١٨‏/١٠‏/٢٠٢٥، ٣:٢٣ م

صهيون تتجرع كأس السُّم: ملخص المرحلة الاولى من الهدنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل

صهيون تتجرع كأس السُّم: ملخص المرحلة الاولى من الهدنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل

انطلاق المرحلة الأولى من الهدنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل يمثل نقطة تحول في الصراع، ليس فقط من الناحية الميدانية، بل من الناحية السياسية والاستراتيجية أيضاً. فالتهدئة تمنح فسحة مؤقتة لإعادة ترتيب الأوراق، لإعادة التموضع الإقليمي والدولي، ولترميم القدرة على المواجهة على المدى المتوسط.

وكالة مهر للأنباء: في احداث ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ عشنا أحد أهم الاحداث في قرننا الحالي حيث رأينا عظمة الحجارة والمقلاع كيف تحولت الى صواريخ ومسيرات، وشاهدنا بأم اعيننا مثالًا واضحًا لما انزل تعالى في كتابه الكريم: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ))، ورأينا جرائم لم تشهد البشرية لها سابقة، ونرى الآن كيف تغيرت المعادلة ولم تعد بيد طرف واحد، ورحم الله الشهداء، وشافى الله الجرحى، والحمدلله رب العالمين.

في هذا التقرير، سأحلل أولاً بنود الاتفاق الثابتة حتى الآن، ثم أبحث في الأبعاد الأمنية والاستراتيجية، والتأثيرات المحتملة على موازين القوى، وأيضًا سلطت الضوء على الدور الايراني كمحرّك ومحور فاعل في هذا الاتفاق.

أبرز بنود المرحلة الأولى من الهدنة (كما اتفق عليها حتى الآن):

على الرغم من أن الاتفاق الكامل لم يُفصَّل بعد، فإن ما أعلنته الأطراف والمراقبون يشير إلى عدد من البنود التي يبدو أنها أصبحت “ثابتة” في المرحلة الأولى:

وقف إطلاق النار المتبادل

تم الاتفاق على تهدئة شاملة (فيما عُرِف بأنها “مرحلة أولى”)، بحيث تتوقَّف الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل، بما يشمل القصف الجوي والاشتباكات البرية.

إطلاق الأسرى والمختطفين

تلتزم المقاومة الفلسطينية بإطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون على قيد الحياة، وكذلك تسليم جثث القتلى إلى الكيان المحتل.

تلتزم إسرائيل بإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم من يقضون محكوميات طويلة، ومن تم اعتقالهم في إطار الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023.

انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية إلى خط متفق عليه

ضمن شروط المرحلة الأولى، ستُعيد قوات الكيان المحتل تموضعها إلى حدود متفق عليها مسبقاً داخل قطاع غزة، مع التزام بعدم التوغل في بعض المناطق التي خضعت للتهدئة.

هذا الانسحاب لا يعني انقلاباً كاملاً على الوجود الإسرائيلي في غزة، لكنه يُعدّ خطوة رمزية مهمة في إعادة تكوين الواقع الميداني.

فتح ممرات إنسانية وإدخال مساعدات لغزة

تُعدّ من البنود الجوهرية المطلوبة حفاظاً على حياة السكان المدنيين: السماح بعبور قوافل مساعدات طبية وغذائية وغيرها، عبر ممرات آمنة، دون أن تُقيدها القيود الأمنية المفرطة التي كانت تُنتهك في السابق.

هذا البند هو أحد الضمانات التي تنطوي على قوة ضغط على الكيان المحتل لضمان أن تكون التهدئة “أكثر من مجرد هدنة”.

آليات مراقبة وضمان التنفيذ

يُتوقع أن تستعين الأطراف بوساطات دولية (دول الضامن، أو جهات رقابية) لمراقبة الالتزام، ومنع الانتهاكات أو التلاعب في تنفيذ البنود.

على سبيل المثال، قيل إن ترمب أشار إلى أن “جميع الأطراف ستُعامل بشكل عادل” في تنفيذ هذه المرحلة.

أيضاً، روسيا أبدت ترحيباً معلّقاً وبشروط مراقبة التنفيذ، وقال الرئيس بوتن إنه “يدعم خطة ترمب للغزو وغزة ويأمل أن تُنفَّذ بنجاح.”

كما أشار الكرملين إلى أن موسكو “تدعم تسوية شاملة تؤسس لدولة فلسطينية على أسس القانون الدولي.”

تجميد الأعمال العدائية خلال فترة التفاوض

يفترض أن يوضَع في الإطار الزمني للمرحلة الأولى أن التهدئة ستظل سارية المفعول طيلة فترة التفاوض على التفاصيل المتبقية والمرحلة الثانية، لمنع عودة التصعيد.

هذه البنود تشكّل الآن قاعدة مشتركة توافق عليها الأطراف، ورغم أن التفاصيل الدقيقة (مثل حجم الانسحاب، عدد الأسرى، جدول زمني دقيق) ما زالت خلافية، إلا أن هذه العناصر الخمسة تشكّل العمود الفقري للتهدئة الأولى.

الأبعاد السياسية – الأمنية – الاستراتيجية للمرحلة الأولى:

من زاوية الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها

من منظور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها، هذه المرحلة فرصة لتعزيز النفوذ السياسي والدبلوماسي، ولإدخال معادلات جديدة في الصراع تُعيد فرض معادلة الردع على الكيان المحتل.

تعزيز موقع إيران كفاعل إقليمي محوري في قضايا الصراع الفلسطيني

يدحض هذا الاتفاق التصوُّر الذي سعى بعض الأطراف إلى تصوير المقاومة كذراع محلية بمعزل عن المشروع الأوسع. من منظور طهران، فإن مساهمتها في دعم المقاومة تُترجَم سياسياً عبر هذا النوع من التهدئة التي تُشكّل انتصاراً دبلوماسياً يُحتسب لها.

التأثير على ميزان الردع

حينما تضطر القوى الإقليمية والدولية للتعامل مع مقاومة قادرة على فرض هدنة بشروطها، فإن ذلك يعكس قدرة الردع التي ساهمت إيران في بنائها عبر الدعم المالي والتدريبي والتسليحي. المرحلة الأولى تُظهِر أن المقاومة ليست مجرد جهة تابعة، بل طرف يملك مقومات الضغط في الميدان والدبلوماسية.

تحييد المحاولات الأمريكية – الإسرائيلية لفرض حلول أحادية

من المتوقع أن تحاول واشنطن أو إسرائيل استغلال التهدئة لتمرير شروط مجحفة على المقاومة أو على القضية الفلسطينية. بيد أن وجود إيران كداعم خلف الكواليس يمنح للمقاومة هامشاً أكبر لرفض هذه الشروط. على سبيل المثال، ترمب قال إنه “قد يرى العالم يتصالح وتُعاد إعمار غزة” — تصريح يبدو وكأنه عرض لشراء الهدنة كشكل جديد من الهيمنة، وهو ما ستقاومه طهران وحلفاؤها لدعم مصالح المقاومة الحقيقية.

ربط الصراع الفلسطيني بمحاور إقليمية أوسع

من الناحية الاستراتيجية، التهدئة قد تُستخدم كبوابة لربط الصراع مع ملفات أخرى (اليمن، لبنان، العراق، سوريا). إيران قادرة أن تستثمر هذا الانفراج النسبي لتفعيل قنوات الضغط الإقليمية المتبادلة، وهو ما قد يدفع بعض الدول للتعامل مع الكفاح الفلسطيني كجزء من معركة أوسع ضد الهيمنة الغربية-الإسرائيلية في الشرق الأوسط.

كسب المناعة أمام الضغوط الاقتصادية والعقوبات

في حال نجحت المرحلة الأولى من التهدئة ودُعمت بمقابلات سياسية، فستُوجَّه ضغوط على الدول العربية والدول الغربية لتحقيق الاستقرار، مما قد يُخفف من عزلة إيران على مستوى بعض التحالفات. أي نجاح في تثبيت الهدنة يُعدّ في حد ذاته رسالة لفعالية سلاح المقاومة المدعوم من طهران، رغم الحرب الاقتصادية والعقوبات التي تواجهها.

من زاوية المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل

للمقاومة: استراحة تكتيكية لإعادة البناء والتجهيز

التهدئة تمنح فصائل المقاومة نفساً إستراتيجياً لإصلاح البنى التحتية، لإعادة تعبئة القدرات، لتحسين الأسلحة والدقة، ولإعادة ترتيب مراكز الدفاع والهجوم، دون أن تضطر إلى مواجهة شاملة مستمرة. كما أنها تمنح الأرض السياسية للضغط على الكيان المحتل وتنظيم الرأي العام الدولي لصالح الحقوق الفلسطينية.

جولة تفاوضية بظروف أفضل

عندما تكون التهدئة مع وقف تام للضربات، فإن المقاومة تستطيع الدخول إلى طاولة التفاوض من موقع قوة نسبي، مع قدرة على الامتناع عن التنازلات المذلّة. كذلك، إذا فشلت إسرائيل في الالتزام بالاتفاق، فلديها مبرر ميداني للرد في المستقبل.

إضعاف التفرد الإسرائيلي في فرض الشروط

عادة، يسعى الكيان المحتل لتصوير نفسه كقوة لا تُمسّ وتفرض شروطها على الطرف الآخر. لكن بوجود اتفاق تهدئة جيد – ونفوذ إقليمي داعم – فإن المقاومة تستطيع مقاومة محاولات التهميش أو الإقصاء من ترتيبات ما بعد الحرب.

خطر التراجع أو الخيانة في التنفيذ

الجانب المظلم للتهدئة هو أن الكيان المحتل قد يتلاعب في التنفيذ، أو يؤخر إطلاق الأسرى، أو يعاود القصف الانفرادي بحجة خرق جزئي من المقاومة أو بحجة أمنية. في هذه الحالة، فإن المقاومة بحاجة إلى خطوط حمراء واضحة وآليات تنفيذ سريعة للرد.

تجربة اختبار لمرحلة لاحقة (المرحلة الثانية وما بعدها)

النجاح في المرحلة الأولى يُعدّ اختباراً لجدية الأطراف واستعدادهم للتوسع في التهدئة أو حتى خطوات انتقالية نحو حلول سياسية أعمق. فلو استُغلت هذه المرحلة لفرض إطار سياسي ضاغط (مثلاً إدارة دولية لغزة أو تقليص دور المقاومة)، فالمقاومة ستجد نفسها أمام معركة قانونية وسياسية جديدة لاستخدام هذه التهدئة كذريعة لإضعافها.

ج. من زاوية الكيان المحتل والداعمين الأمريكيين

تخفيف الضغط العسكري والدولي المؤقت

الاعتراف بتهدئة قد يُستخدم من قبل إسرائيل وداعميها (وخاصة في إدارة ترمب) كغطاء لتخفيف الانتقادات الدولية والضغط على الحكومة الإسرائيلية داخلياً. ترمب نعى الاتفاق باعتباره فرصة لتحقيق “سلام دائم وقوي”.

الحصارة النفسية والدبلوماسية على المقاومة

قد يحاول الكيان المحتل استغلال التهدئة لتقويض الشرعية الشعبية للمقاومة، عبر الشروط التي قد توضع في المرحلة الثانية، وربط الاستمرار بالمشاركة في إدارة ما بعد الحرب. إذا نجح في ذلك، قد يقوّض المشروع المقاوم تدريجياً من الداخل.

إعادة ترتيب التحالفات

إسرائيل قد تحاول تغيير المعادلة الإقليمية عبر استمالة دول عربية للإشراف على إعادة الإعمار أو إدخال قوة عربية دولية لغزة، واستبعاد إيران والمقاومة فعلياً من الساحة السياسية، وادعاء أن التهدئة جاءت برعاية العالم والعرب وليس بفعل المقاومة أو إيران.

مخاطر الرد من المقاومة في حال التلاعب

إذا أخلّت إسرائيل بالشروط أو جرّت تنفيذ الاتفاق لفترات مطولة دون جدوى، ستواجه ضغوطاً ميدانية متجددة من الفصائل التي لن تُرضى بالتراجع إلا مقابل تنازلات ضخمة. وهذا يضع إسرائيل أمام معضلة: إما الالتزام والاعتراف بالمقاومة كطرف فاعل، أو مواجهة جولات تصعيدية جديدة.

نقاط الضعف والتحديات المحتملة:

• الخروقات والتأخير في التنفيذ: من أكثر المخاطر التي ترافق أي تهدئة هي أن يماطل الطرف الأقوى (إسرائيل) بتنفيذ البنود، أو يُقدِم على “خرق تكتيكي” بحجة خرق من المقاومة، ما يؤدي إلى تفجير التهدئة.

• المرحلة الثانية المعلقة: غالبية التفاصيل الكبرى (الإدارة في غزة، دور المقاومة، إعادة الإعمار، الضمانات الأمنية، مستقبل الحدود، السيادة الفلسطينية، العلاقة مع السلطة الفلسطينية) ما زالت عالقة، وقد تُستخدم ك مطب للابتزاز أو فرض شروط مجحفة.

• ضغوط داخلية على المقاومة: بعض الفصائل أو الأفراد قد ينتقدون التهدئة باعتبارها “تهدئة مؤقتة” أو تراجعاً، مما يمكن أن يُسبّب انقسامات داخلية خلال التنفيذ.

• التدخل الخارجي وضغوط الدول الراعية: قد تحاول بعض الدول فرض شروط على المقاومة عبر ضخ المساعدات بشرط تخصيص دور لها في الإدارة أو مراقبة متعددة.

• استمرار الحصار والتقييد على المساعدات: فتح الممرات الإنسانية ربما يُقيَّد بشروط أمنية، وقد يكون أداؤها بطيئاً مما يؤدي إلى أزمة إنسانية مستمرة تُستغل سياسياً ضد المقاومة.

تقييم الاستراتيجية المنيعة لإيران والمقاومة في ضوء التهدئة:

إذا ما تمّت إدارة المرحلة الأولى بكفاءة، فستكون إيران والمقاومة قد حقّقا نتائج استراتيجية مهمة:

• إظهار أن خيار المواجهة لا يُستنفَد في حرب مفتوحة فقط، بل يمكن تحويله إلى أداة تفاوضية.

• تعزيز هيبة المقاومة داخلياً وعربياً، كطرف قادر على فرض الشروط حتى على الكيان الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا.

• فتح قنوات دبلوماسية وإقليمية جديدة يمكن للجمهورية الإسلامية أن تدخلها كبطل سلام جزئي أو كقوة ضامنة، ما يكسر محاولات الإقصاء من المسارات السياسية.

• الرهان على أن أي إخلال من إسرائيل سيُستخدم كورقة للمقاومة للردّ شرعياً، وكما في الماضي، فإن الردّ سيكون سريعاً ويجعل الكيان في حالة ضغط دائم.

خاتمة:

لكن يبقى أن التهدئة ليست نهاية الطريق، ولا بديلاً عن الحسم العسكري أو السياسي الكامل. هي مرحلة انتقالية تُختَبَر خلالها مصداقية الأطراف. إذا التزم الكيان المحتل، فتصبح التهدئة نقطة تحوّل إيجابية للمقاومة الاسلامية والحليف القوي الجمهورية الاسلامية الايرانية، وإذا خيّب الأمل، فإن الرد سيكون حاضراً بقوّة في المرحلة المقبلة.

"يوسف الكاظمي، محلل الشؤون السياسية والدولية"

رمز الخبر 1963881

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha