وكالة مهر للأنباء - عادل الجبوري: وسط أجواء يشوبها الكثير من التشكيك واليأس والاحباط الممتزج بقدر قليل من التفاؤل والحماس والاندفاع، انطلقت الانتخابات البرلمانية الخامسة في العراق، بالتصويت الخاص لمنتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية قبل يومين من موعد التصويت العام في العاشر من شهر تشرين الأول-اكتوبر الجاري.
وتجري الانتخابات الاخيرة في ظل ظروف واوضاع تختلف، ربما الى حد كبير عن الظروف والاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية التي جرت فيها الانتخابات الاربعة السابقة. حيث كانت الانتخابات البرلمانية الاولى، قد اجريت في نهاية عام 2005، بعد شهرين ونصف من الاستفتاء الشعبي العام على مشروع الدستور الدائم، وبعد حوالي عام من انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان المؤقت)، التي كانت مهمتها الأساسية انجاز كتابة الدستور واقراره.
وبينما قاطع الكثير من القوى السياسية السنية تلك الانتخابات، ودفعت جمهورها الى عدم الاشتراك فيها، كما فعلت حيال الاستفتاء على الدستور، بحجة خضوع البلد للاحتلال، دون أن يعني ذلك غياب التمثيل السني، حصدت القوى الشيعية المنضوية تحت مظلة الائتلاف العراقي الموحد، غالبية مقاعد البرلمان الـ(275)، لتتشكل أول حكومة من رحم البرلمان الجديد المنتخب برئاسة نوري المالكي، خلفا للحكومة الانتقالية برئاسة ابراهيم الجعفري.
وعام 2010، جرت الانتخابات البرلمانية الثانية، بنفس آليات وسياقات الانتخابات السابقة، وفق نظام القوائم، وحساب الأصوات وتوزيع المقاعد بنظام (سانت ليغو)، ولم تتغير المعادلات السياسية وحجوم القوى والمكونات، في ظل مشاركة اكبر من قوى المكون السني، ومشاركة التيار الصدري الى جانب القوى الشيعية ضمن الائتلاف الوطني العراقي.
وبسبب تقارب النتائج بين الائتلاف الوطني العراقي(89) مقعدا، والائتلاف العراقي بزعامة اياد علاوي (91)، والخلاف حول تفسير الكتلة الاكبر، تأخر تشكيل الحكومة الجديدة حوالي تسعة شهور بعد الانتخابات، الى أن حسمت المحكمة الاتحادية الأمر، حينما قالت ان الكتلة الاكبر هي التي تتشكل تحت قبة البرلمان قبل انعقاد الجلسة الاولى، لا تلك التي تحصد المركز الاول في الانتخابات، لتؤول رئاسة الحكومة مرة اخرى للامين العام لحزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي.
وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية الثالثة التي جرت في عام 2014، فإنها كانت أول انتخابات تجرى بعد نهاية الاحتلال وانسحاب كامل القوات الأميركية من البلاد في نهاية عام 2011، وبدلا من أن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، أصبحت كل محافظة من المحافظات الثمانية عشرة دائرة انتخابية بحد ذاتها.
وفيما كان الجدل والسجال قد احتدم مبكرا حول عدم منح ولاية ثالثة للمالكي، فرض اجتياح تنظيم "داعش" الارهابي لبعض مدن ومناطق العراق في حزيران-يونيو من ذلك العام، أي بعد أقل من شهرين على اجراء الانتخابات، استحقاقات مختلفة وملحة، أفضت في ما أفضت إليه إلى تنازل المالكي، رغم حصول ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه على مركز متقدم في الانتخابات، وتكليف القيادي السابق في حزب الدعوة حيدر العبادي بتشكيل الحكومة مدعوما من القوى الشيعية والكردية والسنية الرئيسية.
ويبدو أنه بعد أربعة أعوام، وعلى ضوء نتائج ومعطيات وظروف الانتخابات البرلمانية الرابعة لم يفلح العبادي في البقاء بالمنصب لولاية ثانية، ليصار الى تكليف القيادي السابق في المجلس الأعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي، كخيار توافقي وشخصية مستقلة لتشكيل الحكومة، الا انه لم يمر اكثر من عام ونصف على عمر حكومته، حتى تقدم باستقالته الى مجلس النواب، نتيجة اندلاع الحراك الجماهيري الاحتجاجي في تشرين الاول-اكتوبر من عام 2019، وبفعل ضغوطات خارجية، لا سيما من الولايات المتحدة الاميركية وبعض حلفائها، بسبب سياساته ومواقفه المضادة لواشنطن، والمتجهة للانفتاح بدرجة اكبر على الصين وروسيا وايران.
وفيما بعد تم التوافق بين القوى السياسية المختلفة على تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة مؤقتة، تكون مهمتها الاولى تهدئة الشارع واجراء انتخابية برلمانية مبكرة، وبالفعل حظيت حكومة الكاظمي بثقة البرلمان في السابع من ايار-مايو من عام 2020، وحددت السادس من شهر حزيران-يونيو 2021 موعدًا لاجراء الانتخابات المبكرة، بيد أنه لأسباب قيل إنها فنية، تم ارجاء الموعد الى العاشر من تشرين الاول-اكتوبر من هذا العام.
توصل البرلمان الى صياغة واقرار قانون جديد للانتخابات، يقضي بتقسيم العراق الى ثلاث وثمانين دائرة انتخابية، ومغادرة نظام سانت ليغو، والاخذ بنظرية الفائز الاكبر في تقسيم مقاعد البرلمان، عبر اعتماد الترشيح الفردي، وإلغاء تصويت الخارج
وخلال ذلك، جرى استبدال رئيس واعضاء مجلس مفوضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بآخرين من القضاة المستقلين والبعيدين عن الانتماءات الحزبية، وكذلك توصل البرلمان الى صياغة واقرار قانون جديد للانتخابات، يقضي بتقسيم العراق الى ثلاث وثمانين دائرة انتخابية، ومغادرة نظام سانت ليغو، والاخذ بنظرية الفائز الاكبر في تقسيم مقاعد البرلمان، عبر اعتماد الترشيح الفردي، وإلغاء تصويت الخارج، وقد أتاح القانون الجديد مساحة جيدة للمستقلين للترشح والتنافس مع مرشحي الأحزاب والكيانات السياسية.
وما لوحظ في الانتخابات الأخيرة، انخفاض أعداد المرشحين مقارنة بالانتخابات السابقة، إذ بلغ عدد مرشحي هذه الدورة 3243 بينهم 951 امرأة، يتنافسون على 329 مقعدا، تسعة منها مخصصة للأقليات، في حين تنافس في انتخابات 2018 أكثر من سبعة آلاف مرشح مثلوا 320 حزبا وائتلافا.
وبينما كان عدد الذين يحق لهم المشاركة في التصويت الخاص حوالي مليون ومائة الف شخص، وبلغت نسبة المشاركة منهم 69% بحسب مفوضية الانتخابات، يبلغ عدد الذين يحق لهم المشاركة في التصويت العام حوالي خمسة وعشرين مليون شخص.
الأمر الآخر، أن عددا من الزعامات السياسية التقليدية التي كانت في السابق تتصدر القوائم، مثل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس المجلس القيادي لتحالف قوى الدولة حيدر العبادي، ورئيس تحالف العقد الوطني فالحح الفياض، قررت هذه المرة عدم خوض السباق الانتخابي، والاكتفاء بتزعم التحالفات وتوجيه الأمور.
في ذات الوقت قررت شخصيات سياسية، ربما تعد من الخط الثاني، الدخول في معترك التنافس الانتخابي، مثل رئيس تجمع اقتدار وطن عبد الحسين عبطان، ورئيس حركة الوفاء العراقية عدنان الزرفي، ومحافظ البصرة اسعد العيداني، والقيادي في التيار الصدري والنائب الاول لرئيس البرلمان حسن الكعبي، والقيادي الاخر في التيار الصدري حاكم الزاملي، والوزير السابق ورئيس تحالف الفراتين محمد شياع السوداني، الى جانب شخصيات بارزة من المكون السني، كرئيس تحالف تقدم ورئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، ورئيس البرلمان الاسبق محمود المشهداني، ومحافظ الانبار علي فرحان، والقيادي في تحالف عزم محمد الكربولي.
واذا كان البعض لا يرى ولا يتوقع شيئا جديدا من انتخابات تشرين 2021، فإن البعض الآخر يعتقد أن الصورة ستتغير لكن ليس جذريا. ولعل النتائج والمعطيات الاولية للانتخابات، التي من المفترض ان تظهر بعد اربع وعشرين ساعة من اغلاق صناديق الاقتراع، كما اكدت المفوضية، يمكن أن تؤشر الى بعض من معالم وملامح المشهد السياسي المقبل، وطبيعة الاستحقاقات التي ستفرض نفسها على الشركاء والفرقاء./انتهى/
تعليقك