وكالة مهر للأنباء- محمد مظهري: ما قاله رئيس الوزراء العراقي بأن حكومته لا تتعاطف مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنه ستلتزم بها لحماية مصالح العراق ، مهد الطريق لبعض وسائل الاعلام العربية المعادية لأيران أن تقوم بالاصطياد في المياه العكرة وتدعي ان بغداد ادارت ظهرها على حليفتها الاقليمية طهران بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي تصدر نتائجها تحالف "سائرون" الذي يضم التيار الصدري وعدداً من الأحزاب والتيارات العلمانية.
يمكن اعتبار تصريحات العبادي الأخيرة ضوءا أخضر للتحالف الفائز في الانتخابات العراقية للتعاون في تشكيل الحكومة الجديدة وتمديد ولايته على اساس تشكيل تحالف جديد مع التيار الصدري الذي يؤكد دوما على حفظ المسافة الفاصلة مع ايران و امريكا بنفس الوقت.
بعيداً عما يروجه بعض الاعلام العربي لاسيما السعودي-الاماراتي يجب ألا ننسى ان ما يرسم المعادلات في العراق ليس بيد سياسي او مسؤول واحد وما يربط ايران بالعراق أعمق وأوثق من نتائج انتخابات لان البرلمان العراقي أولا يضم داخله تيارات وأحزاب متحالفة مع ايران لها تأثير كبير في صنع القرار السياسي منها تحالف الفتح (بزعامة هادي العامري) وتيار الحكمة الوطنية الذي يقوده عمار الحكيم ودولة القانون (بقيادة نوري المالكي) وثانياً ان النسيج السياسي والاجتماعي السائد في العراق ومستوى التبادلات الاقتصادية بين البلدين يحول دون انضمام العراق الى العقوبات الامريكية على ايران وامكان تطبيق الحصار من خلال البوابة العراقية بالنظر الى المصالح المشتركة الموجودة بين البلدين في موضوع التبادل التجاري وحتى موضوع الكهرباء والاستعانة بايران لاستكمال النقص الحاد في الطاقة الكهربائية للعراقيين.
من جهة أخرى ان مواقف مختلف الاحزاب والتيارات السياسية في العراق في ادانة التعامل مع العقوبات تدل على ان العلاقات الايرانية-العراقية تتجاوز التصريحات الموجهة للإستهلاك الداخلي وتقويض هذه العلاقات من قبل بعض الاطراف العربية ليس بأمر بسيط وفي هذا السياق يمكن الإشارة الى البيانات الصادرة من التيارات العراقية التي تعترف وتستذكر وقوف ايران الى جانب العراق في حربه ضد عصابات "داعش" في أصعب الظروف وذلك جاء بناء على وقوف ايران على أمن العراق من أمنها وأي تهديد لاستقرار جيرانها سينعكس مباشرة على داخلها.
أما بالنسبة لبعض القادة العراقيين لا يخلو من الفائدة أن يراجعوا التاريخ ويمعنوا السياسات التي انتهجهتا الادارة الامريكية تجاه المنطقة ودولها خلال العقود الماضية. السجل الأمريكي مليئ بشواهد تدل على انها لا تعير ادنى أهمية لمصالح الدول والشعوب الأخرى وبل تضحي بعلاقات الصداقة والتحالفات وحتى حقوق الانسان والقوانين والاعراف الدولية اذا لزم الأمر.
يجب ألا ننسى ان انقلاب عام 1953 والذي ادى الى الإطاحة برئيس وزراء ايران آنذاك محمد مصدق وعودة شاه ايران كان مدبرا ومخططا من قبل المخابرات الأمريكية كما أن الضوء الأخضر الأمريكي الذي دفع صدام لغزو الكويت كان فخاً لتقوم الادارة الامريكية عقبه باستهداف العراق وفرض العقوبات عليها والوعود الجوفاء التي قدمتها أمريكا لليبيا ... واليوم نرى أنه كيف تعاقب حليفتها السابقة تركيا أردوغان في محاولة الى ضرب اقتصاد البلد وفي ذلك لعبرة لأولي الألباب.
هذا وان العراق نفسه كان ضحية للسياسات الخاطئة للولايات المتحدة وحلفائها الاقليمية، وايران هي التي وقفت الى جانب العراق في أصعب الظروف بينما السعودية كانت ترسل الانتحاريين إلى العراق ،والامريكيون بعد الرئيس السابق اوباما كانوا يخططون لتقسيم العراق.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثبت أنه ليس معادياً لمصالح الشعب الايراني فحسب ، وانما الدول الأخرى أيضا ليست بمآمن عن سياسات امريكا الانتهازية. بالأمس ايران كانت مستهدفة واليوم تركيا وغداً العراق او أي دولة عربية أخرى .... على دول المنطقة تغيير رؤيتهم واستبدال السياسات قصيرة النظر باستراتيجيات مدروسة تضع مصالح شعوبها في سلم الاولويات من خلال تشكيل تحالفات اقليمية جديدة في وجه التغطرس الأمريكي.
المنطقة اليوم بحاجة الى تحالفات تصونها من التدخلات الأجنبية من خلال التاكيد على الانسجام الاقليمي وتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية بين دولها بدلا عن الاعتماد على تدخلات القوى الكبرى العالمية./انتهى/
تعليقك