أجاز البرلمان السوداني الاثنين فرض حالة الطوارىء في كامل البلاد لكن لفترة ستة أشهر بدلا من عام كما طلب الرئيس عمر البشير لاحتواء حركة الاحتجاج التي يشهدها السودان منذ كانون الأول/ديسمبر.
وأعلن البشير حالة الطوارئ في 22 شباط/فبراير بعدما فشلت الحملة الأمنية في البداية في إيقاف التظاهرات التي تهز البلاد منذ نحو ثلاثة أشهر.
وقال رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر بعد تصويت النواب على مرسوم الرئيس "أجيزت حالة الطوارئ لستة أشهر بالأغلبية".
واندلعت تظاهرات شعبية في 19 كانون الأول/ديسمبر بعد قرار الحكومة رفع أسعار الخبز بثلاثة أضعاف.
وسرعان ما تحولت التظاهرات إلى حركة احتجاجية في أنحاء البلاد ضد نظام البشير بينما وصفها المحللون بأنها أكبر تحد يواجه حكمه منذ توليه السلطة قبل ثلاثة عقود.
ويشير مسؤولون إلى أن 31 شخصا على الأقل قتلوا في أعمال عنف مرتبطة بالتظاهرات بينما تحدثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن حصيلة أكبر بلغت 51 قتيلا بينهم موظفون في قطاع الصحة وأطفال.
ويتفق تصويت البرلمان الاثنين مع توصية تقدمت بها لجنة برلمانية لخفض مدة حالة الطوارئ إلى ستة أشهر.
واعتبر ناشطون ومجموعات حقوقية الإجراء بأنه تقييد للحريات في البلاد.
وقال المدافع السوداني البارز عن حقوق الإنسان نبيل أديب إن "ما فعله البرلمان اليوم بجعل مدة الطوارئ أشهراً هو نوع من المساومة" ليتجنبوا رفض مرسوم البشير.
وأضاف "بالنسبة لي، المقلق في الطوارئ ليس مدتها" بل مسألة أن فرض حالة الطوارئ يشكل انتهاكا لـ"حقوق الإنسان المضمنة في الدستور".
أما وزير العدل السوداني محمد أحمد سالم، فدافع عن حالة الطوارئ التي أقرها البرلمان، الذي يهيمن عليه نواب من حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وقال "حالة الطوارئ المطبقة عندنا سهله".
وأصدر البشير كذلك سلسلة من الاجراءات الهادفة لإنهاء التظاهرات كمنع التجمعات غير المرخصة وإنشاء محاكم طوارئ خاصة للنظر في أي تجاوزات.
ومنح قوات الأمن صلاحيات واسعة لتنفيذ عمليات دهم وتفتيش.
ومثل عشرات المتظاهرين أمام محاكم الطوارئ وتلقى عدد منهم أحكاما بالسجن. وحُكم على تسع نساء بعشرين جلدة لكل منهن لانضمامهن إلى التظاهرات.
والأحد، قضت محكمة بسجن ابنة رئيس حزب الأمة المعارض أسبوعا بعد توقيفها خلال تظاهرة كانت تتجه إلى البرلمان احتجاجا على حالة الطوارئ.
وستقضي مريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة ثلاثة أسابيع في السجن بعدما رفضت دفع غرامة قدرها نحو ألفي جنيه سوداني (نحو 42 دولارا).
ورغم أن الاحتجاجات اندلعت عقب رفع أسعار الخبز، إلا أن الغضب يتفاقم في البلاد منذ سنوات وسط تنامي الأزمة الاقتصادية.
وتحدى البشير (75 عاما) دعوات المتظاهرين له للتنحي لكنه حل الحكومات على المستوى الاتحادي والولايات. وسلّم رئاسة حزب المؤتمر الوطني إلى نائبه فيه أحمد هارون.
وعيّن كذلك 16 عسكريا واثنين من جهاز الأمن والمخابرات لإدارة ولايات البلاد الـ18، في خطوة انتقدتها الولايات المتحدة وجهات أخرى معتبرة إياها "عودة إلى الحكم العسكري".
من جهة اخرى، أبدى الرئيس عمر البشير ترحيبه بمبادرة سياسية دفعت بها جامعة الخرطوم، تهدف لوضع معالجات للأوضاع التي تعيشها البلاد، وإيجاد حلول للأزمة السياسية التي تعيشها، فيما دعا تجمع المهنيين السودانيين لـ"عصيان مدني" ليوم واحد، الأربعاء.
وكون مدير جامعة الخرطوم، أعرق الجامعات السودانية، الشهر الماضي، لجنة تنظيم أعمال منبر الحوار والسياسات بالجامعة، برئاسة مدير الجامعة الأسبق، لدارسة المستجدات التي تواجه البلاد، ووضع المعالجات العلمية لها، وتقديم أفكار لصالح التأثير على السياسات العامة في البلاد، وإجراء عمليات "بحث علمي" وحوار مع القوى الوطنية.
وعلى خلفية الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، المستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شهدت البلاد الدفع بعدد من المبادرات، وبينها مبادرة "أساتذة جامعة الخرطوم"، ومبادرة مجموعة الـ(52)، بالإضافة لمبادرة لجنة منبر الحوار والسياسات التابعة للجامعة.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية (سونا)، أبدى الرئيس البشير، خلال لقائه وفداً من أساتذة جامعة الخرطوم أمس، ترحيبه بالدور الذي تقوم به الجامعة، بمواجهة القضايا والمستجدات. وقال رئيس منبر الحوار والسياسات، عبد الملك عبد الرحمن، في تصريحات أعقبت اللقاء، إن لجنته تعمل على وضع دراسات لمواجهة المستجدات، ووضع الحلول الناجزة لها، ضمن المسؤولية الوطنية للجامعة، وتفاعلها مع القضايا كافة، ووضع رؤية تسهم في الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وتتضمن المبادرة تهيئة المناخ للحوار بين الحكومة والمعارضة، بإطلاق سراح المعتقلين، وكفالة حرية التعبير، وإعادة النظر في حالة الطوارئ، وتكوين حكومة "كفاءات انتقالية" قادرة على التصدي للتحديات التي تجابه البلاد، لا تزيد فترة حكمها على 4 سنوات.
وتتوافق المذكرات المتداولة جميعها على تكوين حكومة كفاءات انتقالية، وإتاحة الحريات، بيد أن المذكرة المقدمة من "أساتذة جامعة الخرطوم" تشترط تنحي الرئيس البشير وحكومته، وإقامة حكومة كفاءات انتقالية بديلة، وهو ما سكتت عنه مذكرة منبر الحوار والسياسات التابع للجامعة، التي أبدى الرئيس البشير ترحيبه بها أمس.
وفور إذاعة نبأ الدفع بمبادرة الجامعة الرسمية، نفى مجموعة من أساتذة الجامعة تمثيلها لهم، وقالوا في بيان إن "مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم" تعمل بمعزل عن "لجنة منبر الحوار والسياسات"، والمكونة بواسطة المدير.
وأكد البيان أن مبادرة الأساتذة جاءت للتعبير عن التضامن مع ما سموه "ثورة الشعب"، ولتأييد مطالبه للنظام بالتنحي الفوري دون شروط، والشروع في الانتقال السلمي للسلطة، وتؤيد مبادئ "إعلان الحرية والتغيير" الذي وقعته قوى المعارضة مع "تجمع المهنيين السودانيين".
وخرجت مظاهرات في مدينة أم درمان تطالب برحيل النظام السوداني وبالحرية والعدالة والسلام، وطافت في عدد من أحياء المدينة، قبل أن تتدخل الشرطة وتفضها بالقوة، مستخدمة الغاز المدمع.
كما نظمت طالبات وطلبة بعض الكليات بالخرطوم وقفات ومظاهرات مماثلة داخل الحرم الجامعي ومحيطه، مرددين هتافات تؤكد سلمية حراكهم.
وخرجت مظاهرة ليلية في حي الملك بمدينة القضارف (شرقي السودان)، تطالب بتنحي البشير وبالحرية والعدالة.
ورفع المتظاهرون شعارات تشير إلى سلمية المظاهرات، وقاموا بإحراق الإطارات في الطرق، في حين قامت قوات الأمن بتفريقهم بالقوة باستخدام الغاز المدمع والعصي، ووقعت مطاردات بين الطرفين داخل الحي والأحياء المجاورة.
من جهة أخرى، حذّر حزب المؤتمر الوطني الحاكم من أن أي تغيير في البلاد لا يستند إلى الحوار سيكون كارثيا.
تعليقك