وذكر المقال: "بعدما إزدحمت وحدات العناية المركزة في إيطاليا وإسبانيا بالمرضى، يضطر الأطباء منذ أسابيع لتحديد أولوية إختيار المرضى الذين يجب أن يتلقون رعاية الطوارئ"
ويفيد التقرير أنه بالإضافة إلى القضايا الأخلاقية المتعلقة بتقنين خدمات الرعاية حسب العمر، يتم الإمتناع عن توفير الرعاية الصحية لكبار السن "الذين دفع الكثير منهم الرعاية الاجتماعية طوال حياتهم" بالإضافة إلى أوجه القصور في مجال الرعاية الصحية المجانية في جنوب أوروبا. وأدت تدابير التقشف في هذه البلدان، التي فرضها البنك المركزي الأوروبي، إلى تخفيض كبير في ميزانية الصحة العامة. وفي إسبانيا مثلا، طالبت الحكومة المحلية في إقليم كاتالونيا، من خلال إصدار بروتوكول سري، عمليا ترك المسنين المصابين بالفيروس في منازلهم ليموتوا بعد أن تفشى فيروس كورونا على نطاق واسع في إقليم كاتالونيا.
وتشير الوثائق المسربة التي كشفت عنها وسائل الإعلام الإسبانية إلى أن الخدمات الطبية الطارئة في منطقة كاتالونيا أمرت الأطباء والممرضات وأفراد سيارات الإسعاف بإبلاغ أسر المرضى المسنين المصابين بالفيروس بأن "الوفاة في المنزل هي الخيار الأفضل".
وجاء في هذه الوثائق إلى أن الموت في المنازل أكثر إنسانية لأنه لا يؤلم المريض، بقوله: أن يموت المرضى في منازلهم مع أسرهم أفضل لهم، لأنه أمر غير ممكن في المستشفيات. كما دعا هذا البروتوكول العاملين في المجال الطبي إلى الامتناع عن الإشارة إلى النقص في أسرّة المستشفيات في كاتالونيا.
وأضاف التقرير أن هذه التوصيات، التي وافقت عليها الجمعية الطبية الكاتالونية، أفادت إن المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا يجب ألا يتم توصيلهم بجهاز تنفس اصطناعي ويجب أن يتم تزويدهم فقط بـ "علاج قناع الأوكسجين". وأوصت هذه الإرشادات التوجيهية بأن "يتم حقن المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا والذين يعانون من ضيق في التنفس بالمورفين لتخفيف الشعور بالاختناق".
ومع ذلك، نفى وزير الصحة في كاتالونيا ألبا فيرجيس النهج التمييزي تجاه المرضى المسنين. كما نفى خافيير خيمينيز، المدير الطبي لخدمة الطوارئ الكاتالونية، هذه المزاعم، لكنه أقر بوجود مثل هذه الوثيقة وقال "ما نقوم به هو تقديم الخيار الأفضل فيما يخص وضع المريض".
وفي أماكن أخرى في إسبانيا، أوصت الجمعية الإسبانية للرعاية الطبية الخاصة في مدريد بإعطاء أقصى علاج للشباب الذين هم أكثر إحتمالًا للبقاء على قيد الحياة. وإذا كان هناك نقص في أسرّة المستشفيات، فيجب ألا يتلقى المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا أو مرضى الزهايمر الرعاية الطبية. وفي إيطاليا، تنص وثيقة أعدتها وحدة إدارة الأزمات في تورينو على أنه لا ينبغي تقديم خدمات رعاية خاصة للمرضى الذين يبلغون من العمر 80 عامًا أو أكثر أو للمرضى المصابين بأمراض خطيرة في حالة نقص أسرة المستشفيات.
وفي وثيقة تسربت إلى صحيفة دي تلغراف البريطانية، ذكر مكتب بيدمونت الإقليمي للحماية المدنية: أنه يجب أن يكون معيار الحصول على رعاية طبية خاصة في حالات الطوارئ، أن يقل عمر المريض عن 80 عامًا أو جمع نقاط أقل من 5 في مؤشرتشارلسون "يوضح هذا المؤشر عدد المشاكل الطبية الأخرى التي يعاني منها المريض". ومن المرجح أن تؤدي الزيادة الحالية في الإصابات، إلى اختلال التوازن بين الاحتياجات السريرية لمرضى كورونا والوصول الفعال إلى موارد العناية المركزة. وإذا لم تكن خدمات الرعاية الخاصة متاحة لجميع المرضى، فمن الضروري وضع معايير للحصول على علاج خاص، والذي يعتمد على الموارد المحدودة المتاحة.
وفي هولندا، تم اتهام الأطباء بمحاولة تقنين أسرّة المستشفيات في وحدة العناية المركزة، وفقًا لوكالة رويترز، وطلبوا من المرضى المسنين الذين يعانون من فيروس كورونا أن لا يلجؤوا الى المستشفيات لتلقي العلاج.
وفي إسبانيا، يوضح أوسكار هارو، مدير فريق للدراجات النارية، في مقطع فيديو نشر على موقع يوتيوب أن والده قد حُرم من جهاز تنفس صناعي بسبب عمره حيث قال: "عمل والدي منذ أن كان عمره 14 عامًا إلى سن الـ 65 وهو لم يطلب شيئا يوما ما. لكنه في 18 مارس كان بحاجة إلى جهاز تنفس اصطناعي لتفادي الموت، لكنه حرم من ذلك، هذه هي إسبانيا. بنى جيل والدي خلال فترة ما بعد الحرب الطرق والزراعة والمعدات في البلاد، كانوا يعملون 14 ساعة في اليوم ولكن الآن تركوا ليموتوا. أنا لا أفهم كيف يموت شخص مثل والدي، الذي عمل طوال حياته وساعد في توفير الضمان الاجتماعي في هذا البلد، بسبب عدم توفر جهاز تنفس صناعي، ولأنه لا يستطيع الحصول على رعاية طبية، بسبب القوانين التي يزعمون بسببها إن رعاية الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عامًا مُكلفة ماديًا، لذلك يُتركون حتى يموتون. لقد تركنا الجيل الذي بنى البلد ليموت. نحن لدينا حقا نظام ضمان اجتماعي مثير للاهتمام، حتى العاملين في مجال الصحة ليس لديهم قفازات طبية لارتدائها، ولم يكن لديهم صباح هذا اليوم ملابس واقية ولا أقنعة. والدي الذي كان دائمًا مع زوجته منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها، لم يُسمح له حتى بتوديعها".
كما كتب مدرب كرة القدم إيفان كال زاباتا، من مدينة مارتري عن كيفية وفاة جده وجدته بسبب فيروس كورونا قائلا: إن جدتي البالغة من العمر 82 عامًا وجدّي البالغ من العمر 71 عامًا لم يموتا بسبب اصابتهم بمرض كوفيد-19، بل إنهُم تُركوا يموتون. لقد منع مسؤولو الصحة الكتالونيون جهاز التنفس الاصطناعي ووحدة العناية المركزة لكبار السن المصابين بالفيروس في كاتالونيا."
وأصدرت الحكومة الإسبانية بيانًا في 3 أبريل / نيسان، لمواجهة الغضب العام المتزايد من نقص الرعاية الصحية للمسنين، أعلنت فيه أن رفض تقديم الرعاية الصحية للمسنين أمر غير قانوني وغير دستوري. ويمكن أن يُعزى نقص الموارد الصحية في إسبانيا وإيطاليا، اللتين هما أكثر عرضة لانتشار فيروس كورونا من أي دولة أوروبية أخرى، إلى عقد من تدابير التقشف.
وجاء في جزء آخر من التقرير، أنه خلال أزمة الديون في أوروبا في عامي 2011 و 2012، وضعت دول شمال أوروبا شروطًا صارمة على الميزانية مقابل حزمة الإنقاذ المالي. وفي ذلك الوقت، كانت البنوك الإيطالية والإسبانية على وشك الإفلاس. وبسبب هذه الشروط الصارمة، انخفض الإنفاق الحكومي على خدمات الصحة العامة بشكل حاد.
وكشفت الحكومة الإسبانية في أبريل 2012، عن مجموعة من تدابير التقشف لخفض العجز العام بمقدار 65 مليار يورو بحلول عام 2014. وقد تسببت هذه الإجراءات التي فرضها البنك المركزي الأوروبي، بتخفيض إنفاق إسبانيا على الصحة العامة بنسبة 10 في المائة. وأوضح رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في ذلك الوقت أن "هذه الإجراءات ليست مرضية، لكنها ضرورية، لأن إنفاقنا الإجمالي أكثر بعشرات المليارات من اليورو من دخلنا القومي".
وفي نوفمبر 2019، أي قبل شهرين من تفشي الفيروس في إسبانيا، كشفت الحكومة أن حوالي 700 ألف مريض كانوا على قائمة الإنتظار لإجراء عمليات جراحية، وكان على المرضى في جميع أنحاء البلاد، الانتظار لمدة 115 يومًا كمتوسط لإجراء العملية الجراحية؛ في حين كان على المرضى في إقليم كتلونيا الانتظار حوالي ستة أشهر؛ وفي مدريد ستة أسابيع.
كما حدث سيناريو مماثل لإسبانيا في إيطاليا، حيث خفضت الحكومة مليارات اليورو في خدمات الصحة العامة منذ عام 2012 مقابل إستلام حزمة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي.
يقول مركز الأبحاث هذا أن العديد من الاقتصاديين كانوا قد قالوا أن على إيطاليا وإسبانيا عدم استبدال عملتهم الرسمية بعملة اليورو، لأنهما بهذا الإجراء سيفقدون استقلالهما المالي، ويضيف المقال: إن هذه الدول غير قادرة على رفع أو تخفيض قيمة عملتهم وبالتالي سيكونون عاجزين عن إدارة الصدمات الاقتصادية. ومن الجدير بالذكر أن اليورو يُتداول في 19 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.
وخلص التقرير إلى أن "شدة أزمة فيروس كورونا في إيطاليا وإسبانيا ترجع إلى حد كبير إلى تدابير التقشف المتعلقة بعملة اليورو". وفي هذين البلدين، تُرك المرضى المسنون ليموتوا. ويبدو أن ارتفاع عدد الوفيات، وخاصة بين كبار السن، هو ثمن إنضمام إيطاليا وإسبانيا في عضوية الاتحاد المالي، الاتحاد الذي لم يجب ان ينضما اليه ابدًا.
المصدر: الوقت
تعليقك