وفضلا عن ذلك فان قائد الثورة الاسلامية اشار في كلمة هامة خلال استقباله كبار المسؤولين في 22 يونيو / حزيران , الى تاريخ المفاوضات النووية وخاصة مع امريكا , حيث اكد سماحة القائد آية الله العظمى السيد علي الخامنئي على ان المفاوضات التي جرت خلال عهد الحكومة السابقة كانت بطلب من الجانب الامريكي.
واوضح سماحته ان الرئيس الامريكي طلب من وسيط في دولة جارة ان يبلغ ايران بان امريكا تريد حل القضية النووية والغاء اجراءات الحظر , وان طلب الرئيس الامريكي كان يتضمن ان اعتراف بلاده بايران كقوة نووية والغاء اجراءات الحظر في غضون ستة اشهر.
ولفت قائد الثورة الاسلامية الى انه ابلغ الوسيط بان ايران لا تثق بوعود الامريكان , الا انه استجابة لطلب الوسيط فانه ستختبر الامريكان مرة اخرى, وبهذا الشكل بدأت المفاوضات الاخيرة.
وفي الخريف الماضي اكد امين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني استلام رسالة من المسؤولين الامريكيين , اذ كانت هناك تقارير عن ارسال المسؤولين الامريكيين رسائل الى ايران تم الرد على بعضها, ولكن لماذا يلجأ البلدان الى الرسائل المتبادلة بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما لاكثر من ثلاثة عقود؟.
هناك سببان رئيسيان لزيادة الاتصالات في عهد الرئيس الامريكي باراك اوباما منذ عام 2008 , هما السياسة الخارجية الامريكية والاوضاع في منطقة الشرق الاوسط.
الشرق الاوسط
فبعد ولايتين رئاسيتين لجورج بوش تضمنت انتهاج سياسة عدوانية وشن حربين مدمرتين في افغانستان والعراق , انتهج باراك اوباما سياسة ايجابية تجاه العالم الاسلامي وكانت كلمته في جامعة القاهرة عام 2009 مؤشرا على هذا التوجه , فبعد اخفاق السياسة الامريكية في العراق وافغانستان اقر معظم الشعب الامريكي في استطلاعات الرأي وبعض المحللين والشخصيات السياسية الامريكية بان ايران لديها اليد الطولى والنفوذ الاكبر في هذين البلدين , حيث قرر اوباما على اثرها سحب مزيد من القوات الامريكية من افغانستان والعراق كمثال على معارضته للحرب , ومع بدء الصحوة الاسلامية في الدول العربية عام 2010 , بدأ مسار اخفاقات السياسة الخارجية الامريكية.
فتخبط وزارة الخارجية الامريكية حيال الاحتجاجات الشعبية في منطقة الشرق الاوسط , والتي انفقت فيها امريكا مبالغ باهضة لبرامج ما يسمى بنشر الديمقراطية , كان يشاهد في التغيير المستمر والسريع لمواقف واشنطن والتصريحات المتناقضة للمسؤولين الامريكيين وخاصة حول مصر , وكانت ذروة هذه الاخطاء الاحداث التي وقعت في بنغازي وادت الى مقتل السفير الامريكي في ليبيا.
الازمة السورية
سوريا كانت نموذجا آخر للحسابات الخاطئة للدبلوماسية الامريكية , فواشنطن كانت غاضبة ازاء الاطاحة بعملائها في المنطقة , وسعت الى تحقيق هدفين في آن واحد , فامريكا التي لم تكن ترغب في مشاركة عسكرية في نزاع جديد , دعمت المجموعات المتطرفة والارهابية في سوريا , للاطاحة ببشار الاسد الحليف الوحيد لايران , فضلا عن حرف الانظار والتهديدات من حلفائها في الدول العربية نحو سوريا , فوثيقة سرية لوكالة الامن القومي الامريكي في عام 2012 نشرتها مؤخرا مؤسسة الرصد القضائي تبين كيف ان الامريكيين قاموا بتسهيل انشاء جماعة داعش لفرض العزلة على الحكومة السورية, في حين ان داعش تأسست العام الماضي 2014 , وهذه الوثيقة تبين بوضوح معرفة واشنطن بتأسيس هذه الجماعة الارهابية , ومن وجهة نظر السياسة الدولية فان سوريا تمثل موضع المواجهة بين امريكا واوروبا وحلفائهم العرب المعارضين للاسد من جهة وايران وروسيا وحلفاء الاسد من جهة اخرى , فقد اعلن باراك اوباما واداتره عدة مرات خطوطا حمراء للتدخل في سوريا , وتمسك بموقفه بضرورة رحيل الاسد , ولكن لحد الآن وبعد مرور اكثر من ثلاثة سنوات على النزاع فانه لم يتم مراعاة هذه الخطوط الحمراء ولا تنحى الاسد عن السلطة.
النزاع في اوكرانيا
وفي شمال البحر الاسود سعى الدبلوماسيون الامريكان والاوروبيون الى مواجهة نفوذ روسيا في العالم والشرق الاوسط من خلال ايجاد جبهة جديدة في اوكرانيا لالهاء موسكو في هذه المنطقة التي جربت سابقا ثورات ملونة ومخملية , فالغربيون دعموا الانقلاب ضد الرئيس الاوكراني الموالي لروسيا ورفضه الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وشارك السناتور جون ماكين ومساعدة وزير الخارجية الامريكي فيكتوريا نولاند مع المحتجين في كييف المطالبين باقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش , الا ان روسيا ردت بهجوم معاكس من خلال الحاق شبه جزيرة القرم في استفتاء عام , وبالرغم من ان امريكا والاتحاد الاوروبي فرضوا عقوبات على موسكو الا انهم لم يتمكنا من توجيه ضربة قاصمة الى روسيا ويبدو انهم يفتقدون لهذه القدرة في المستقبل القريب.
البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية
البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية هو احدث تحد بالنسبة لتأثير ونفوذ امريكا في العالم , فهذا البنك بدأ بنشاطاته بالاعتماد على احتياطي الصين الضخم من العملات الصعبة , والعديد يرى ان هذا البنك سيواجه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الخاضع لهيمنة الغرب, وبدأ البنك الآسوي للاستثمار في البنية التحتية نشاطاته برأسمال مقداره 100 مليار دولار بمشاركة 57 دولة , وفي حين عارضت واشنطن هذه المؤسسة المالية وطلبت من حلفائها عدم الانضمام الى هذا البنك , لكن الآفاق المشرقة لهذا البنك وسوق الصين والاموال الطائلة شجعت حتى بعض حلفاء واشنطن على تجاهل طلب امريكا , والانضمام الى عضوية البنك الآسيوي مما سيترك تأثيرات سلبية على النفوذ العالمي للولايات المتحدة.
كما واجهت الولايات المتحدة في السنوات الماضية احتجاجات اجتماعية متعددة منها تظاهرات احتلوا وول ستريت والاحتجاجات ضد العنصرية في مدينة فيرغسون ومدن اخرى وكانت آخرها الهجوم الدامي على كنيسة تشارلستون مما جعل امريكا تواجه قنبل موقوتة تتمثل في اضطرابات عرقية واجتماعية.
وبعبارة اخرى فان ادارة اوباما لم تحقق نجاحا يذكر لا على الصعيد الداخلي او الصعيد الخارجي, فالشيء الذي تريده امريكا تحقيق نجاح على صعيد السياسة العالمية لمساعدة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لتتخلص من كابوس كارثة بنغازي وازمات الشرق الاوسط.
ويبدو ان الشرق الاوسط هو الفرصة الوحيدة لامريكا للقيام بدور بناء ومؤثر في السياسة الدولية , لكن في هذه المنطقة تحولت الجمهورية الاسلامية الايرانية حاليا الى قوة اقليمية والجميع يقر بان حل اي ازمة في هذه المنطقة سواء في سوريا او العراق او اليمن لايمكن بدور الاخذ بنظر الاعتبار دور ايران.
فتأثير ايران في المنطقة وعلاقاتها الوثيقة مع الحكومتين السورية والعراقية وحركة انصار الله في اليمن وخاصة مع حزب الله في لبنان قد اعطى ثقلا لهذا البلد , لذلك فان اي محاولة لايجاد حل بدون مشاركة ايران محكوم عليها بالفشل. وعلى هذا الاساس فانه ليس امام واشنطن سوى التعاون والتعاطي الجاد مع ايران للقيام بدور مؤثر في الشرق الاوسط , ومن الطبيعي فان المفاوضات النووية تعتبر افضل مجال للشروع في هذا الامر , حيث اعطى قائد الثورة الاسلامية الضوء الاخضر للبدء بهذه المفاوضات في كلمة القاها في 9 ابريل / نيسان الماضي, مؤكدا ان المفاوضات تتقتصر فقط على الموضوع النووي ولن تتناول اية شؤون داخلية او قضايا اقليمية.
ومن هذا المنطلق فان اوباما ومن اجل ان يترك ارثا ملحوظا في انتهاء ولايته الرئاسية , بحاجة ماسة لكي تصل مفاوضات ايران مع مجموعة 5+1 الى نتيجة مثمرة و تمهيد الارضية لمزيد من التعاون مع ايران حول قضايا المنطقة.
وفي كلمته بتاريخ 22 يوينو / حزيران اماضي ابدى قائد الثورة الاسلامية مرونة كافية وحدد الخطوط الحمراء للمفاوضين الايرانيين , ولايبدو انه في حال فشل المفاوضات ستفقد ايران الشيء الكثير لانها مرت باوضاع صعبة ابان فترة الحرب المفروضة وهبوط اسعار النفط في الثمانينات الا انها لم تستسلم مطلقا, لذلك يتعين على ادارة اوباما انتهاز هذه الفرصة التاريخية للتوصل الى اتفاق حول البرنامج النووي الايراني والتخلي عن المطالب المبالغ فيها لابرام اتفاق يضمن الربح للطرفين , ومن ثم يمكن لامريكا بناء الثقة واتخاذ خطوات جادة للمساعدة على اعادة السلام والاستقرار في الشرق الاوسط./انتهى/
*خبير سياسي ايراني
تعليقك