وكالة مهر للأنباء - سامي كليب: ليس مشهدُ صهاريج المازوت الإيراني القادمة بحرا من إيران والعابرة براً سورية، والواصلة بلا أي اعتراض لعند حزب الله في لبنان، أمراً عادياً، فما حصل يشبه الأحداث الكبرى التي وقعت في المنطقة منذ عقود. ولذلك فإن التعامل معه بحسابات سياسية داخلية ضيقة في لبنان، هو ضربٌ من الوهم أو الخلل الاستراتيجي الذي اوصل البلاد والمنطقة الى ما وصلت اليه.
هو الى حدٍ ما يُشبه مثلا قرار حزب الله الانخراط في الحرب السورية، فآنذاك قيادة الحزب هي التي قرّرت، وهي التي أقنعت ايران بدعم القيادة السورية، ذلك ان بعض القيادات الايرانية كانت مترددة، لكن قائد الثورة حسم القضية، وسلّم مفاتيحها للسيد حسن نصرالله ولقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
من المهم اليوم ربط خطوة الصهاريج بوصول السيد إبراهيم رئيسي إلى رئاسة ايران، ومن المهم كذلك القاء نظرة على العودة الايرانية الى منطق التشدد حيال التفاوض النووي مع اميركا والغرب دون اغلاق الباب امام مفاوضات بلا شروط ولا اضافات، ومن المهم ثالثا النظر الى رفض ايران الضغط على انصار الله الحوثيين لانهاء حرب اليمن رغم ٣ جولات من التفاوض الايراني السعودي، ومن المهم ومراقبة ايران ايضا للوجود الاميركي في سورية، لكي ندرك ان ثمة مناخا جديدا في طهران يوحي بمراجعة عميقة للاستراتيجية الخارجية ورفع مستوى التشدد حتى لو وصل الامر الى مواجهة.
ولا يمكن فهم هذا المناخ الجديد، بلا معرفة الدور العميق والبعيد عن الاضواء الذي يلعبه السيد حسن نصرالله في مختلف الملفات الاقليمية من العراق الى اليمن وفلسطين ولبنان، ذلك أنه هو الذي يدير جزءا لا بأس به مما يحصل، وايران بهذا المعنى تعتمد عليه وليس العكس. فهل يعرف احد فعليا ما هي انواع الاجتماعات التي يعقدها مع اطراف المنطقة لتصليب عود المحور؟.
قال الاعلامي اللبناني ان التعامل مع مشهد صهاريج المازوت الايراني القادمة من ايران، على انه أمراً عادياً لهو ضربٌ من الجنون، والتعامل معه بحسابات سياسية داخلية ضيّقة، لهو خلل استراتيجي خطير
لم تكن ايران هذه المرة بقيادة رئيسي وتحت اشراف قائد الثورة بحاجة الى جهد اقناعي كبير من السيد حسن نصرالله، فالحزب الذي يعتبر احد اهم ركائزها الخارجية، قرّر في لحظة التخبط الاميركي والاستعداد للانسحاب من افغانستان وفي لحظة التشبيك الجدية بين طهران والصين وروسيا، ان ثمة فرصة استراتيجية كبيرة لفك الحصار بالقوة عن لبنان وسورية، وبعث رسالة بحرية وبرية حول حدود المواجهة.
كل المعلومات كانت تشير الى ان طهران والحزب كانا على استعداد للرد عسكريا لو تعرّضت ناقلات النفط لهجوم اسرائيلي او اميركي. وحين طرح الحزب الفكرة على طهران لبّت سريعا، لأن هذا الأمر ينسجم تماما مع المناخ العام السائد حاليا فيها منذ تولي رئيسي مقاليد الرئاسة.
ثمة من يقول إن الأمر حصل بالتفاهم الضمني مع واشنطن. يبدو هذا الأمر صعبا في الوقت الراهن، فأميركا وعلى العكس تماما، سارعت الى الاستنجاد بمصر والأردن لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية، لا بل انها ذهبت الى حد استثناء هذا الامر من قانون قيصر حتى تسبق النفط الايراني الى لبنان. وكان قد سبق هذه الخطوة من الحزب، رفعٌ عالي المستوى لخطاب نصرالله ضد السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا.
الواضح ان المنطقة اذا تشهد في الوقت الراهن، حركة مترابطة ومتكاملة لـ" محور" يمتد من طهران الى العراق فسورية ولبنان وصولا الى فلسطين، وهي حركة لا تعترف ضمنيا بالحدود في إطار المشروع الاستراتيجي، وتزيد فرص استنادها على الشرق الصيني-الروسي.
الواضح كذلك ان المحور المناهض، اكان محليّا في لبنان، او اقليميا او دوليا، ليس لديه مشروع واضح او فعّال، وهو ما يترك المجال واسعا لطرح السؤال التالي: ماذا لو اختارت اميركا التعامل مع هذا المد الاستراتيجي ذي القاعدة الشيعية، على انه امر واقع، واختارت ان الانسب بالنسبة لها مستقبلا هو الاعتماد على الأقليات؟.
اكد الكاتب اللبناني ان كل المعلومات كانت تشير الى ان طهران والحزب كانا على استعداد للرد عسكريا لو تعرّضت ناقلات النفط لهجوم اسرائيلي او اميركي
السؤال المطروح، ما مدى احتمالية خروج إسرائيل عن ضوابطها ومحاولة كسر هذه الحلقات المترابطة بمغامرة عسكرية اعتقادا منها بأن الخسائر اليوم ومهما كانت بالغة، افضل من الخسائر غدا حين يتصلّب عود هذا المحور اكثر ويقترب بقوة الى حدود فلسطين.
يحاول العرب المقرّبون من المحور الغربي، الالتفاف على ما يحصل، فيعقدون اجتماعات على مستوى مصر والاردن والعراق، ويقتربون من سوريا، وبعضهم يعزز العلاقات مع اسرائيل، لكن من غير الواضح فعلا كيف يستطيعون بعد اليوم، صدّ هذا التمدد الايراني الذي نجح، على الاقل حتى الآن، في فرض نفسه في خمس دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. فحين عُقدت قمة بغداد الاخيرة للحوار والشراكة، تصدّر وزير الخارجية الايراني المشهد، وتصرّف كأنه رئيس وليس مجرد وزير خارجية.
انطلاقا من كل ما تقدم، ربما ينبغي النظر الى خطوة الصهاريج العابرة للحدود، ليس من منطلق محلّي ضيق، وإنما من هذا المنظور الواسع، والذي يستند الى التغيير الحاصل في ايران منذ وصول إبراهيم رئيسي الى الرئاسة الايرانية. وفي هذا نجح الحزب، في تحقيق ضربة اجتماعية وسياسية وأمنية وإعلامية لافتة، في استعادة وهج كان بحاجة اليه شعبيا منذ انتفاضة 17 تشرين 2019 وفي تهديد كارتيلات الاحتكارات النفطية، وفي ضرب فكرة الحياد التي جاهر بها البطريرك بشارة الراعي، وفي ربط علاقات مباشرة لبنانية سورية.
فصمتَت الحكومة التي تحتاج الى دعمه رغم ادراكها ان ما يفعله يتخطى الدولة ويكسر الحدود، وصمت بعضُ المناهضين له من منطلق إدراكهم بالتتغيرات الكبرى في المنطقة، وصرخ آخرون بأن في الأمر كسرا لهيبة الدولة وسيادتها وحدودها، لكن أحدا لا يسمعهم في المعادلات الاقليمية والدولية الكبرى، وأيّد المناصرون أو الطامحون لكسب ود الحزب انتخابيا وسياسيا خطوة الصهاريج، وفرح جزء متنوّع وكبير من الناس في لبنان بوصول النفط اليهم بعدما عانوا الذل.
لكن كل هذا ليس مهما، الأهم هو أننا في مرحلة جديدة تتطلب قراءة اخرى، خصوصا أن القمة الروسية السورية الأخيرة وما تبعها من اتصالات مع طهران، أمور تؤكد أن المحور يتصرف من منطلق قوة ويريد أن تعترف أميركا بأمره الواقع، اذا أرادت التفاوض. لكن هل استقر الأمر هنا؟ ليس أكيدا، فالمحور الغربي ومعه إسرائيل، يفكّرون بكيفية الرد، ذلك ان في الأمر ما يعزز أيضا قدرات الصين وهي الهاجس الأهم لأميركا والغرب. فهل يصعّد أم يفاوض؟ هذا هو السؤال.
/انتهى/
تعليقك