أدوات سياسية وإعلامية؛ مع أن الأجواء بين عائلات الأسرى لا تزال متوترة.
ويضيف: "بدلًا من محاولة حل قضية الأسرى، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى هذه القضية على أنها ورقة ضغط على المقاومة، وليست قضية إنسانية تحتاج إلى حل".
/انتهى/
تعليقك