وكالة مهر للأنباء - زينب شريعتمدار: بالرغم من كل هذه السنوات الكثيرة وبالرغم من الدعم اللا محدود للكيان الغاصب الذي حظي به من قبل الدول الظالمة الاستعمارية، وفي ظل الضغط على كل حكومات العالم للتعامل مع هذا الكيان وقبوله ودفعهم لاقامة علاقات تطبيعية معه وخصوصا الدول العربية في السنوات الاخيرة الا ان الكيان الصهيوني ما زال غريبا، ولم يحط باي اعتراف شعبي حقيقي، ما زال هذا المشروع مجرد بيت ليس له اسس عميقمة مجرد كرافان او بيت تركيبي يمكن ان يفكك في اي لحظة، وبالرغم من سنواته الطويلة لم يستطع ان يقضي على الساكن الاصليين ولم يستطع التخلص منهم، وما زال المشروع الصهيوني دون جذور ولن يصبح جزء من نسيج المنطقة.
ان اسرائيل كلما أمعنت في قتل الفلسطينيين وفي اغتصاب هذه الأرض كلما زادت سجلها من الجرائم ومما يؤكد علی أنها كيان مغتصب تقوم على اساس الجرائم الدولية والفصل العنصري وهذا يزيد من احتمالية إسقاطه.
ان إسرائيل حاولت منذ عام النكبة ۱۹۴۸ إنكار وجود الشعب الفلسطيني وأن فلسطين كانت أرضا بلا شعب ومن أجل تحقيق هذه الأمنيه بإنكار وجود شعب فلسطيني كانت المحاولات لضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية وقطاع غزة لمصر ولكن بعد تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية في منتصف الستينات من القرن الماضي والقائمة على فلسطين الكاملة وحق العودة ومواجهة العدو الصهيوني من خلال الكفاح المسلح وكل ذلك أفشل المخطط الصهيوني بتجاوز الشعب الفلسطيني ومحنته على الرغم من كل المجازر التي قام بها العدو قبل النكبة عام ۱۹۴۸ وبعدها والتي قال عنها "مناحيم بيجن" رئيس وزراء دولة العدو سايقاً " لولا مذبحة دير ياسين لما قامت اسرائيل ".
ويقوم الفلسطينيون المهجرون والأجيال التي لحقت بهم باحياء ذكرى مذبحة دير ياسين استذكاراً بالمذابح التي اقترفها الصهاينة ضدهم عام 1948 حيث تم احتلال اراضيهم وهدم منازلهم وقراهم واخلاء المدن ليهرب الفلسطينيون الى مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
سأذكر بلدتي ما دمت حياً وأذكر مرجها ثم الشعابا
وأُقرئ دير ياسين سلاماً متى شعّ الضحى نوراً وغابا
قارعت الطغاة بيوم نحس وقد صمدت صموداً لن يعابا
** دوافع المذبحة دير ياسين
بعد قرار التقسيم وفي الأشهر الأخيرة من الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1948 وصل التنافُس إلى ذروته بين منظمة الهاغانا من جهة والمنظّمتين الإرهابيتين الأرغون "ايتسل" والشتيرن "ليحي" من جهة أخرى، وذلك أن الأولى كانت تمثّل التيّار "اليساري" العمالي الحاكِم بقيادة ديفيد بن غوريون في المجتمع اليهودي الفلسطيني، وكانت الأخريان تمثّلان التيار اليميني المتشدّد بتعاليم فلاديمير جابوتنسكي (1880-1940)، الذي كان أبرز قادته مناحيم بيغن، خليفة جابوتنسكي.
ويقول المؤلّف الصهيوني عاموس بيرلميوتر الذي كتبَ سيرة مناحيم بيغن قائد "ايتسل" الأعلى إنه "لكي نفهم ما حصل في دير ياسين يجب أن نفهم ذهنيّة بيغن ونظرته إلى العرب في إطار الظروف السياسية والعسكرية القائمة، وهي ذهنية ونظرة استلهمهما من مُرشده جابوتنسكي مؤسّس الحركة التصحيحية " حيث يؤكد على ان الكيان يرفض رفضاً قاطعاً، أي ادّعاء لعرب فلسطين بأية حقوق سياسة أو اقليمية في أرض إسرائيل؛ وقد حرص جابوتنسكي على نزع الرومانسية عن الشرق.
وكان أهم مجال لهذا التنافُس هو المجال العسكري أي العمليات العسكرية والإرهابية ضد الفلسطينيين التي حلّت محل مثيلتها ضد البريطانيين في الفترة السابقة لقرار التقسيم، وكان أخطر مسرح لهذا التنافُس مدينة القدس وريفها لما تمثّله القدس من أهمية رمزية وتاريخية ودينية وسياسية واستراتيجية. وكان حصاد هذا التنافُس المُرتجى مكاسب سياسية لدى الرأي العام اليهودي في فلسطين تُحدّد موقع كل من التيارين على الخريطة السياسية للدولة العبرية المُرتَقبة الولادة فور انتهاء الانتداب في 15 أيار (مايو) 1948 بعد أن حصلت على الضوء الأخضر في قرار التقسيم.
إن الدافع الأساسي كان اقتصادياً لانهم كانوا في أمسّ الحاجة إلى الغنائم لتموين قواعد المنظمتين التي كنا أسّسناها حديثاً مع بقاء الهدف الأمني العسكري.
وبعد اتخاذ القرار بالهجوم على دير ياسين اجتمع قادة "ايتسل " و"ليحي" العسكريون لوضع خطة الهجوم وحضر الاجتماع عشرة منهم، بمن في ذلك "بن تسيون كوهين" قائد الهجوم القادم ممثلاً للـ "ايتسل" (الأرغون) ومساعده "يهودا لبيدوت"، وضابط عمليات "ايتسل" يهوشع غولد شميت، وحضر عن "ليحي" (الشتيرن) بتحيا زليفنسكي قائد وحداتها، ومردخاي بن غوزيهو ضابط عملياتها.
ويقول يهودا لبيدوت مساعد كوهين في شهادة له عن الاجتماع "إن الاقتراح بتصفية سكان دير ياسين جاء خلال هذا الاجتماع من "ليحي"، وأن الغرض من ذلك كان أن نثبت للعرب ماذا يحدث عندما تشترك "ايتسل" و"ليحي" في عملية واحدة، وأن نحدث عاصفة من الأصداء تجتاح البلد بأسره وتصبح نقطة تحوّل في القتال بيننا وبين العرب. وبكلمة كان المقصد تحطيم معنويات العرب ورفع معنويات الجالية اليهودية في القدس ولو قليلاً، وهي التي كانت في الحضيض نتيجة الضربات الموجِعة التي كانت قد تلقّتها مؤخراً.
إن الدافع الأساسي كان اقتصادياً ذلك أننا كنا في أمسّ الحاجة إلى الغنائم لتموين قواعد المنظمتين التي كنا أسّسناها حديثاً مع بقاء الهدف الأمني العسكري.
** يوم المذبحة
في فجر يوم الجمعة من التاسع من ابريل عام ثمانية واربعين من القرن الماضي ارتكبت المنظمات الصهيونية عملاً وحشياً نظّمته منظمات "ارغون" و"شتيغن" الصهيونية، في قرية دير ياسين الواقعة غرب مدينة القدس على بعد كيلومتر واحد غرب مدينة القدس الى جانب القسطل وهي من المواقع العسكرية المهمة، حيث اسفرت هذه المجزرة عن استشهاد 254 فلسطينياً.
مجزرة دير ياسين عُدت كواحدة من ابشع تجسيد لمظاهر التطهير العرقي بحق الفلسطينيين خلال احداث النكبة
كانت هذه المجزرة مباغةً غادرة، اذ جاءت بعد اسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها اهالي دير ياسين. فبعد ان تم اعتماد الهدنة، قام اليهود بتوريد الاسلحة وبكميات كبيرة الى المناطق المحيطة بدير ياسين، ثم قاموا بالهجوم على هذه البلدة من ثلاث جهات، وخلال ساعات اُعدمت هذه القرية بالكامل واختفت ملامح الحياة منها ولم يبقى فيها اثر الا للموت.
مجزرة دير ياسين عُدت كواحدة من ابشع تجسيد لمظاهر التطهير العرقي بحق الفلسطينيين خلال احداث النكبة. فشكّلت هذه المجزرة مرحلة فاصلة في تشريد الشعب الفلسطيني في خارج الديار وفي ارضة وصولاً الى تاريخ الخامس عشر من ايار من العام ذاته، حيث توّجت المجازر باعلان النكبة الفلسطينية. فدير ياسين لم تكن البداية ولا النهاية، لكن هناك سُطّرت الحكاية؛ حكاية شعب متجذّر في ارضة يحمل مُسمّى لاجئ.
في اليوم التالي لاستهاد عبدالقادر الحسيني هبطت معنويات اهالي القدس، في ذات الوقت كان الصهاينة يعانون بسبب حصار الثوار العرب للأحياء اليهودية في القدس، فاستغل الصهاينة هذا الحدث لارتكاب جريمة كبيرة لاعادة الروح المعنوية فلم يجدوا امامهم سوى قرية دير ياسين. وكان عدد السكان فيها 750 فلسطيني، فيما يجاورها 150 ألف مستوطن بالمستوطنات المحيطة، لكن الصهاينة لم يحترموا الاتفاق وقرروا ازالة القرية من الوجود.
وبدأ الهجوم في التاسع من نيسان عام ثمانية واربعين، واشتركت فيه طائرة حربية وفرقة مشاة و50 دبابة، وهوجمت دير ياسين من 3 جبهات ووُضعت جماعات صهيونية غربي القرية لمنع هروب الاهالي منها، ولم يكن في القرية سوى 85 مسلحاً ليس لديهم من الذخائر ما يكفي لمقاومة الصهاينة اكثر من ساعة.وكان يقود الفلسطينيين شاب يُدعى "علي قاسم" استغاث الاهالي بجيش الانقاذ المرابط بالمالحة وعين كارم وثم استغاثوا بالصليب الاحمر الا ان احدا لم يغث القرية. وقاوم الاهالي العصابات الصهيونية بكل شجاعة.
من ابرز قصص الدفاع ما قام به الشهيد "محمد الحاج عايش" الذي ظل يقاوم حتى استشهد ولما قُتل زغرتت والدته "حلوة زيدان"، فنزل الى الميدان والده الحاج "عايش" فاستُشهد، ثم زغرتت "حلوة" ونزلت بنفسها الى الميدان وظلّت تقاتل الى ان استُشهدت ايضاً. اما القائد الشاب "علي قاسم" فقتل بنفسه عشرة من الصهاينة، والمجاهد فؤاد عبد الحميد سيور الذي اخترق صفوف العصابات وقتل بقنبلتين معه 9 من العصابات اليهودية. ولم يستسلم اهل القرية وقاتلوا حتى نفذت ذخيرتهم فقتلوا ما لا يقلّ عن 100 من الصهاينة.
وعند دخول العصابات اليهودية الى القرية قتلوا فيها من بقي من اهلها، ومثّلوا بجثث القتلى حتى بلغ عدد الشهداء 110 شهيدا. ثم سيق الناجون من الشيوخ والنساء والاطفال الاسرى الى الاحياء اليهودية في القدس للتشهير بهم، وما ان وصل الناجون الى الاحياء العربية حتى بدؤوا بالحديث عن الفظائع الصهيونية التي حدثت لهم./انتهى/
تعليقك